د. عبد الصمد الرواعي: أستاذ التعليم العالي مؤهل، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة شعيب الدكالي، الجديدة
لقد نظم مختبر البحث في البلاغة واللسانيات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة شعيب الدكالي بالجديدة يومي الأربعاء 23 والخميس 24 نونبر 2016، الندوة الدولية الثانية في موضوع “تخطيط متن اللغة العربية: الواقع والآفاق”. وتضمنت الندوة أبحاثا عنيت بتدقيق النظر في المحاور التالية:
دور التخطيط اللغوي في تهيئة اللغات؛
تخطيط تعلم العربية وتعليمها؛
المستويات اللغوية الداخلية: صوتيات، معجم، صرف، تركيب، دلالة؛
الدرس البلاغي في ضوء الدراسات اللغوية الحديثة (تداوليات، لسانيات الخطاب…).
ولقد شارك في الندوة باحثون من دول عربية شقيقة: من العراق والإمارات وتونس والجزائر ومن مؤسسات جامعية مغربية مختلفة، وقاموا بعرض آخر مستجدات البحث العلمي في المجالات المرتبطة بمحاور هذه الندوة العلمية.
وتهدف أبحاث الندوة إلى تسليط الضوء على طبيعة التطور الذي طرأ على اللغة العربية من منظور البحث اللساني المعاصر، عبر مراجعة أوصافها ببناء أوصاف جديدة، وتطوير معطيات تحليلية جديدة لمتن اللغة العربية القديمة والمعاصرة، وتقويم مناهج تدريسها وتيسير تعليمها وحوسبتها والعمل على تأهيلها وتمكينها وربطها بالحياة الوظيفية لتتبوأ المكانة اللائقة بها وتصير لغة وظيفية ترقى إلى مصاف اللغات الحية العالمية.
ولقد تضمن اليوم الأول من الندوة ثلاث جلسات تم فيها تقديم أبحاث عديدة. إذ دققت الجلسة الأولى في قضايا تتصل بالدور الذي يضطلع به التخطيط في تهيئة اللغات. وارتباطا بهذا المحور، أبرزت الباحثة سعيدة كحيل من جامعة عنابة بدولة الجزائر الشقيقة الدور الذي يضطلع به التخطيط للغة العربية في النهوض المعرفي، وقدمت نماذج تطبيقية من الجزائر والمغرب لمتون للغة العربية في مجالي الاقتصاد والبنوك، رغبة في تأهيل استعمالها في المجالات الوظيفية الحيوية، دون إقصاء للعاميات واللغات الأجنبية. كما توقف الباحث حسان بوكيلي من الكلية المتعددة التخصصات بتازة عند أسس التخطيط اللغوي وامتداداته، مدققا في مبادئ التخطيط اللغوي ومقارباته، على مستويي الوضع والمتن، ومتفحصا طبيعة الامتدادات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية للتخطيط اللغوي في ضوء جدلية التكاليف والمكاسب. ولقد فصل الباحث المصطفى حسوني القول في بواعث طفرة التغيير والتخطيط اللغوي، وميز لأجل ذلك بين فضاءين من التعدد اللغوي: فضاء يغلب فيه طابع التردد والحيرة على السياسة اللغوية المتبعة في الدول التي في طريق النمو، وفضاء ثان يمثل اختيارات ترتبط بمجتمعات متقدمة تبنت لغة سائدة معينة، وصارت ممثلة للغة الرسمية التي ترمز لتقدم البلاد ورقيها.
ولقد ركزت الأبحاث المتصلة بالجلسة الثانية والثالثة على قضايا التخطيط لتعلم اللغة العربية وتعليمها فرصد الباحث محمد الرحالي من جامعة ابن طفيل كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقنيطرة جملة المشكلات التي ترتبط بتعليم العربية وتعلمها بين نظام القواعد ومعطيات المتن، وبيَّن الحاجة إلى وصف جديد للعربية، لأن هذه الأخيرة تطورت في معظم بنياتها الأسلوبية وفي معاني معجمها وفي كثير من بنياتها الصرف تركيبية، غير أن هذا التطور لم يواكبه مجهود وصفي “كاف” لرصد هذه البنى والتقعيد لها، مقترحا إعادة تنميط الجملة العربية ومراجعة أبوابها. مثلما توقف الباحث صالح النصيرات من جامعة “أبو ظبي” بدولة الإمارات عند قضايا تعلم العربية وتعليمها وفق معايير المناهج مركزا على التجربة الإماراتية، مبينا أن التعليم ينبغي أن يتجاوز إطار تحقيق المهارات البسيطة من الحفظ والفهم والاستيعاب إلى التحليل والتركيب والتخطيط للتعلم، وجعْلِ المتعلم قادرا على توظيف قدراته الشخصية وتطوير استراتيجيات للتعلم تحقق الاستقلالية الذاتية لديه.
وترد مشاركة الباحث لحسن توبي من المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالدار البيضاء في سياق الرغبة في تطوير ديداكتيك اللغة العربية بالسلك الأول ينبني على الانطلاق من الواقع السوسيو-لساني للطفل وإقامة جسر بين معرفته اللغوية الاجتماعية والمضمون اللغوي، مشددا على ضرورة الاستناد إلى مبدأ “المعرفة الاجتماعية المرجعية” للمحتوى التعليمي، فضلا عن عملية “النقل الديداكتيكي” لهذا المحتوى. ولقد درست الباحثة السعدية مجدولي من الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين، جهة سوس-ماسة المعجم المدرسي، مبرزة خلو الكتب المدرسية بمختلف أسلاك التعليم خلوا تاما من تدريسه وغياب أية أنشطة ديداكتكية ترتبط بتنمية المعجم لدى متعلم اللغة العربية، خلافا لمقررات اللغات الأجنبية. وقد ترتب عن ذلك افتقار المتعلم لرصيد معجمي يمكنه من القراءة والفهم ثم الإبداع. وتدعو الباحثة إلى ضرورة العناية بالمستوى المعجمي في مختلف المقررات الدراسية في إطار التخطيط لمتن اللغة العربية.
ودقق الباحث احميد عبد العالي من الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين، جهة درعة-تافيلالت في “تدريسية اللغة العربية بين التخطيط والتدبير”، مركزا على آثار تدني الأداء التعبيري للمتعلمين وانعكاساته على تطوير كفايتهم التواصلية، وعلى علاقة التخطيط اللغوي بتدريس اللغة العربية بالسلك التأهيلي من خلال الوقوف عند مكون التعبير والإنشاء خاصة ثم علاقة التخطيط والتدبير بإنتاجات المتعلمين الكتابية. كما ناقش الباحث احفيظ مدني علوي من الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين، جهة الدار البيضاء- سطات استراتيجية تعليم العربية وتعلمها من خلال اعتماد تقنية الملء المعجمي. ويفترض أن الملء المعجمي استراتيجية من الاستراتيجيات الفعالة في تعليم اللغة العربية وتعلمها، خاصة لدى تلاميذ المستوى الابتدائي، عوض التركيز على قواعد النحو. كما قدم قراءة في نماذج التعبير الكتابي للتلاميذ، مركزا على إجراءات الملء المعجمي وكفايته. وبيَّن الباحث سالم الرامي من الكلية المتعددة التخصصات بآسفي أنّ الخضوع للمعايير الدولية أمر ضروري للتصنيع اللغوي، لا سيما في ضوء التغيرات الهائلة التي حدثت في مجال تكنولوجيا المعلومات في السنوات الأخيرة. وعمد إلى تدقيق النظر في بعض المعايير المهمة في التصنيع اللغوي في مجالات إنشاء وإدارة المحتوى اللغوي والترجمة والمصطلحات، وتناول العديد من المعايير التي تهمّ مجالات نمذجة المحتوى وإنشاء النماذج والخدمات على شبكة الإنترنت.
وتضمن اليوم الثاني من الندوة الدولية المتصلة بتخطيط متن اللغة العربية ثلاث جلسات ترتبط بالمستويات الداخلية للغة بما تشمله من صوتيات وصرف ومعجم وتركيب ودلالة، فضلا عن عنايتها بمجالي التداوليات ولسانيات الخطاب. وتمحورت الجلسة الأولى حول القضايا والإشكالات التي يثيرها البحث الدلالي الحديث. وتوقف الباحث عبد المجيد جحفة من جامعة الحسن الثاني كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء عند البنية الدلالية لألفاظ الألوان في العربية، عبر فحص المجال الدلالي والتصوري العام لألفاظ الألوان، والبحث في أشكال اشتقاقها الصرفي في اللغة العربية، ثم فحص الفرضية الكلية التي تذهب إلى وجود خطاطة سلَّمية للألوان تُحقِّقها كلُّ اللغات، ومفاضلتها بالفرضية النسبية التي تربط الاشتقاق الدلالي لألفاظ الألوان بالشروط الخاصة بكل ثقافة من الثقافات. وطور الباحث أحمد بريسول بحثا عن البنية الموضوعية لأفعال النشاط، مفترضا وجود نمطين من أفعال الأنشطة المنفذية في اللغة العربية تتمثل في أفعال “جرى” وأفعال “كتب”. ويبني افتراضه على أن السلوك النحوي لهذه الأفعال يتحدد بواسطة دلالتها المعجمية. ويستدل على أن الفروقات الكثيرة بين هذين النمطين من الأفعال تعكس تمثيلات دلالية معجمية مختلفة/ بنيات موضوعية مخصوصة بالنسبة لكل طبقة. وقدمت الباحثة السعدية صغير من جامعة شعيب الدكالي كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة بحثا حول أنماط تعدد الحدث، مؤكدة أن ثمة أفعالا كثيرة في اللغة العربية تُولَّد في صورتها المجردة متعددة الأحداث. وتنطلق من افتراض أن كل الأفعال متعددة الأحداث، وأن التعدد فيها يتمظهر بصور متباينة، منها ما يرتبط بالحدث ومنها ما يرتبط بتفاعل الحدث مع الموضوعات. ولإبراز هذا التباين عمدت الباحثة إلى خاصيتي التراكم والتكميم وخاصيتي الموازعة والمجامعة، إضافة إلى بعض الخصائص الدلالية.
وضمت الجلسة الثانية من اليوم الثاني للندوة أبحاثا عن الأبعاد الصرفية والصواتية والتركيبية للغات الطبيعية. وفي هذا السياق، قدم الباحث محمد التاقي من جامعة السلطان مولاي سليمان كلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال مقاربة صرفية للإعلال في اللغة العربية، مركزا على الجذور الثلاثية المعتلة من صنف اللفيف بنوعيه (المقرون والمفروق). ويطمح البحث إلى إعادة هيكلة الجذور المعتلة في اللغة العربية وبلورة آلة للتنبؤ بالعلة التي يمكن أن تظهر بجذر ثلاثي معتل، ثم تفسير إمكانية سلوك جذور اللفيف لمسار اشتقاقي دون مسار آخر أو عدم إمكانية ذلك. وتتناول الورقة التي قدمها الباحث محمد الفتحي من المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بفاس هندسة مستويات اللغة العربية من خلال دراسة تفاعل قيود الصواتة والصرف والتطريز. وهي دراسة وتقوم على تصور نظري إجرائي لا ينظر إلى قضايا المعجم والصواتة والصرف والتطريز منفصلة عن بعضها بعضا، بل تنطلق من فرضية تقاطعها وتفاعلها وفق حساب لساني صرف. ولقد انطلق الباحث من مجموعة من الفرضيات التي تتعلق بالبنية المقطعية وبناء الجذر وانتظام الأبنية الصرفية وتفاعل المستويات، في إطار النظرية الـمُثلى. وبين الباحث المصطفى رشاد من جامعة الحسن الثاني كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالدار البيضاء في ورقة عن البنية التركيبية للعطف في اللغة العربية أن هذا الأخير يطرح في البحث اللساني إشكالات تركيبية متعددة: تتعلق بطبيعة تركيب العطف وتمثيل بنياته ومستوى اشتقاقه وطبيعة التطابق بين المحمول الفعلي والمركبات المعطوفة. وأوضح الباحث محدودية نظرية س خط في التمثيل لتراكيب العطف، ودافع عن تحليل أدنوي افترض من خلاله أن العطف نتاج لعملية دمج بين العناصر المعطوفة وأن الاختلاف يكمن في المستوى اللغوي الذي يتم فيه هذا الدمج. وفي إطار المقاربة التركيبية قدم الباحث أحمد الباهي من جامعة شعيب الدكالي كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة بحثا عن البؤرة في اللغة العربية انطلاقا من علاقة التركيب بالذريعيات/التداوليات، وأبرز أن مفهوم “البؤرة” ومشتقاته التركيبية مثل مركب البؤرة لا يقدم نظرة كافية عن طبيعة نحو الجملة، واعتبر أن المفهوم الحاسم في بنية المعلومات هو “التقابل”. وافترض لأجل ذلك أن سمات بنية المعلومات التأويلية لا يخلقها النسق الحاسوبي وأن النقل يتم حصريا لوجود سمات صورية غير مقيمة في الوحدة المنتقلة تحتاج إلى التقييم.
وفي الجلسة الأخيرة/السادسة من جلسات الندوة، رصدت الباحثة التونسية فدوى العذاري من جامعة سوسة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتونس من خلال بحث معنون بـ”تخطيط المتن البلاغي في ضوء الدرس اللساني الحديث: بلاغة الاستفهام نموذجا” المراجعات التي خضع لها الدرس البلاغي العربي وبينت الحاجة إلى إعادة التخطيط له، ووقفت عند أهم القضايا المرتبطة بمبحثي “تكوُّن” المعنى و”تأويله”، متفحصة ما يصف العالم وما يسائله وما يسعى إلى تغييره. ولقد أبرز البحث الذي قدمه الباحث عبد الصمد الرواعي من جامعة شعيب الدكالي كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة أن اللغة العربية تفتقر إلى أوصاف دلالية ومنطقية كافية عن روابط الوصل والروابط، بإجمال: طبيعتها وعددها ووظائفها والمعاني والدلالات المسندة إليها. وسعى الباحث إلى تطوير مقاربة دلالية منطقية لروابط الوصل، مستندا إلى ما تراكم من أبحاث في مجال المنطق والتركيب والدلالة والتداوليات ولسانيات الخطاب، عموما، مدققا في السلوك الدلالي والمنطقي لروابط الوصل وفي التأويلات الدلالية التي يتم إسنادها إلى القضايا المتضمنة لهذه الروابط.
اترك رد