د. محمد إكيج: باحث في قضايا الأسرة والفكر الإسلامي المعاصر – المغرب
إن من مستلزمات المواطنة المكتسبة بالتجنس (أي اكتساب جنسية بلد أجنبي)، الخضوع للقوانين المعمول بها في البلاد التي اكتسب المسلم جنسيتها، ومعلوم أن تلك القوانين كثير منها يخالف المبادئ الدينية والثقافية التي تُكوّن هوية المسلم وتشكل التزامه العقدي، فكيف يمكن للأقليات المسلمة التعامل مع هذا الوضع خاصة إذا تعلق الأمر بأحوالها الشخصية في أمر الطلاق وما يترتب عنه من آثار؟
يمكن التمييز في هذا الإطار بين صنفين من الأقليات المسلمة: أقليات أصيلة في أوطانها، وأقليات وافدة ومقيمة أو متجنسة بجنسيات بلدان الإقامة.
أ – الأقليات المسلمة الأصيلة في أوطانها:
فهذه الأقليات في الغالب الأعم تتمتع بنوع من الاستقلال الذاتي أو إمكانية تطبيق بعض أحكامها وقوانينها الخاصة في مجال الأحوال الشخصية، إما بناء على نص دستوري أو معاهدات دولية تكفل لها هذا الحق، ومن ثم فهي لا تطرح كبير إشكال.
وقد نص الفقهاء قديما على أنه إذا استولى الكفار على بلاد المسلمين، وغلبوا على الأمر فيها أمكنهم أن يولوا القضاء من بينهم، وبرضاهم، لمن كان ذا رأي ومعرفة وعلم وعدالة . بل وأجاز العز بن عبد السلام الاحتكام إلى القاضي المسلم المعين من طرف الحاكم غير المسلم لما في ذلك من المصلحة العامة، يقول: “ولو استولى الكفار على إقليم عظيم فولوا القضاء لمن يقوم بمصالح المسلمين العامة، فالذي يظهر إنفاذ ذلك كله جلبا للمصالح العامة ودفعا للمفاسد الشاملة، إذ يبعد عن رحمة الشرع ورعايته لمصالح عباده تعطيل المصالح العامة وتحمل المفاسد” ، كما نقل المهدي الوزاني جواز هذه التولية، ونفاذ أحكام القضاة المعينين من طرف حكام غير المسلمين يقول: “وقال بعض شراح التحفة: القضاة الذين ببلد النصارى لعذر إذا ولاهم الكافر النصراني خطة القضاء نفذ حكمهم وصحت ولايتهم” .
اترك رد