الدكتور ميسوم عبد القادر: أستاذ محاضر بجامعة حسيبة بن بوعلي – الشلف
كيف يتم عمليا تنظيم هذه المهمة؟ بل كيف يوفق الطالب في اختيار موضوعه؟ وتبدأ الأسئلة في الطرح من النوع كيف اختار المشرف على بحث التخرج؟ وكيف أحدد الإشكالية وكيف أتعامل مع المصادر والمراجع من ناحية القراءة والتوثيق؟ أسئلة فاصلة في مسار البحث الأكاديمي وفق نظام LMD الذي يتجه في هذه الأيام إلى استعادة المفهوم الايجابي والتقدمي للدراسة والبحث.
لنحدد منذ البدء الأهداف المسطرة -فهذا يجنبنا بعض سوء الفهم- هذه المداخلة لن تكون بديلا عن محاضرات منهجية البحث العلمي المبرمجة في مسار الليسانس، كما أنها لا تستهدف بالشرح كيفية القيام بالبحث العلمي فقد صنفت العديد من المراجع العربية والأجنبية في هذا الصدد. ولن تفتح باب الجدال في الإشكالية التي اخترتها لبحثك فهذا شأنك أنت والمشرف، فقط نكتفي في هذه الورقة بتقديم إرشادات ذات طابع تقني تلتقي عندها آراء كثير من الباحثين، وذلك من خلال ما أتيح لي أن ألحظه في مسار بحثي الماجستير والدكتوراه.
تجدر الإشارة أن لكل تخصص منهجية بحث تخصه وما دام أننا في دائرة البحوث اللغوية والأدبية وفي مجال العلوم الإنسانية وبالأخص منهجية البحث وفق نظام LMD فهذه النقطة –للأسف- تحتاج إلى مشروع بحث معمق .
المشرف على البحث :
البحث هو فعل تعلم بالنسبة للطالب، لذا فمن المهم أن يساعده في هذا العمل مؤطر يتمتع بالخبرة في مجال التخصص الذي اختاره الطالب كمحور لبحثه. وغالبا ما تسند لجان التأهيل والتكوين لدراسة البحوث بصفة تراعي مجال التخصص والمؤهلات العلمية، وفي بعض الأحيان يكون عدد الطلبة دافعا في توزيع الإشراف بصورة عشوائية وهذا من مساوئ البحوث العلمية في هذا النظام الجديد الذي قلنا سابقا أنه ينزع نحو الدقة والجدية وإن صح التعبير نزعة براغماتية بحته. كيف نختار المشرف؟
1. في الغالب ينبغي أن يكون المشرف بالضرورة الأستاذ الذي يعطي المادة المتعلق بها موضوع البحث المختار، على سبيل المثال: تسند مواضيع البحوث اللغوية إلى أساتذة مقاييس اللغة والمواضيع الأدبية إلى أساتذة مقاييس الأدب والمواضيع التي تركز على رؤية نقدية للأساتذة المتخصصين في النقد.
2. بصورة عامة يكون للطالب الحرية في اختيار المشرف على بحثه من ضمن الأساتذة في مجال الاختصاص، وفي جميع الحالات يبقى اختيار المشرف على البحث خطوة مهمة يتوقف عليها نجاح المشروع أما الإخفاق فالطالب في الغالب هو من يتحمل النتائج إذا لم يلتزم بنصائح المشرف.
ماذا ننتظر من المشرف على البحث؟
حتما تنتظرون من المشرف أن يضع جدارته في تصرفكم ويساعدكم بتعاطف، وصبر وفعالية، من خلال علاقة علمية واضحة. يصعب هنا أن نقيم ونعطي أحكاما عامة، لكننا سنكتفي بطرح لائحة النشاطات والمساهمات التي يقدمها عادة المشرف على البحث:
• إعطاء المعلومات والإيضاحات بصورة دقيقة وعلمية في إطار اختيار موضوع البحث والإشكالية
• إيضاح الخطوات العريضة ومساعدته لكم في رسم خطة لبحثكم وإمدادكم بقائمة المصادر والمراجع في صميم بحثكم وإرشادكم في كيفية القراءة واستعمال المكتبة
• بإمكانه أن يكون همزة وصل بينكم وبين أساتذة آخرين من أجل الاستشارات العلمية
• بإمكانه أن يوضح لكم النظريات والمنهج المتبع الذي يوافق طبيعة الموضوع
• بإمكانه أن يتقاسم معكم هم البحث ويشارككم في حل المعضلات العلمية التي تعترض طريقكم
• بإمكانه أن يساعدكم في وضع خطة ممنهجة لموضوع البحث حسب المراحل التي تمرون بها
• عموما المشرف يترك للطالب روح المبادرة حتى يكون فيه روح الباحث، ويخرج الطالب من دائرة المتلقي السلبي .
إنكم تلاحظون أننا استعملنا كثيرا عبارة ( بإمكانه) تحاشيا لاستعمال عبارة ( يجب عليه) من باب تلطيف العلاقة بين المشرف والطالب لأنه في الأساس بحوث التخرج هي ثمرة تحتاج للنضج بهدوء وسكينة وودية تامة. وفي الواقع تقتضي لائحة المهمات المذكورة من المشرف تخصيص قسم لا بأس به من الوقت، وليس في مقدوره فعل ذلك في جميع الأوقات لأن الأستاذ المشرف تربطه كذلك التزامات بحثية وبيداغوجية. فما الحل؟
ضرورة وضع جدول زمني أسبوعي:
أحسن طريقة بالنسبة للمشرف والطالب هي وضع جدول زمني أسبوعي يتابع فيه الأستاذ تقدم البحث ويلتزم الطالب بالحضور وتقديم حصيلة البحث بصورة مستمرة طول العام الدراسي. ونحن اليوم تتوفر بين أيدينا وسائل التكنولوجيات الحديثة كالإنترنيت بإمكان الطالب التواصل مع أستاذه في أي وقت، ومن باب الحرص العلمي والضمير المهني والأخلاقي على الأقل يكون الاتفاق بين الطالب والمشرف حول المسائل التالية الوقت المكرس / نسبة اللقاءات / المجالات التي يتم فيها التعاون/ والمشاكل التي تضطر الطالب للاستعانة بمصادر أخرى / تحفيز الطلبة لحضور النشاطات العلمية وتشجيعهم على ذلك من مثل مناقشة الرسائل العلمية الأيام الدراسية والملتقيات.
ملاحظة: لطالما نتجت عن هذه الأمور التنظيمية تكوين طلبة متميزين وباحثين جادين مؤهلين لمواصلة دراستهم في ما بعد التدرج.
ختاما إن البحوث العلمية في مجال العلوم الإنسانية لها طابعها الخاص، ليست كالبحوث في العلوم الدقيقة، فعندما نتكلم عن الجديد في الدراسات الإنسانية فالأمر لا يعني اكتشافا ثوريا مثل اكتشاف الجاذبية أو الذرة أو النظرية النسبية أو غير ذلك من الاكتشافات الحديثة، إذ يمكن تسجيل بعض الاكتشافات على سبيل المثال تحقيق المخطوطات تقديم كتاب، توسيع أفق نظرية نقدية بالتحليل، نقد الدراسات وغير ذلك وعموما يجب على الباحث أن يخلص النية في البحث ويعمل بالأسباب العلمية والبحث عن التوجيهات وعلى الله الكمال.
اترك رد