عربية الشريعة والمدخل المقاصدي الجديد … الشيخ أحمد بيبني الشنقيطي

الشيخ أحمد بيبني الشنقيطي – موريتانيا

مقدمة
يحاول هذا البحث أن يتناول المقاصد الشرعية على ضوء اللغة العربية. وهذه العلاقة رغم أهميتها لم تحظ حتى الآن بما تستحق من البحث اللازم. ورغم ما كتب عن المقاصد الشرعية من كتب جدية، وبحوث نيرة، لكن بقي البحث في هذه المقاصد محلقا أكثر في متاهات البحث عن الكليات، كما اهتم في جانب من أنشطته بموقف الدفاع عن الإشكالات التي تعترض القول بالتعليل وبالتقصيد، ومعلوم أن الدفاع يمثل حالة المغلوب غالبا .
كما يعتبر محاولة أولى وأولية تريد إرجاع علم أصول الفقه إلى حظيرته التي ترعرع فيها، بعد أن عانى طويلا من العزلة والاغتراب في أروقة علم الكلام والمنطق والفلسفة وغيرهما من العلوم الدخيلة. إن الغربة التي تحدث عنها السكاكي في النحو عندما قال: « ثم مع ما لهذا العلم من الشرف الظاهر، والفضل الباهر، لا ترى علما لقي من الضيم ما لقي ، ولا من سوم الحيف بما مني. أين الذي مهد له قواعد، ورتب له شواهد، وبين له حدودا يرجع إليها، وعين له رسوما يعرج عليها، ووضع له أصولا وقوانين وجمع له حججا وبراهين وشمر لضبط متفرقاته ذيله، واستنهض في استخلاصها من الأيدي رجله وخيله علما تراه أيادي سبأ، فجزء حوته الدبور، وجزء حوته الصبا. انظر باب التجديد فإنه جزء منه في أيدي من هو؟ انظر باب الاستدلال فإنه جزء منه في أيدي من هو؟ بل تصفح معظم أبواب أصول الفقه من أي علم هي؟ ومن يتولاها»؟ أقول هذه الغربة هي التي عاني منها أصول الفقه حيث نجد نتفا من العربية وأخرى من علم الكلام وثالثة من الحديث وهلم جرا. قال الزركشي: « فإن قيل فهل أصول الفقه إلا نبذ جمعت من علوم متفرقة، نبذة من النحو كالكلام على معاني الحروف … ونبذة من علم الكلام كالكلام في الحسن والقبح… ونبذة في اللغة كالكلام في موضوع الأمر والنهي وصيغ العموم والمجمل والمبين والمطلق والمقيد. ونبذة من علم الحديث كالكلام في الأخبار » [ ]
ولا أعشو عن الحق عندما أقول بأن غربة أصول الفقه كانت أيضا هي غربة المقاصد الشرعية . إن الاهتمام بالكليات والجزئيات وبمقاصد القرآن ومقاصد السنة وإشكالية التعليل والعلاقة بين النص والمصلحة أظنها مواضيع تتزحزح عن المقاصد قليلا . ذلك أن الشريعة هي مجموعة من التصرفات والأفعال والمسلكيات بحيث يجب البحث في المقاصد من خلال هذه الأشياء لا خارجها. أي يجب النزول بالمقاصد إلى المجال العملي الفقهي بحيث أن الفقه لم يكن إلا تكريسا لتلك المقاصد ونظر في الأحكام من خلال مقاصدها. أي أن الأحكام الفقهية هي خلاصة البحث في مقاصد الأدلة، وهي مجال اشتغال المقاصد. لكن بما أن الوقائع تتجدد والنوازل تنزل فيجب متابعة البحث في تلك الأحكام على ضوء المقاصد وعلى بصيرة من المستجدات. ولا يقال بأن هذا تغيير للأحكام، لأننا نقول بأن الأحكام الجديدة هي نفسها الأحكام السابقة مع احتساب مربع الزمن.
فالبحث هو منع وجمع، وإخراج وإدخال، حيث يعتبر الاهتمام بإشكالية التعليل هل الأحكام معللة أم لا؟ والعلاقة بين النص من جهة وبين المقصود والمصلحة من جهة ثانية، هي بحوث أقرب إلى السذاجة من البحث العقلاني الرصين، ولا ينبغي أن تكون مجال بحث العقلاء. وإنما مجال البحث هو وجه التعليل وسلامة الجسر الذي يقام بين النصوص والمقاصد وبين العلة والمعلول وبين المقدمات والنتائج، وذلك من أجل الدخول في العملانية والتجريب.
أما وجه تعلق أصول الفقه بالمقاصد الشرعية، فإن أصول الفقه يقوم في جانب الإنتاج فيه على القواعد الأصولية وعلى القياس، وسيثبت هذا البحث أن القسمين هما تجسيد للمقاصد مما يعنى تجذر المقاصد في أصول الفقه منذ نشأته الأولى، وأن الكلام عن أصول الفقه هو كلام عن المقاصد الشرعية، وسيثبت في هذا البحث أن العلاقة بين المقاصد الشرعية وأصول الفقه هي أكبر مما نتصور، وهي تشبه العلاقة القائمة بين اللغة العربية والشريعة التي نزلت بحسبها.

للاطلاع على الدراسة


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

  1. الصورة الرمزية لـ د. مديحة السايح
    د. مديحة السايح

    الذي تحدث عنه السكاكيأخي الكريم في كتابه “مفتاح العلوم” ليس علم النحو بل علم الأدب الذي موضوعه تحليل النص، خاصة النص الشعري. ويمثل كتابه المفتاح منظومة تحليلية متكاملة للنص.

  2. الصورة الرمزية لـ د. مديحة السايح
    د. مديحة السايح

    الذي تحدث عنه السكاكيأخي الكريم في كتابه “مفتاح العلوم” ليس علم النحو بل علم الأدب الذي موضوعه تحليل النص، خاصة النص الشعري. ويمثل كتابه المفتاح منظومة تحليلية متكاملة للنص.

اترك رد