د. الحسان بوقـــدون: أستاذ باحث من المغرب
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد؛ فلا شك أن تحقيق نصوص التراث ونشرها صناعة جليلة تحتاج إلى تمكنٍ في الأدوات واستكمال للشروط الضرورية، فضلا عن التفرغ والتجرد من الشواغل الصارفة، وهذه مسألة بديهية مسلمة يعرفها كل من له أدنى إلمام بهذه الصناعة.
ولقد كان لعلماء الأمة -خاصة المحدّثين منهم- عبر العصور فضل كبير في تنقيح الكتب وتصحيحها ومقابلتها، حتى انتهى هذا الأمر في بداية هذا العصر إلى يد جماعة من المحققين الكبار من المسلمين والمستشرقين الذين أبلوا بلاء حسنا وبذلوا جهودا عظيمة في إخراج نشرات علمية بالغة الجودة.
غير أن ما يؤسف له اليوم أن تصبح هذه الصناعة الشريفة ممتهنة بعدما تقحَّم حماها بعض من يحترف بيع الكتب وطبعها لأغراض تجارية محضة، وبعض من ليست لهم الأهلية لممارستها من طلبة الجامعات والأساتذة غير المتمرسين؛ الأمر الذي أثر سلبا على جودة التحقيق والنشر حتى أضحى كثير من الكتب المنشورة في عصرنا محتاجا إلى إعادة التحقيق على وفق الضوابط العلمية والمنهجية المعتمدة.
ومن الكتب التي تحتاج إلى إعادة تحقيقها وتصحيحها على أساس القواعد العلمية للتحقيق كتاب “صفوة ما انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر” لمحمد الصغير الإفراني الذي حققه فضيلة الدكتور عبد المجيد خيالي سنة: 1425هـ/2004م، ونشره مركز التراث الثقافي المغربي بالدار البيضاء.
فهذا الكتاب شابته عيوب كثيرة واعتورته نقائص متعددة، رغم أن الأستاذ المحقق بذل جهدا مشكورا غير خاف في إخراجه.
وسنحاول في هذه الدراسة بإذن الله، أن نقوم عمل الأستاذ المحقق من خلال الإشارة إلى بعض الأخطاء والأوهام التي وردت في طبعه للكتاب بعد مراجعته على نسختين خطيتين: الأولى؛ بمكتبة الملك عبد العزيز آل سعود بالدار البيضاء، والثانية محفوظة بخزانة الإمام علي بتارودانت.
فبالإضافة إلى أن الإخراج الفني للكتاب في عمومه ليس في المستوى المطلوب -لما يتسم به من رداءة وسوء تنظيم، وكون علامات الترقيم من نقطة وفاصلة ونحوها تحتاج إلى إعادة النظر لورود كثير منها في غير محله- فإن الأخطاء والعيوب التي شابت عمل المحقق يمكن تصنيفها -إجمالا- إلى أربعة أصناف، نتناول كل نوع منها في محور خاص.
اترك رد