الشيخ أحمد بيبني الشنقيطي – موريتانيا
لقد دأب السلف وحافظ الخلف ، عندما يتناولوا موضوعا معينا أن يكون تعريفه واستمداده وحجيته من أولويات المطالب لمقاربة ذاك الموضوع . فكانت أصول الفقه الأربعة تستفتح بالكلام عن تعريفها وحجيتها ومكانتها داخل الدائرة الأصولية . والمقاصد الشرعية وأخيتها المصالح لا تنشزان عن هذه القاعدة بما أنهما من حيثيات المعرفة الأصولية وبعض مكتسباتها المهمة. فقد انصب اهتمام العلماء ، وإن بأنصباء متفاوتة ، بالاستددلال عليهما واستلهام الأدلة على حجيتهما . وتاتي هذه الوريقة المتواضعة لمواصلة هذا المسار بمقاربة جديدة ونظر قديم وحديث في آن. مستهدفا العض على المقاصد والمصالح بالنواجذ وذلك بالكشف وإضافة حجج وأدلة دامغة لتأكيدهما وتأكدهما وأصالتهما وراهنيتهما . وجاء ذلك في مبحثين الأول عن الاستدلال عليهما قديما ونواصه ، واقتراح مقاربة جديدة للاستدلال عليهما. والثاني يتعلق بأنواع الاستدلال الجديدة ، كما يتصورها البحث ، ويتضمن عدة مطالب ، كل منها يمثل دليلا على المقاصد كدليل رفع الحرج ودليل الاستخلاف ودليل الوسطية والاعتدال ودليل التسخير والتذليل إلى آخر قائمة تلك المطالب . ونبتغي من وراء البحث من جهة الرفع من مستوى الاستدلال على المقاصد كما وكيفا والانتقال بذلك من بساطة الملاحظة إلى تركيبها ومن ضيق الرؤية التعليلية السابقة إلى رحابة النصوص وسعتها ، ونبتغى من جهة ثانية الخروج ببعض النتائج والمكتسبات توسع المعرفة عن المقاصد والمصالح وتقيم جسرا متواصلا بيبنها وبين النصوص الشرعية ، في نظرية ترى أنهما وجهين لعملة واحدة ، ولم لا؟
المبحث الأول : الاستدلال عليهما قديما والملاحظات عليه
ولعل ما يلفت الانتباه أنه رغم التأكيد المؤكد والأكيد عند علمائنا على أهمية بيان حجية الدليل والأصل واستمدادهما ، فإن الكثير من الأصول والمفاهيم المؤسسة في أصول الفقه والمقاصد تنبني على أدلة قليلة جدا وربما كان الاستدلال على الأصل الكلي بدليل نقلي واحد وشاهد مفرد كما سنرى لاحقا. كانت لتلك المنهجية نتائج سلبية منها القراءة التجزيئية للنصوص واتخاذها عضين ، مما ترتب عنه إهمال نصوص وأدلة لها دور وأهمية في فهم ومقاربة الموضوع دورا وأهمية لا يتقاعدان عن ما للأدلة المذكورة . ومن النتائج السلبية أيضا عدم قراءة الموضوع بحذافيره وروافده من الأدلة والنصوص . ومنها أخيرا وليس آخرا أن تبقى الرؤية للموضوع ضيقة واختزالية وغير مبينة.
اترك رد