زهير هواري: أستاذ جامعي لبناني
من يطلع على التقارير السنوية التي تصدر عن جهات أكاديمية في كل من أميركا وأوروبا وآسيا حول تصنيف الجامعات في العالم ومراتبها في مجال الجودة والتفاعل مع وظائف الجامعة يجد قصوراً عربياً مخجلاً في نوعية التعليم والأبحاث التي يعدها الأساتذة، إضافة إلى برامج وخطط الخدمات المجتمعية التي تقدمها.
لا يعني ذلك، أن كل الجامعات العربية هي في سلة واحدة على هذا الصعيد، إذ يبرز العديد من الجامعات في مواقع متقدمة رغم عمرها الزمني القصير مقارنة بسواها. لكن السمة المشتركة بين معظم الجامعات العربية، وهنا نتحدث عن المئات وليس أقل من ذلك، يظل هو الحصاد السلبي الأمر الذي يضعها في أسفل القوائم العالمية على صعيد مستوى ونوعية التعليم والأبحاث.
وكما هي العادة لا تعود الأسباب إلى حالات قصور ذاتية يعانيها أعضاء هيئات التدريس، مع وجودها، بقدر ما ترجع إلى سياسات حكومية تنعكس على هذا القطاع الحيوي والبالغ الأهمية. ويتمثل ذلك في ضآلة الموازنات المخصصة للتعليم عموماً وللأبحاث خصوصاً. ويضاف إلى ذلك كله البيئة العربية الطاردة للباحثين التي تدفع بالعدد الأكبر منهم للبقاء في الدول التي درسوا فيها، وتقدر نسبة هؤلاء بأكثر من 60 بالمائة من جملة الخريجين العرب، يتركز معظمهم الآن في كل من أميركا وأوروبا.
لكن المشكلة الأكبر هي الأوضاع التي تعيشها بعض الدول العربية من حروب أهلية مركبة. مثلاً في العراق وسورية تعرّض ألوف العلماء للاغتيال والتنكيل والتشريد. أي أن القمع لم يعد يقتصر على القمع النظامي، بل يشارك فيه المجتمع الأهلي الذي بات يفتقد تأمين الخدمات الضرورية والأساسية التي كان يؤمنها أبناؤه. ونضيف إلى ذلك كله غياب الحوافز الاجتماعية والمادية في الدول العربية خلاف ما يتمتع به الباحث في الدول الأجنبية من امتيازات وضمانات شخصية وحقوقية وسياسية له ولعائلته.
عملية نسخ الشهادات وقذف الخريجين غير المؤهلين بأعداد كبرى إلى سوق عمل معولم وتنافسي لم يمر بصمت على المنطقة العربية وجامعاتها. والملاحظ أنه منذ العام 1987 أخذت ترتفع الأصوات مطالبة بوضع حد لهذا المسار. وعليه فقد أصدر رؤساء ومديرو الجامعات في الدول الأعضاء في مكتب التربية العربية لدول الخليج وثيقة بعنوان “التقويم الذاتي والاعتماد الأكاديمي والمهني لجامعات الدول الأعضاء” مع استمارات بالمعايير والنماذج. ثم طورت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الكسو) واتحاد الجامعات العربية عبر الدليل الذي وضعته هذه المحاولة، وهو ما انطلقت منه “يونسكو” في المؤتمر الذي عقدته في بيروت تحت عنوان “أي تعليم عال للعالم العربي في القرن الواحد والعشرين” والذي دعت في ختام أعماله إلى التطوير الشامل لضمان نوعية البرامج والتدريس والأبحاث بما يتناسب مع التوجهات الدولية. وتلاحقت المحاولات، مع ذلك فإن الرحلة ما تزال طويلة لبلوغ الأهداف.
المصدر: العربي الجديد
اترك رد