توصيات المؤتمر الدولي تطور العمل البرلماني والدستوري العربي

خلال المدة من 16 الى 17 مايس 2017 انعقد في بغداد المؤتمر العلمي الدولي الأول للاتحاد الدولي للمؤرخين تحت عنوان (تطور العمل البرلماني والدستوري العربي.. دراسة تاريخية وقانونية وسياسية مقارنة)، برعاية من سيادة رئيس مجلس النواب العراقي الدكتور سليم عبدالله الجبوري بمشاركة واسعة شملت تسعون بحثا لباحثين من العراق وسوريا ولبنان وفلسطين والبحرين ومصر وليبيا وتونس والمغرب وماليزيا، وايران، وتركيا وعقدت تسع جلسات علمية غطت تسعة محاور مهمة توزعت عليها موضوعات البحث.

ويعرب المشاركون عن تقديرهم العالي للعراق الذي يحتضن هذا المؤتمر في ظروف معقدة يواجه فيها تحديات خطيرة ويخوض جيشه فيها اعنف المعارك في مواجهة الإرهاب والجريمة، ويحيي المشاركون انتصارات الجيش العراقي والقوى الامنية بمختلف صنوفها التي سجلت أروع صور البطولة والتضحية والوطنية، ويقف المؤتمر وقفة اعتزاز وتقدير امام الدماء الزكية والارواح الطاهرة التي سقطت دفاعا عن العراق.

وناقش المؤتمرون التقرير المقدم للمؤتمر الذي تضمن 87 صفحة التوصيات والقراءات والاستنتاجات وتشخيص العوامل والأسباب، ليكون مادة علمية رصينة تشكل مرجعا للباحثين ولصناع السياسة للارتقاء بالأمة عن طريق القوانين الأساسية وإرساء أسس الحياة السياسية والديمقراطية بوصفه اهم معايير التقدم والاستقرار، وقد خلص المؤتمر الى التوصيات والقراءات الاتية:

اكدت الأبحاث المقدمة أنّ العرب يمتلكون ارثا حضاريا في مجال الدساتير والقوانين التي اكدتها أقدم حضارات العالم في العراق ومصر، فضلا عن ذلك سجلت التجارب العربية الحديثة في كل من مصر وتونس التي تعود الى منتصف القرن التاسع عشر، وفي لبنان ظهر مجلس تمثيلي عام 1861 يطلق عليه مجلس الإدارة، وفي العراق صدر اول دستور عراقي في التاريخ الحديث عام 1925، ولكن الواقع العربي المتخلف الذي تعيشه الامة في مجال بناء الدساتير والحياة البرلمانية لا يتناسب مع هذا الإرث.

لذا فنحن بحاجة إلى تطوير استراتيجية عربية جديدة لتحسين أوضاع المسيرة البرلمانية في الوطن العربي بما يجعله قادرا على مواجهة التحديات والتغيرات العالمية للتكيف مع الأوضاع الراهنة، ولن يتم ذلك إلا عن طريق التركيز على القضايا المهمة التي تم اقتراحها من جملة الأوراق المقدمة للمؤتمر الراهن التي ركزت على العديد من المحاور ومن أبرزها:

وضع اجندة واضحة لتوجهات الإصلاح ودروبه السياسية والقانونية والاقتصادية، مع ضرورة وضع جدول زمني للتنفيذ يكتسب المصداقية على المستوى المحلى والعربي والإقليمي والدولي مع مراعاة الظروف والملائمات السياسية لكل دولة.
وضع أطر دستورية وقانونية توصف عمل المعارضة البرلمانية وتحديد توجهاتها وأهدافها، فضلا عن تفعيل دور النواب المستقلين، فهم الواجهة الفاعلة في كتلة المعارضة حتى تتحقق الممارسة الديموقراطية.
توسيع المهارات السياسية والقيادية للمرأة في عملية صنع القرار ومشاركتها في صياغة الدستور والقوانين، فضلا عن إتاحة الفرص المتكافئة أمامها لتولى المناصب القيادية وتشجيعها على الترشيح والانتخاب، مع ضرورة تفعيل دور منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال قضايا المرأة والاستفادة من تجارب الدول الناجحة في تعزيز المساواة ومناهضة التمييز بكافة اشكاله (السياسي والاجتماعي والاقتصادي) ضد المرأة العربية مما يتطلب توفير بيئة سياسية وقانونية لتعزيز مشاركتها في المستويات كافة للنهوض بالمرأة العربية.
صياغة النظم الانتخابية وفق لمعايير تحقق الثبات وتحقيق مصالح فئات المجتمع كافة وليس وفق اهداف ومصالح محدودة وضيقة.
الإشراف القضائي على العملية الانتخابية لضمان النزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص بين جميع المرشحين ولضمان تمثيل متكافئ لجميع فئات الشعب في المجتمع العربي.
تغيير الدساتير وفقا للظروف والمستجدات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية سواء على المستوى القومي أو الإقليمي أو العالمي، وأن تتم صياغة الدستور وإعداده عن طريق المجتمع لا من خلال الدولة والنخب الحاكمة بها حتى يكون معبرا عن التوجه المجتمعي.

المؤسسة العسكرية العربية والعمل السياسي

إنّ المؤسسة العسكرية العربية منذ الاستقلال السياسي كانت تشكل عامل ضغط سياسي وتأثير حاسم في صنع السياسة الداخلية والخارجية وتجاوزت هذا الدور الى أبعد من ذلك حيث ساهمت في أحداث التغيير السياسي للأنظمة العربية عن طريق الانقلابات العسكرية أو من خلال قيادة الثورات الشعبية.

تعد عملية ضبط العلاقات بين المؤسسة العسكرية والمؤسسة المدنية الحاكمة من أصعب الموضوعات وأكثرها أهمية، اذ إنّ الرقابة المدنية على القوات المسلحة أحد أهم المقومات الأساسية للنظم الديمقراطية، وتعد من اهم المعضلات في الكيان السياسي العربي وصياغة الحياة الديمقراطية.

لذا يتطلع هذا المؤتمر الى بناء سياسي ديمقراطي دستوري يولد من رحمه بناء واستكمال عناصر بناء جيش وطني وفق معايير العصر.

ولا يمكن الحديث عن بناء فكري مؤسساتي قانوني ناضج في ظل الفوضى والصراع واجواء العنف والفساد، بل في ظل الاستقرار وتحقيق الامن الذي يعد كفيلا بخلق الاجواء المناسبة للأبداع والتفكير، وهنا يأتي دور المؤسسة العسكرية الامنية المهنية الوطنية في ضمان ذلك. وهو ما يتحقق من خلال نخبة سياسية مخلصة كفؤة مع مؤسسة عسكرية وامنية مهنية.

وقد تميزت المؤسسة العسكرية العربية بالوطنية والإخلاص للوطن والدفاع عنه، وقدمت التضحيات وسجلت المواقف البطولية والتاريخية، وبالمحصلة فإنّها صفحة مشرقة من تاريخ الامة، ولابد ان تكون ضامنا للأمن والسيادة وحامية للشعب.

توصيات دراسات حول البرلمان العراقي

وفيما يتعلق بالشأن العراقي فعلى الرغم من الظروف والتعقيدات التي تعيشها التجربة السياسية الداخلية على وجه العموم والتجربة البرلمانية تحديدا ، فإنّ العلماء والمفكرين والمؤرخين العراقيين عالجوا هذه المسألة بحيادية ومهنية ، وتوقفوا على أهم الأسباب التي تقف وراء وجود هذا الخلل ، التي يأتي في مقدمتها تدني مستوى الوعي الثقافي، وكذلك غياب ثقافة المشاركة الحقيقية وطغيان ثقافة الخضوع، وحالة التنافس والمساومات ،بل والصراع بين القوى السياسية الذي طال تلك المؤسسة، ولا ننسى دور القوى الخارجية في تغذية هذا الصراع، ولعل ابرز التحديات التي تواجه البرلمان العراقي إدارة التنوع الثقافي وما ينتج عنه من صراع سياسي واثني، وتكوين الهوية الوطنية العراقية. فضلا عن أهمية الحد من الفجوة أو التناقض بين النصوص الدستورية والواقع العملي، والحد من التدخلات الخارجية وخاصة تلك التي تهدد السيادة والوحدة الوطنية، وكل ذلك انعكس سلباً على أداء مجلس النواب. ومن ثم تحتاج المؤسسة البرلمانية في العراق الى إعادة وصف وتشريع يعيد رسم شكل العلاقات وصياغة العملية السياسية من جديد مما يدعونا إلى ضرورة لتشكيل مجلس الاتحاد.

تعد منظمات المجتمع المدني أحد الركائز الأساسية في العملية السياسية للدول المتقدمة، لأنها تؤدي الدور الرقابي لمؤسسات الدول ومدى تطبيق بنود الدساتير والقوانين، ويدعو المؤتمر الى ضرورة، تفعيل دور منظمات المجتمع المدني ودعمها ماديا ً ومعنويا، وضمان عدم تدخل الأحزاب والكتل السياسية والشخصيات المتنفذة سياسيا ً واقتصاديا، ونقترح تشكيل أتحاد عام أو نقابة عامة لمنظمات المجتمع المدني. لتنسيق العلاقات بينهم والعمل تحت مظلة واحدة.

إنّ الدستور يحظى بأهمية كبيرة في حياة الأمم والشعوب باعتباره يمثل القاعدة العليا للدولة، وهو الذي يحدد طبيعة الدولة ونظامها السياسي وعلاقة الحكام بالمحكومين والفرد والمجتمع بالسلطة، ويكفل حقوق وحريات المواطنين، ويقدم الضمانات لعدم التجاوز عليه ولعل ابرز التوصيات في هذا الشأن تعديل الدستور وفق اهداف ومصالح تحقق الوضوح وتعزز الوحدة الوطنية والمصلحة الوطنية العليا ، فالعراق بحاجة الى دستور يكون قادراً على تلبية حاجات ابنائه وتطلعاتهم نحو مستقبل مزدهر، ينسجم مع تركيبته السكانية المتنوعة التي يجب ان تكون عاملاً للقوة وليس للضعف، كما ان ابداء المواطن رأيه عند صياغة الدستور مما يعني التعبير عن ارادته حول طريقة ممارسة السلطة وانتقالها، لكونها وثيقة سياسية للمواطنين لما يتضمنه من الحقوق والواجبات والحريات والحدود الفاصلة للسلطات ، ولابد ان يكتب بلغة دقيقة، بشكل لا يضع المواد عرضه للتأويل والتفسير مما يولد الانشقاقات والخلافات وتكمن المشكلة في التطبيق، اذ لا عبرة للنصوص الدستورية التي تشير الى حقوق الانسان في الكتابة دون ان تطبق عمليا على ارض الواقع، وان التطبيق العملي لمواد الدساتير العراقية وضع هوة واسعة بين الجانبين النظري والتطبيقي فيما يخص الحقوق والحريات في العراق فهو المعيار للحياة السياسية الناضجة والمستقرة.

لابد من البحث في مصالحة حقيقية تعتمد الآليات السلمية لتداول السلطة وتشرع قوانين وتشريعات تعزز الامن المجتمعي وتحقق الاستقرار وتبني الهوية الوطنية، والتخلي عن حالة عدم الثقة والصراع والمراهنة على الاجندات الإقليمية والبحث في إطار المصلحة الوطنية العراقية.

ويشير واقع الحياة السياسية والبرلمانية في العراق الى استمرار التعثر والخلاف والصراع ولا تزال التحديات كبيرة امام العراق، الا ان عدد من الأبحاث أشارت إلى وجود تقدم ملحوظ في الدورة الانتخابية الثالثة في مسالتين تتمثل في حصية الجهد وانتظام الجلسات والقوانين المشرعة وأيضا في مجال اتساع مساحة مشاركة المرأة، فضلا عن تزامن الانتصارات والبطولات التي حققها الجيش العراقي والحشد الشعبي في مواجهة مخاطر داعش، مما يوحى الى ان هناك تحسن في الأداء وتحسن في الحياة السياسية العراقية والبرلمانية.


نشر منذ

في

,

من طرف

الآراء

اترك رد