بقلم: الدكتور عبد العلي الودغيري
« يا مَـنْ إِليهِ المُشتَـكَى والمَـفــزَعُ»
وإِليــهِ كُــلُّ جَـــوارِحِــي تَـتَـضَــرَّعُ
يا مَــنْ يُغيــثُ المُستَغـيثَ، ومَنْ لَهُ
نـَفْــعُ العِبـادِ ، وغَـيرُهُ لا يَنـــفَــــعُ
يا مَـنْ يُعيــنُ المُستَعينَ ، ومَنْ لَهُ
دَفـعُ البَــلاءِ، وغيـرُهُ لا يَــــدفَــعُ
يـا مَـنْ لَهُ الكَونُ الفَسيحُ مُسَبِّـحٌ
ولـهُ الخَلائِـقُ ساجِـدُونَ ورُكَّـــعُ
يـا مَـنْ لهُ خَيرُ العَطاءِ، وفَضـلُهُ
نَسعَـى لَهُ، ونَجِــدُّ فيـهِ ونَطـــمَعُ
يا مَنْ تَهيمُ الرُّوحُ في مَلَكُـوتِــهِ
وبِذِكرِهِ تَحيا القُلُـوبُ وتَخـشَــعُ
يـا مَنْ لَهُ تَشكُو العُيُونُ بِدَمعِهـا
ولِخِـشيَـةٍ مِنـهُ تَسيلُ وتَــدمَــــعُ
يا مَـنْ يُفَــرِّجُ كُربَـتي وشَدائِدي
ويُزيحُ هَمَّ القَـلبِ عَـنِّي ويَنـزَعُ
وإذا الطُّغـاةُ تَجَمَّـعُوا وتَجَـبَّـرُوا
نادَيتُـهُ، ودَعَـوتُه، فَتَــوَزَّعُـــوا
وإِذا الحياةُ تَجَهَّـمَتْ ثُـمَّ أَقــفَرَتْ
مَـنْ ذا يُعيدُ الرُّوحَ فيها ويَزرَعُ؟
وإِذا السَّمــاءُ تَلَبَّــدَتْ بِغُيُومِـها
مَنْ غيرُهُ يجلُو الغُيُومَ فَتُقشَعُ؟
وإِذا يَضيقُ الصَّدرُ مِنْ بَلـوائِهِ
فَبِمَـنْ أَلُـوذُ، وغيـرُهُ لا يَسمَـعُ؟
إِنِّي دَعَوتُكَ مُستَغـيثاً، فاستَجـبْ
يا مَــنْ إِليــهِ الأَمـرُ كُـلُّـهُ يُـرجَـــعُ
إِنِّي دَعَـوتُكَ مُستَجيراً ، فاستَجِبْ
«يا مَنْ إِليهِ المُشتَـكَى والمَفــزَعُ»
ملاحظة:
لهذا النص قصةٌ طريفة أرويها بكل صدق وأمانة : كتبتُ هذه الأبيات في ليلة مباركة من ليالي رمضان 1426هـ. وذاتَ يومٍ كنتُ أمام دُكانٍ لشراء حاجةٍ لي، فإذا صوتُ مُذيعةٍ يُنشدُ في خُشوعٍ أبياتاً أولُها:
يا مَنْ يَرى ما في الضمير ويَسمَعُ أنتَ المُعَـــدُّ لكــل ما يُتَوقَّــعُ
يا مَــن يُرَجَّــى للشدائــــد كُـــلِّها يا مَن إليه المُشتَكَى والمَفزَعُ
<
p style=”text-align: justify;”>فأصابني الذُّهولُ، لهذا التوافق العجيب بين مَطلَع النص الذي كَتبتُ والشطر الوارد في هذه الأبيات التي سمعتُ وهو ( يا مَن إليه المُشتَكى والمَفزَعُ). وقد بدا لي أن هذه الأبيات ليست غريبةً عني، فعُدتُ أَبحثُ في المصادر التي بين يدي حتى عَثَرتُ على أَبياتٍ سبعةٍ ذكرها ابنُ دِحيةَ في كتاب: المُطرِب من أَشعار أَهل المغرب للإمام السُّهيلي ( ت581هـ)، وأولُها البيتان المذكوران في هذا الهامش. وبعد تمعُّنٍ في الأمر اتضح أنه ربما كنتُ حفظتُ أبياتَ السهيلي أو شيئاً منها ثم طَمَسَها النِّسيانُ، إلى أن استعادت الذاكرةُ إيقاعَها وقافيتَها وشَطراً واحداً منها ( يا من إليه المشتكى … الخ). وهذا ليس من باب السرقات الأدبية أو التضمين المُتعمَّد ولا حتى من باب المُعارضة أو وَقع الحافِر على الحافِر كما كانوا يقولون في النقد الشعري القديم، ولكنه من باب الاسترجاع غير الواعي لشيءٍ مرَّ في الذاكرة بعد نسيانه لمدة. وقد كان أحدُ القُدماء من العلماء يوصي من يريد أن يصبح شاعراً أن يحفظ الأشعارَ الكثيرة ثم ينساها.
اترك رد