ما منا أحد وهو يتصفّح شبكة النت في رحلة بحثه عن بعض المعلومات، إلا ويجد نفسه يلج موقع موسوعة ويكيبيديا (Wikipedia)، بل أحيانا قد لا يتقصّد تصفّحها لكنها تأتي في أولى الاختيارات التي يقترحها مُحرّك البحث العالمي غوغل (Google) وغيره.
ويكيبيديا هي أحد أشهر الموسوعات المتاحة عبر شبكة الإنترنت، وأهم خمسة مواقع إلكترونية في العالم. لم يعتقد (جيمي ويلز) أن تحظى موسوعته بهذا التصنيف والترتيب العالمي، وإن كان قد تفاءل بنجاحها، وقد عبّر – لجريدة الشرق الأوسط – عن عميق سعادته بإنجازه، وهو الذي ترك مجال المال والأعمال منذ 2001 ليبدأ مشروعه في الموسوعة.
هل تعتبر الإنترنت مصدرا للمعلومة في البحث العلمي
بطبيعة الحال نحن نُشجّع الطلبة والباحثين على ضرورة مواكبة تكنولوجيا الإعلام والاتصال، واستغلالها في مجال البحث العلمي، فلا بأس أن يستغلّ الطالب والباحث الإنترنت ويستفيد من خدماتها في إعداد أبحاثه العلمية، لكن شريطة مراعاة جملة من الضوابط والشروط منها:
1- أصالة المعلومة وجدّيّتها، فليست كل معلومة يجب أن تُؤخذ من الإنترنت، على غرار المعلومات العامة المتاحة في غيرها من المصادر والمراجع.
2- صدق المعلومة: هو ضابط وشرط آخر نتحرّز به من المعلومات غير الصحيحة التي تملأ صفحات الويب، ولا شك هي تقلّل من قيمة البحث العلمي.
3- جدّة المعلومة؛ أي أن تكون المعلومة المتاحة عبر الإنترنت جديدة تُفْتَقَدُ في غيرها من مصادر البحث العلمي الأخرى.
4- التزام الأمانة العلمية وأخلاقيات التعامل مع المعلومة، فلا تكون الإنترنت وسيلة للانتحال ومصدرا للسرقة العلمية.
وهنا نتساءل: هل أن هذه الضوابط والشروط…وغيرها ينطبق على موسوعة ويكيبيديا ؟
سؤال مهم كثيرا ما يطرحه علينا الطلبة في الجامعة؛ إذ تثير المعلومات التي تنشر عبر موسوعة ويكيبيديا شيئا من الريبة والشك؛ طالما أن تحيين الموسوعة وتحديث معلوماتها والتصرّف فيها مُتاح لجميع القراء المتصفّحين لها، يستوي في ذلك أن يكونوا من أهل الاختصاص أو من غيرهم، فالأمر سيان، وهذا ما يُفقدها الدقة التي يتطلّبها البحث العلمي.
وعليه، يتضح أن المعلومات التي تنشرها الموسوعة يُمكن – من وجهة نظرنا – الرجوع إليها في حالة شحّ المعلومة وندرتها، على أن يكون ذلك من باب الاستئناس لا الاستدلال. ومن باب التأكيد نحن نتحدث عن ميدان البحث العلمي الموصوف بالدقة والموضوعية التي لا يُناسب أن تكون موسوعة ويكيبيديا مصدرا لمعلوماته.
نصيحة جيمي ويلز
بهذا الخصوص، في مقابلة مع جريدة الشرق الأوسط (العدد 14256، الإثنين 18/ 12/ 2017، ص 18)، وفي ردّه على سخرية البعض على محتوى الموسوعة من المعلومات وأنها غير دقيقة قال جيمي ويلز مُؤسّس موسوعة ويكيبيديا: “في 2001 حين بدأنا الموقع لم يكن هدفنا أن نُصبح مرجعا أكاديميا، لكن من المهم أن نسهم في إثارة التساؤلات لا أن نُوجد الإجابة، وليس هدفنا أن نتحوّل لمرجع أكاديمي للباحثين في الكليات، قد يستخدم الباحث الموسوعة لقراءة معلومة معينة أو الإطلاع عليها، لكن ليس للجزم بها واستخدامها والاقتباس منا والإشارة إلينا في بحثه…ويُسهب في الحديث عن اقتباس بعض من يهاجمهم واستخدام المعلومات المنشورة: مع كل هذا التشكيك، هناك من يستخدمنا مصدرا إلى حدّ معين، ولكن كمصدر لمقال علمي أو أكاديمي لا أظنّ أننا نسعى إلى ذلك”. انتهى كلامه.
وهكذا، فلا داعي لاعتماد موسوعة ويكيبيديا في تجميع وتقميش واقتباس معلومات البحث، ولتكن غاية الطالب والباحث الاستئناس بها والاسترشاد بها في تكوين تصوّر معين حول موضوع ما. وليتحرّى المصادر الأصلية والأصيلة الأكثر مصداقية، فإن كان الاقتباس منها مطلب ضروري نظرا لندرة المعلومات مثلا؛ فليكن ذلك من باب الاستئناس وليس الاستدلال، وهذا قد نبّهنا عليه قبلا وأشرنا إليه آنفا.
كتبه: د/ عبد المنعم نعيمي
كلية الحقوق- جامعة الجزائر 1
اترك رد