عبد السلام ياسين عندما أنصف المرأة … محمـد عبدالـرحمـن عريـف

د. محمـد عبدالـرحمـن عريـف: كاتب وباحــث في تاريخ العلاقات الدولية والسياسة الخارجية الحديث والمعاصر- مصر

الانكسار التاريخي والفكر والعادات والفقه المنحبس هي العقبات التي رسخت في المرأة على مر العصور، الانحطاطية والشعور بالدونية والعجز وكسرت ثقتها بربها، بترت منها حاسة المسؤولية خارج نطاقها الضيق، وأشغالها الخاصة وهمومها وآلامها وأهميتها. فالمرأة المؤمنة مطالبة بتحرير إرادتها للقيام بالمهام المنوطة بها لرفع الظلم عن نفسها ومجتمعها قدوتها في ذلك خريجات المدرسة النبوية، النماذج الكاملة من النساء، فكما أن شرع الله انتشل من قبل المرأة العربية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم من غياهب القهر والمعاناة، أصبح من العاجل اليوم أن تستنقذ المرأة المسلمة المعاصرة ـ التي فاقت اختها الجاهلية سقوطًا. من براثن الظلم والإهمال.
الإمام ياسين جاء ليجعل للمومنات دورًا في المشروع التجديدي لإعادة الخلافة على منهاج النبوة، فموقع المؤمنة السياسي وانتماؤها للحركة الإسلامية يحتم عليها العمل على إنجاح المشروع الإسلامي، ما يفيض من الوقت والجهد الأساسي التربوي تصرفه المؤمنة إلى مجال التعبئة العامة في مجال السياسة الآنية.
لقد أكدأ كل من الإمام ياسين أنه لا يمكن البتة تشخيص حال المرأة المسلمة بمعزل عن تشخيص حال الأمة، إذ هما مرتبطان ارتباطًا وثيقًا: “انحطت المرأة بانحطاط المسلمين”، فالقضية فيها تلازم فحال المرأة المنحدر كان نتيجة انحدار سياسي اقتصادي اجتماعي علمي .ولقد كانت خطبة ياسين كتاب (تنوير المؤمنات) مقدمة لموضوع المرأة من وجهة نظر مستحضرة الطمع في الحسنى وزيادة، فإثارته للموضوع لم يرد له أن يكون مجرد توعية سياسية أو ثقافية أو غيرها مما أفرغت من هم الآخرة وهم المصير، بل أراد أن يحرك في النفس حب مواجهة “الصوت الفطري السائل عن معنى وجودي وحقيقة حضوري وغاية مروري من هذه الحياة”. فقد حرص “منذ البداية على جلب الأنظار إلى قضية القضايا، المنسية المكبوتة. ألا وهي قضية مصير العبد إلى ربه”.
ظهر أن معالم التجديد في تناول الأستاذ ياسين لقضية المرأة، تكمن أساسًا في تناولها في شموليتها واستحضار علاقاتها بقضايا تتصل بها اتصالًا وثيقًا، حيث ربط قضية المرأة بالمصير الأخروي وبالمقاصد العامة للشريعة الإسلامية وبقضايا الأمة. معتمدًا في ذلك المنهج الوصفي التشخيصي مستحضرًا التاريخ قارئًا للواقع والحال، مستشرفًا للمستقبل والمآل. وكذلك المنهج الاستقرائي الذي يعتمد على تصفح الآيات والأحاديث الخادمة للموضوع وجمعها وتحليلها تحليلًا علميًا ليكون الحكم موضوعيًا، حيث لم يعتمد فقط على الأدلة الشرعية التي تؤصل لاقتصار مهمة المرأة على خدمة البيت وواجباتها نحو زوجها وولدها، وإنما نجده استحضر كذلك الأدلة التي تثبت واجباتها نحو أمتها وحقوقها في المساهمة في تجديد دينها والعمل ليكون الدين كله لله. واختار، أن يعالج المسألة النسائية معالجة تنويرية شاملة عميقة لا حقوقية مطلبية جزئية سطحية، فالتنوير هداية شاملة لكل أبعاد الشخصية الإنسانية تحقق لها الكمالات المطلوبة إيمانًا وعلمًا وعملًا.
لقد برزت معالم التجديد عند الإمام ياسين في قضية المرأة بروزًا جليًا، حينما قارن حافظية المرأة بالمقاصد العامة للشريعة الإسلامية الضرورية المتمثلة في حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال والمقاصد الحاجية والتحسينية، هذه المقاصد التي قال عنها الأصوليون أنها اكتسبت درجة اليقين باستقراء الأدلة الجزئية التفصيلية .
إن المرأة المسلمة لها القسط الأكبر في حفظ فطرة الله التي فطر الناس عليها دين الإسلام وجودًا وعدمًا، فالولد الذي ينجب ويتربى في أحضانها وإن كان من خلق الله وهو الهادي إلى الصراط المستقيم، إلا أنه من صنع وعمل إنسانٍ يجعلُهُ الله سببًا للهداية الإنسانية. فالمرأة لا تستحق وسام الأمومة إن أنجبت وأهملت بدون تربية أو توجيه، بل الأمومة تصدق على كل امرأة أنجبت وغذت وليدها بكلمة التوحيد تِؤهله ليكون الرجل القادر على تحقيق الغاية من خلقه: عبادة الله، والغاية من وضع الشريعة الاستخلاف في الأرض، فالولد الصالح ذخر لأمه وأمته.
إن أمة مشكلتها الحياتية الأولى هي الخروج من ربقة التخلف لجديرة أن تستفيد من جهود كل أبنائها وبناتها بناء على ما تقدم أستطيع القول إن الإمام ياسين شخص وضعية المرأة تشخيصًا دقيقًا، ولم يذخرا جهدًا في الدفاع عنها وتحميل المسؤولية للحكام والفقهاء والاستعمار لإيصال المرأة إلى ما وصلت إليه اليوم من انحطاط، وما العقلية الذكورية التي تحكم المجتمع اليوم إلا نتيجة طبيعية لهذه الأسباب وليست سببًا في حد ذاته، وقد خصصت جماعة العدل والإحسان للمرأة مكانة متميزة في تفكيرهم المنهاجي حيث نجدها حاضرة في كل كتاباتهم منذ تأسيسها، وما يميز رؤيتهم لقضية المرأة أنهم لا يريدون أن يكون جهد المرأة نضالًا تحقق به مكاسب أرضية فقط -رغم أهميتها- بل يريدون أن يكون جهادًا تحقق به إنصافًا دنيويًا دون أن ينقص ذلك من أجرها الأخروي شيئًا، لذلك أرادت الجماعة من المرأةِ أن تجعل قضيتها مع ربها أم القضايا ثم تأتي القضايا الأخرى بعد ذلك، وهذا ما تفرد به الاستاذ ياسين، فهو لا يريد أن تظل المرأة إنسانًا مهمشًا من الدرجة الثانية، وبنفس القدر يرفض أن تجرد من معناها الوجودي وأن يطغى حظها من الدنيا على حظها من الآخرة.
تظل تجربة المرأة داخل جماعة العدل والإحسان، رغم كل ما يشوبهما وما يدور حولها من مشاكل وعقبات وما يقال عنهما من شبهات دينية. هي التجربة الأقرب للحداثة عند جموع الإسلاميين، وتجربة تؤكد أن التطور ومواكبة الواقع صار أمرًا محتومًا، وما سبق لا ينفي المشاكل الداخلية والقصور الواضح في بعض الجوانب الفكرية لكن هذه هي طبيعة وحال من يحبو نحو التغيير منذ أمد بعيد حيث غلبة الحركيّ على الفكريّ. على الناحية الأخرى، سنجد أن كثيرًا ممن ينتقد وضع المرأة داخل الجماعة دون أن يكون ملمًا بما يدور في الداخل، ولا آليات العمل بداخل الجماعة، والحقيقة ينتقدون لأنه لديهم تصورًا واحدًا عن تحرر المرأة وشكلها ووضعها في المجتمع ولا يستطيعون قبول تصور آخر.
هكذا نرى أن الجماعة قد عالجت قضية المرأة معالجة الخبير المتبصر، دراسة وتحليلًا وتنويرًا، راجية من المرأة المؤمنة أن تتخطى واقعًا منحطًا صنعه حكم عاض وجبري، ومعه فقه قاصر منحبس عن شؤون الأمة، واقعًا زواها وأهملها، وأبعدها عن ربها، وعن مصيرها بعد الموت، كما صنعه غزو الجاهلية، بظنها واعتقادها البعيد عن الله، وتبرجها المفتون بالدنيا وشهواتها، وحميتها المتكالبة على الأمة المستعبدة لها، الناهبة لثرواتها، وأن تنظر إلى هدي الرسول (صلى الله عليه والسلم)، والصحابة والصحابيات، خير نساء طلعت عليهن الشمس القدوات الربانيات المجاهدات الفقيهات المتبصرات بشؤون دينهن ودنياهن، فتقوم لله تعالى وتنهض، مقتحمة للعقبة، سالكة سلوك الأولياء، مترقية في شعب الإيمان ومدارج الإحسان، متهممة بقضايا أمتها، داعية إلى الله عز وجل، مبلغة عن رسوله صلى الله عليه وسلم، مجاهدة من أجل رفع الظلم عن أمتها وعن أخواتها النساء، طامعة في نيل الدرجات العلى، وفي حياة طيبة كريمة سعيدة في الدنيا والآخرة
هنا ضرورة العمل على نشر الرؤية المتميزة للأستاذ ياسين، حول حقيقة التحرير، والمشاركة السياسية، الذي يجب أن تطالب به المرأة المسلمة، وتعمل على تحقيقه. وذلك بإنشاء خلية يشترك فيها الرجال والنساء، يشتغلون معًا على مشروع يتم فيه تفصيل كل القضايا التي تعرض لها الأستاذ، الكلية منها والجزئية، لإبراز تصوره التنويري لقضية المشاركة السياسية للمرأة المسلمة.
الأستاذ عبد السلام ياسين -رحمه الله تعالى- إنما كان يريد نموذجًا نسائيًا فاعلًا في مجتمعها مرتبطة بربها.. رحم الله رجلا أنصف المرأة.


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

  1. الصورة الرمزية لـ nacer
    nacer

    رحم الله رجلا أنصف المرأة نحن بحاجة ماسة إلى أمثال هؤلاء الرجال حتى ننهض بالأمة برجالها ونسائها

    1. الصورة الرمزية لـ د.محمد عبدالرحمن عريف
      د.محمد عبدالرحمن عريف

      هنا ضرورة العمل على نشر الرؤية المتميزة للأستاذ ياسين، حول حقيقة التحرير، والمشاركة السياسية، الذي يجب أن تطالب به المرأة المسلمة، وتعمل على تحقيقه. وذلك بإنشاء خلية يشترك فيها الرجال والنساء، يشتغلون معًا على مشروع يتم فيه تفصيل كل القضايا التي تعرض لها الأستاذ، الكلية منها والجزئية، لإبراز تصوره التنويري لقضية المشاركة السياسية للمرأة المسلمة.

  2. الصورة الرمزية لـ nacer
    nacer

    رحم الله رجلا أنصف المرأة نحن بحاجة ماسة إلى أمثال هؤلاء الرجال حتى ننهض بالأمة برجالها ونسائها

    1. الصورة الرمزية لـ د.محمد عبدالرحمن عريف
      د.محمد عبدالرحمن عريف

      هنا ضرورة العمل على نشر الرؤية المتميزة للأستاذ ياسين، حول حقيقة التحرير، والمشاركة السياسية، الذي يجب أن تطالب به المرأة المسلمة، وتعمل على تحقيقه. وذلك بإنشاء خلية يشترك فيها الرجال والنساء، يشتغلون معًا على مشروع يتم فيه تفصيل كل القضايا التي تعرض لها الأستاذ، الكلية منها والجزئية، لإبراز تصوره التنويري لقضية المشاركة السياسية للمرأة المسلمة.

اترك رد