هجر السلاوي: باحثة دكتوراه – اللسانيات التواصل والترجمة بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة – المغرب
ازدادت زيارات الأوروبيين بشكل عام إلى المغرب و خصوصا بريطانيا في القرن التاسع عشر اذ يمكننا ذكر العشرات منها و دلك من اجل أسباب و دوافع مختلفة فبعضهم جاء من أجل أغراض دبلوماسية ، طبية أو سياحية استأثروا بمواضيع متعددة لم تخطر حتى على بال السكان الأصليين في دلك الوقت من المغاربة ، مما أعطت انعكاسا ايجابيا دون إغفال الجانب الاستعماري فكل من زار المغرب إبان دلك الوقت إلا و اعتبره تحفة نادرة و عتيقة بتكللها كل غال و نفيس.
فبالنسبة للزائر البريطاني على وجه الخصوص و الأوروبي على وجه العموم، كان المغرب يجسد تلك العوالم العجائبية; المليئة بالأسرار المعيشة من طرف الأخر المختلف: دلك الشرقي و المسلم، كما تترجم أفكاره المليئة بالسرد والحكي التي سيسردها حين عودته، ومن ثم كانت الرحلة البريطانية ترسم المدن المغربية على أنها قلعة منيعة و محصنة لثقافة مغايرة كليا عن ثقافته، كما كان فضاؤها خصبا للنهل منها ودلك من أجل إشباع حواسه بجماليتها و رونقها الذي جاء من خلال الزيارات المتكررة و التجوال في الأحياء الضيقة و المآثر التاريخية الخالدة وفضاءاتها السحرية و الخلابة التي لم تعرفها بريطانيا قبلا لأنها لم تكن موحدة بعد كدولة و التي ميزتها وكدا شرب الشاي بالنعناع الذي لا يمكن مقاومته الشيء الذي أثار اهتمام هؤلاء الرحالة الأجانب ليست بالضرورة تلك الصور التاريخية أو التي على البطاقات أو حتى في الدلائل السياحية بل كانت تنم عن تجربتهم الواقعية التي فاقت كل التوقع وذلك من خلال الأمكنة التي قاموا بزيارتها من متاحف و مآثر عمرانية وكل الفضاءات التي جالوا فيها بكل تفاصيلها و حيثياتها كما أشيد بالرحالة الأوروبيين الذين مروا عبر المغرب ليس فقط من اجل رؤية تاريخها و مآثرها و ما كان يميزها من مختلف الأصعدة بل و احتكوا بالأخر و بثقافته و عبر الأناس الذين التقى بهم سواء في الأماكن التي زارها أو كل شخص عرفه من خلال رحلته.
بطاقة عبور إلى عوالم خالدة:
بالنسبة للأوروبيين الأوائل الذين زاروا المغرب لم تكن مدينة طنجة مدينة عادية فحسب ،بل كانت تجسد سائر البلاد فلقد كان العبور إليها محفوفا بالمخاطر و الصعاب بحيث أنهم اتفقوا كلهم على المرور عبر المضيق نحو طنجة الذي كان قويا لدرجة كبيرة حيث ذكروه في كتابتهم التاريخية الذي بات مثل طقس من الطقوس التي لا يمكن الاستغناء عنه لديهم.
فمثلا نذكر: »هنري فيلد « يقول: لما اقتربت الباخرة من طنجة: رغم أنها لا تبعد سوى ثلاث ساعات عبر جبل طارق إلا انه في هذا العبور القصير يحمل الإنسان إلى عالم غريب الفرق ليس في المكانين فقط : يقصد طنجة و جبل طارق، بل الناس أنفسهم مختلفون في الوجه،في اللون ، في اللغة ، و في كل شيء يرمز للإنسانية لدرجة أنك تعتقد أنهم في البداية من جنس أخر. نفس الشعور عبر عنه “علي باي “و هو يعبر المضيق: هنا و في نفس الصبيحة يلمس الملاحظ طرفي سلسلة الحضارة القصوى و في مسافة لا تتعدى فرسخين و ثلثي الفرسخ يجد عشرين عاما من الفرق .
من خلال كل هذا يتبين لنا كل وضوح و وجلاء أن الصورة الاعتيادية عن مدينة طنجة التي صدرتها الكتابات الأجنبية عموما أولت جانبا مهما في هذا الجانب الغرائبي للمدينة و على موضوع الاختلاف و من النماذج القوية على هذا نذكر ما قاله الأمريكي مارك توين عند زيارته للمدينة سنة 1869 :طنجة هي المكان الذي كنا نبحث عنه.في أماكن أخرى وجدنا أشياء مختلفة و أناس مختلفون لكن دائما بجوانب مألوفة مما يفقدها الجدة و القوة. كنا نرى شيئا جديدا تماما جديدا من الأعلى إلى الأسفل و من المركز إلى الهامش….نريد مكانا لا يذكرنا بشيء رأيناه من قبل و هذا قد وجدنا هذا المكان في طنجة…طنجة أغرب من أي شيء و لا تجد لها مثيلا إلا في قصص ألف ليلة و ليلة .
ذكر هذا الكلام في سنة 1869 لكن سرعان ما تتبادر صورة أخرى تبقى راسخة في أذهاننا و التحولات التي عرفتها من خلال انفتاحها على الغرب في القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين.
ومن هنا أريد التعريج للتحدث عن تميز التاريخ الاقتصادي للوطن العربي على العموم و المغرب على وجه الخصوص الذي شهد ارتفاعا ملحوظا و مهما فيما يخص المبادلات التجارية مع أوروبا مند القرن الثامن عشر الذي زامنته تغييرات شتىسواء كمية أو كيفية و الدي لم ينعكس فقط على المستوى الاقتصادي بل زاد عن ذلك ليشمل البنيات الاجتماعية و السياسية و كذا العقليات .
غير أن هذا المسار لان مثل هذه الممارسات انقضت وولت من خلال عقد بعض المعاهدات التجارية و كذا الاتفاقيات الدبلوماسية من اجل عدم السماح لهؤلاء من التحكم في التجارة التي كانت موجهة لاقتصادها و لتجارتها الخارجية.
يمكن القول هنا أنه يتبلور لنا بوضوح الدور الذي لم يكن هينا البتة الذي قام به السيد”جون درامند هاي” من جهود مثمرة في تفعيل هذه الاتفاقيات الدبلوماسية و كذا المعاهدات و خصوصا معاهدة 1856 التي تعتبر نقلة نوعية و تاريخية في وجه التجارة الأوروبية.
المراجع و الكتب المعتمدة:
بجيت كريم ، الرحلة و و صورة الأخر ، قراءات في نصوص الرحالة الأوروبيين حول المغرب، مقال : صور المدينة المغربية في نصوص الرحالة الانجليز خلال القرن التاسع عشر ، محمد لعميري ، منشورات دار الأمان ،من ص: 77 الى ص: 80 ،الرباط.
اترك رد