عبد الله الجباري – المغرب
يتضمن كتاب سراج المريدين في سبيل الدين للقاضي أبي بكر بن العربي الأندلسي رحمه الله تعالى ثروة حديثية مهمة، تتجاوز ألفي حديث وأثر، من الصحيح والحسن والضعيف والموضوع، أوردها ابن العربي بطرق وسياقات متعددة، مرةً يذكر الحديث بلفظه وحروفه، ضبطا وإتقانا، ومرة يورده بالمعنى، وأحيانا يقتنص من الحديث محل الشاهد والاستدلال، وأحيانا يلفق بين حديثين، فيخاله القارء حديثا واحدا، وتارة يورد النص بسنده إلى مظانه، وتارة يورد الموضوع والذي لا أصل له، إضافة إلى التركيز – أحيانا – على حكم الحديث، فينص على صحته أو حسنه، إلى غير ذلك مما تزخر به ثنايا الكتاب.
وكتابٌ هذا شأنه، حقيق بأن يحظى بدراسة حديثية ذات صبغة علمية، بعيدا عن الارتجال والاستعجال، والإخلال والاختلال، خصوصا أنه بقي حبيس الرفوف قرونا من الزمن.
وقد جرت العادة أن يقوم محققو كتب التراث بتخريج الأحاديث والآثار الواردة بين دفتيها، وفق سَنَن المحدثين، وجريا على نمطهم، وعلى ما استقر من أعراف بينهم، إلا أن كتاب سراج المريدين ظُلم عدة مرات.
ظُلِم حين أبقاه العلماء حبيس خزانات خاصة قليلة ونادرة، حيث لم يحظ بالتداول العام والانتشار الواسع كما حظيت بذلك كتب أخرى للمؤلف أو لغيره.
وظُلِم حين لم يُطبع منذ ظهور حركة الطباعة إلى الآن.
وظُلم حين طبع مؤخرا بدراسة مرتجلة وسطحية، لا ترقى إلى العلمية. كما جلّيت ذلك من خلال مقال سابق.
وظلم حين لم يُوَفّ حقه في دراسة المنهج الحديثي للمؤلف، وحين لم تُخَرَّج أحاديثه وآثاره وفق معايير أهل الحديث.
وبعد الاطلاع على نُتف ومواضع من الكتاب، تبينت لي الحاجة الملحة لدراسته دراسة حديثية، وهو ما أوجه إليه عناية الباحثين المتخصصين في الحديث وعلومه، وذوي الخبرة والدراية في إتقانه وصناعته.
وقد قررت أن أكتب عشرين ملاحظة لها مسيس الصلة بمباحث الحديث دون غيره، وأكتفي بها، علّني أثير بها المتخصصين، ويتوجهوا بهممهم نحو الكتاب، ويفردوا عزائمهم لهذا الغرض. وما إن توقفت عند الملاحظة العشرين، حتى اضطررت لإضافة ثلاث بارزات واضحات، لأنهن بحثن عني ولم أبحث عنهن، وهن اكتشفنني ولم أكتشفهن.
اترك رد