إعداد
أ.م .د. إيمان عباس عيدان أ.م.د. إخلاص عباس عيدان
قسم التاريخ/ كلية التربية للبنات قسم التاريخ / ثانوية كلية بغداد
الجامعة العراقية وزارة التربية
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين
اما بعد :
ان علم الانساب هو علم يتعرف منه انساب الناس وهو علم عظيم النفع جليل القدر اشار اليه القران الكريم في قوله تعالى { وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(1) وقوله (عليه الصلاة والسلام ) (تعلموا أنسابكم لتصلوا ارحامكم ) ، والعرب قد اعتنى في ضبط نسبه الى ان اكثر اهل الاسلام واختلط أنسابهم بالاعاجم فتعذر ضبطه بالاباء فانتسب كل مجهول النسب الى بلده او حرفته .
وكان للعرب اهتمام بالغ في حفظ الانساب وتعليمها فضلا عن ان الاسلام وقف موقفا ايجابيا فاكتسب هذا العلم بعناية من الرسول (عليه الصلاة والسلام ) ولكن الاسلام نهى عن سوء استخدامه
ويكتسب علم الأنساب اهميته لدى الفرد بوصفه سنة كونية وغريزة انسانية فهذه الغريزة تدفع الانسان الى معرفة اصوله وجذوره وهي التي تجعل كتب الانساب تحظى بهذا الاقبال وليس عند العرب فقط بل عند كثير من الامم مهما بلغوا من العلم والتقدم .
وكان علم النسب في البداية واجدا من فروع علم التاريخ ثم ما لبث ان صار علما مستقلا له اصوله وفنونه وقد اشتغل فيه عدد كبير من العلماء امتداد لانشغالهم بعلم التاريخ الذي لا يستغني عن علم الانساب والاحاطة به لمن اراد ان يعرف أمته واعلامها من الصحابة والتابعين والقادة والفاتحين والعلماء والمحدثين وغيرهم وقد تواتر عن علماء الأمة التاكيد على هذا العلم .
ولاهمية هذا الموضوع جاء اختيارنا ليكون عنوان بحثنا ، وقد قسمنــــــا البحث الى مقدمة ومبحثيــــــن وخاتمـــــة فأما المبحث الأول فقد عــــــرجت فيه الى تعــــــريف النسب لغـــــة واصطلاحـــــا
1
واهمية علم النسب عند العرب وموقف الاسلام منه وذكرنـــــــا فيه تدوين الأنساب في صدر الاسلام وأما المبحث الثانـــــي تضمن النسابون في صدر الاسلام وأما الخاتمة فقـــــد توصلنـــــا فيها الى النتائـــــج التي نستطيع من خلالها ان نعرف اهمية النسب.
2
المبحث الأول
النسب لغة واصطلاحا
النسب لغة : هو الصلة والقرابة والنسبةمصدر الانتساب والنسب في القرابات فلان نسيبيوهؤلاء أنسبائيورجل نسيب منسوب 1و حسب وفي الآباء خاصة وهو الاشتراك من جهة أحد الأبوين للمجتمع في الشخصين(1) والنسب كلمة واحدة قياسها اتصال شيء بشيء منه النسب لاتصاله وللأتصال به تقول نسبت أنسب وهو نسيب فلان(2)
والنسب : النسب واحد الأنساب والنسبة بكسر النون وضمها مثله ورجل نسابة أي عالم بالانساب والهاء للمبالغة وفلان يناسب فلان فهو نسيبه أي قريبه وبينهما مناسبة (3)
النسب اصطلاحا : هو علم يتعرف منه انساب الناس وقواعده الجزئية والكلية والغرض منه الاحتراز عن الخطأ في نسب شخص وهو علم عظيم النفع جليل القدر .، والنسب والنسبة اشتراك من جهة أحد الأبوين وذكر له ضربان نسب بالطول ونسب بالعرض ، والنسب بالطول وهو ما كان بين للآباء والابناء واما النسب بالعرض وهو ماكان بين الاخوة أنفسهم وبين الأخوة وبني الأعمام وكما يقال له في بني فلان نسب(4).
اهمية علم النسب عند العرب وموقف الاسلام منه
اهتم العرب بالنسب اهتمامهم بحياتهم؛ لأنه يعدّ بمثابة الاسم من الجسد، وأنّ أول ما يتعرف عليه الإنسان هو التعارف فيما بينهم(5). ومن الملاحظ أنّ الفرد العربي في فترة ما قبل الإسلام يعتز اعتزازًا كبيرًا بانتسابه إلى قبيلته، ويعدّ حياته ومصلحته مرتبطة بشكل مباشر بالقبيلة ومصالحها. ونشاهد هذا الارتباط المباشر بشكله الواضح عند البدو ولا نشاهده بهذا الوضوح عند أهل الحضر. ومردّ هذا الاختلاف هو وجود السلطة في المدينة واستقرار الأمن، كما أنّ امتزاج أفرادها واختلاطهم
3
أكثر في البوادي والأرياف، فضلاً عن قرب هذه المناطق من بلاد الأعاجم، وقد أضعف وشائج الارتباط في الدم والنسب(6)
وكان اهتمام العرب بالنسابين كبيرًا جدًّا إذ كان لكل قبيلة نسابة أو أكثر(7) فيحتفلون بظهوره كاحتفالهم ببروز شاعر؛ فكانت هذه الحفاوة والاهتمام ليبرز انتسابهم إلى الجد الأعلى للقبيلة والذود عنها بين القبائل. وللعرب اهتمامات كبيرة بالأنساب قبل الإسلام، فكانوا يعيبون على القبيلة التي تجهل نسبها وإلى أيّ جذم تنتمي، فإنّ كتّاب النسب يجمعون على أنّ العرب جذمان (الجذم الأصل) أحدهما عدنان والآخر قحطان، وإلى هذين الجذمين ينتهي نسب كل عربي في الأرض، ولابد أن يقال له عدناني أو قحطاني(8). وبهذا فإنّ القبيلة التي لا يستطيع رجالها الانتساب إلى أحد الأصلين تكون ضعيفة الجانب في تعاملها مع القبائل الأخرى، وأنّ القرآن الكريم فيه الكثير من الآيات التي تؤكد على النسب وصلة الرحم والإحسان إليهم(9)، نحو قوله تعالى:( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ )(10)، وفــــــي قــــولــــه تعالــــــى:(وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ)( 11) وقولــــــه تعـــالى ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)(12)، وقد خاطب القـــــــرآن الكريم النــــــاس بقولــــــــــه تعالــــى: ( يَا أَيُّهَــــــا النَّاسُ إِنّـــــَا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّاللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(13)
ويبرز اهتمام الرســـــــول بذلك من خلال أحاديثـــــــه نحو قولــــــــــه عليه الصـــــلاة والســـــــلام “تعلّموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكـم، فإنّ صلــــــــة الرحم محبّــــــــــــة في الأهل، مثــــــراة في المال، منســـــــأة في الأجل، مرضاة للرب”(10)، وأنّ التعرف على النسب حسب أحكام الشريعــــــــــة ـفرض وواجب لكي يتعرف فيه الإنسان على محارمه في الناكح، وأن يتعرف على كل ما يتصل به برحم يوجب ميراثًا أو يلزمه صلة أو نفقه عليه(14)
فقد استمر العرب في صدر الإسلام في العناية بالنسب فكان اهتمام الخليفة عمر بذلك واضحًا
4
فعندما نظم ديوانًا للجند استعان بمجموعة من النسابة الكبار في تدوين أسماء القبائل ومقدار
أعطيات الجند للعطاء ، فكان اعتماده على مخرمة بن نوفل15 وعقيل بن أبي طالب(16) وكان
أساس تنظيمه يعتمد على القرابة من الرسول (عليه الصلاة والسلام) وعلى السابقة في الإسلام (17)وعندما أمر الخليفة عمر رجاله بتمصير الأمصار على أثر نجاح جيوش التحرير العربية الإسلامية في تحريــــــر كل من العــــــــراق والشــــــام ومصر، قام قـــــادة الفتح باختيـــــــار مواضــــــع مناسبة لتكون قواعد للجند وموضعًا لإقامة عوائلهم وذويهم؛ فقد اعتمد هؤلاء القادة قواعـــــــــد وأسس محددة لإسكـــــــــان الناس في هذه الأمصار، فقاموا بإسكانهـــــم حسب قبائلهم وصلـــــــة النسب بينهــــــــم، مراعين في هذا التقسيم الأماكن التي جاؤوا منها18. وينسب إليه القـــــــــول الآتي: “تعلّموا النسب ولا تكونوا كنبط الســــــواد إذا سئل أحـــــــدهم عن أصله قال: من قريـــــــة كذا19، يقصد بكذا ينسب الرجل نفسه إلى المدينة الفلانيـــــــة أو إلى مهنته لكونـــــــــه يجهل نسبه الحقيقي إلى أيّ من القبائل ينتمي. وأبـــــــناء القبيلة يعتقدون أنهم ينتـــــــمون إلى أصــــــل واحــــــد مشترك يجمعهم، والرابط الذي يربط شمل القبيلة ويجمع شتاتها هو النسب وأنّ هذه الرابطة تولد عندهم الشعور بالتماسك والتضامن والاندماج فيما ـقال ابن خلدون عن أفراد القبيلة: “لا يصدق دفاعهم وذيادهم إلاّ إذا كانوا عصبية وأهل نسب واحد، لأنهم بذلك تشتد شوكتهم ويخشى جانبهم؛ إذ إنّ النصرة لكل واحد منهم على نسبه وعصبيته أهم، وما يجعل الله تعالى في قلوب عباده في الشفقة والرحمة للنصرة ذوي أرحامهم وأقربائهم موجودة في الطبائع البشرية، وبها يكون التعاضد والولاء، وتعظم رهبة العدوّ لهم ، وقد رتّب علماء الأنساب القبائل العربية على مراتب لكنهم لم يتفقوا على تقسيم موحّد فيما بينهم، بالإضافة إلى أنها تصانيف نظرية أكثر مما هي عملية، ولكي يمكن تطبيقها على واقع القبائل بشكلها الكامل، فكان توظيف هذا التقسيم أكثر ملاءمة في توزيع شجرة نسب القبيلة، وكما هو مبيّن في أدناه:
1ـــالجذم: وتعني به الأصل، ويعدّ قحطان الجد الأعلى لقضاعة.
5
2ـــــ الشعب: وهو الذي يجمع عددًا من القبائل ويسمى شعب، كقضاعة
3ــــ القبيلة: وهي دون الشعب، وما انقسم فيه الشعب أصبح قبائل، ككلب.
4ـــ البطن: وهو دون القبيلة، وما انقسم فيه القبيلة إلى أقسام، كبني رفيدة.
5ـــ الفخذ: وهو أصغر من البطن وما انقسم فيه البطن إلى فروع، كبني عذرة(21)
إنّ الاهتمام بالنسب عند العرب جعله ينتقل إلى غير العرب، وأخذوا يخترعون لأنفسهم شجرة نسب أوصلتهم بأجداد العرب القدماء(22). وكذلك فقد كان للمصاهرات بين القبائل دورها الكبير والفعال في ربط أواصر المحبة والقربى بين القبائل؛ إذ دأب سادات القوم على الزواج من بنات رؤساء القبائل الكبيرة ذات المكانة البارزة بين القبائل العربية المجاورة لها(23)
المطلب الثاني
تدوين الأنساب في صدر الاسلام
كانت عناية العرب ودرايتهم قبل الإسلام بالأنساب كبيرة، واستمر ذلك في عصر صدر الإسلام، وذلك لأنها كانت تغذي الشعراء في ميــــــــدان الفخر والهجـــــــاء والنقائض والتي أصبـــــــــح لهذا الفن اهتمــــــــام كبير في تدوين وحفظ أخبـــــــار العرب ومعاركهـــــــــم(24). وإنّ اهتمــــــــام الخليفة عمــــــــر بن الخطــــــاب بتدوين أسمـــــــاء المحاربين وأهليهـــــم حسب قبائلهــــــم أعطـــــى للأنســـــاب أهمية جديدة، وكان حافزًا إضـــافيًّا للاهتمــــــــام بهذا الجانب الاجتماعي والتي تعدّ البدايات الأولى في العصر الإسلامي وتشجيعًا كبيرًا لعملية التدوين التاريخي. وإنّ جوهر هذا الاتساع لدوافع، ويبرز منها دافع معرفي فحواه أنّ لكتب الأنساب قيمة في كتابة التاريخ العربي، وأنّ هذه الأهمية تتمحور من خلال تثبيت استمرار النوع البشري من خلال تأكيد سلسلة الانتماء ما بين الابن إلى الأب والأب إلى الجد وهكذا؛ فهي إذن دلالة بشرية تبحث في كيفية تكاثر البشر من خلال الزواج وأشكاله ونظام القرابة الذي يؤسسه نظام الزواج، ودلالة زمانية قوامها الوعي باستمرار الزمن وتقسيمه على أساس الأجيال. ومن خلال هذه المصاهرة ينتج عرضيا متحقق معرفي
6
جوهره تطور أشكال التنظيم الاجتماعي انطلاقًا من العائلة وشكل الاتساع القرابي ومستوياته (الشعب – القبيلة – البطن – الفخذ) والأسس التي يؤسس عليها هذا التنظيم الاجتماعي ومتعلقاتها(25)
وإنّ الأنساب قد أهملها الإسلام في البداية من حيث المبدأ إلا أنها عادت فوجدت حوافز جديدة لظهورها عند تدوين الدواوين ومشكلة العطاء، فتنظيم الدواوين والعطاء وسكن القبائل وفِرَق الجيش إنما تم على أساس قبلي؛ وهذا ما أعطى الأنساب شأنًا ماديًّا أضيف إلى شأنها القبلي السياسي في التنافس بين العرب أنفسهم بعد ظهور أرستقراطية جديدة في الإسلام وتوزيع القبائل في الأمصار وتنازعها في المفاخر والمناصب، ويضاف إلى ذلك النـزاع الاجتماعي مع الموالي وظهور الأفكار والحركات الشعوبية، وحاجة العرب إلى الدفاع عن مراكزهم وأوليتهم الاجتماعية(26) وكان ذلك من الأسباب في قبول علم الأنساب في صدر الإسلام وإعطائها مكانها بين المعارف الإسلامية المهمة المطلوبة. وبهذا الشكل أضحى حفظ الأنساب وما حولها وتدوين كل أولئك فرعًا أساسيًّا من فروع التاريخ حتى ظهرت تواريخ خاصة على أساسه(27)حذف نسب قريش) لأبي فيد مؤرج السدوسي البصري (ت195هـ) و(النسب الكبير) لهشام الكلبي (ت204هـ) و(نسب قريش) لمصعب الزبيري (ت236هـ). وكان من الطبيعي أن يكون النسابون الأولون هم في الوقت نفسه من الإخباريين الأولين كمحمد بن السائب الكلبي وابنه هشام وهيثم بن عدي(28). وبعد أنوّنت بعض الأنساب اتفاقًا ومن أفواه رواتها وبأقلام من اهتموا بها عن هذه القبيلة أو تلك، كما فعل الفقعسي الذي كتب مآثر بني أسد(29)وحين انصرف النسابون إلى جمع المادة وتسجيلها جمعوا معها ومن حولها الكثير من المادة التاريخية التي دخلت التاريخ من أوسع أبوابها. ولعل أول خط تاريخي كتب في صدر الإسلام إنما كان في علم النسب، وكان على يد أولئك ، فعهد إليهم بوضع سجلات الأنساب التي أنشأها الذين أتى بهم الخليفة عمر بن الخطاب وهم :
أ- جبير بن مطعم بن عدي القرشي.
ب- عقيل بن أبي طالب عبد مناف الهاشمي – شقيق علي رضي الله عنهما
ج- مخرمة بن نوف بن أهيب الزهيري القرشي (30)
7
فسجلات هؤلاء التي دوّنوها كانت أساس كتب النسب وسجلاته الرسمية في الإسلام. وقد سجلت في الأمصار العربية وخاصة في الكوفة والبصرة، ومن ثم في واسط من العراق، وفي دمشق بالشام وفي مصر
سجلات أنساب أخرى كان مركزها دواوين (الجند)، وكان مصير بعضها هو الحرق خلال فتنة ابن الأشعث سنة 82-83هـ(31)وعلى هذا الأساس ارتبط نظام الأنساب بالتاريخ في ذهن المشتغلين بها وعند الذين كتبوا تاريخ الثقافة العربية واهتموا بتطور الوعي التاريخي عند العرب. وهذا الارتباط لم يأت من فراغ، إنما هو محصلة طبيعية لتدخل المعرفة بين المختصين وللمهمة المشتركة بينهما(32)، ويظهر الوعي بارتباط التاريخ بالأنساب من خلال رواية أوردها السمعاني عن رجل سأل عنه فقالوا: رجل عالم بأيام الناس وعالم بالعربية وعالم بالأشعار وعالم بأنساب الرسول عليه الصلاة والسلام و العرب(33) ، إنّ هذا التواصل ليس هامشيًّا أو جزئيًّا وإنما هو ارتباط متكافئ لصنفين من صنوف المعرفة، بل ربما المكانة الأكفأ للأنساب. أما في الإسلام فإنّ الأمّة توحدت اعتقاديًّا، وتم تجسيد هذه الوحدة اجتماعيًّا وسياسيًّا وثقافيًّا على أساس الدور الإنساني للأمّة العربية، كما عبّر عنه الإسلام فاتسع نطاق الاهتمام بالتاريخ بحكم اتساع نطاق شموليته وحيوية التجربة التاريخية للأمّة وعنفوانها، وقد انعكس هذا التطور على الأنساب التي أصبحت جزءًا من التاريخ. إنّ هذا الارتباط يحتم دورًا للأنساب في كتابة التاريخ من منطلق اهتمامها بالأنساب(34).
وقد خدمت دراسات الأنساب علم التاريخ في المادة وفي خطة الكتابة؛ فقد تجددت العناية بالأنساب في صدر الإسلام(35)، وجاء انتشار الديوان بدافع جديد للاهتمام بها، وقد زاد اهتمام الأمويين بالأنساب ووضعت لهذا الغرض سجلات بها، وكان هذا التشجيع ابتداءً من عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان، ومثل هذه الدراسات يروى أنّ الخليفة الوليد الثاني أمر بعمل سجل وافٍ بالأنساب(36)
وجاءت المعلومات عن الأنساب في الشعر العربي شفاهًا وخاصة شعر النقائض. وفي الروايات العائلية
والقبلية، ومن سجلات دواوين الجد، وكانت عنايتهم في البداية على نسب قبيلة من القبائل، ثم تطور فظهر نسابون عنوا بأنساب أكثر من قبيلة، وقد خلق ذلك من جهة نوعًا من الشعور بالأمّة الواحدة
8
وقد تبلور ذلك في فترة جمع الروايات في القرن الثاني الهجري، الثامن الميلادي(37)
المبحث الثاني
النسابون في صدر الاسلام
ظهر نسابون كثيرون اهتموا بهذا الجانب في الحياة الاجتماعية كان من أبرزهم :
1ــــ زياد بن أبي سفيان ت53هـ/672م
يذكر أن زياد بن أبيه المعروف به، قد ألّف كتابًا في الأنساب تضمّن معظمه في مثالب العرب38 فيبرز هذا الاهتمام من زياد بهذا الجانب من الأنساب إلى قصة نسبه المغموز به واختلاف الرواة فيه وكيفية استلحاق الخليفة معاوية بن أبي سفيان إياه وكراهية المسلمين لذلك، بل وسخر بعض الشعراء من هذا النسب الجديد، ولذلك أراد زياد أن يذود عن نفسه وأبنائه بسلاح يخيف به المتعرضين له بالشكوك، ويشعرهم بعدم نقصه، بل بنقض الآخرين في هذه الناحية من الحياة، وأنّ هذا الكتاب فُقِد ولم يصلنا منه شئ (39)
2ـــ دغفل بن حنظلة السدوسي الشيباني ت60هـ/679م
هو من مشاهير علماء الأنساب ، ويبدو أنّ العمر امتد به قبيل ظهور الإسلام، أدرك النبي ولم يسمع منه ، وبعد ذلك حتى أدرك الخليفة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه(40)ويروي ابن حبيب معلومة أنّ معاوية استعمل دغفلاً لابنه يزيد(41)، وقيل إنه سأله: بم نلت هذا يا دغفل؟ قال بقلب عقول
ولسان سؤول، فقال: معاوية له: اذهب إلى يزيد فعلّمه النسب والنجوم (42)
يروى أنّ كتاب دغفل النسابة التظافر والتناصر هو عبارة عن مجالس وأسمار تروى في بلاط الخليفة معاوية الذي كان محبًّا للمسامرة وأحاديث من مضى من الرجال والأحداث، ويظهر هذا الكتاب مدى عنايتهم بالسمر وأثر هذه
9
المجالس في ترتيب العبارات وتحسينها 0
عبيد بن شرية الجرهمي اليمني ت70هـ/689م
اختلفوا في أصله، فروي أنه كان أهل صنعاء، وقيل إنه من أهل الرقة بالعراق، والأرجح أنه كان يمنيًّا وجرهميّ النسب، وكان قصّاصًا إخباريًّا، أدرك النبي محمد عليه الصلاة والسلام ولكنه لم يسمع منه شيئًا، ثم وفد إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وبرز في بلاطه(43).
وذكروا أنه كان يسمع معاوية كل ليلة من أخبار العرب وأيامها وأنسابها وأخبار العجم وملوكها وسياستها لرعيتها(44). وكانت حصيلة مجالسته للخليفة معاوية قد أنتجت عن تدوين كتاب الملوك وأخبار الماضيين(45) الذي طبع في ذيل كتاب التيجان في ملوك حِمْيَر المنشور في حيدر آباد الدكن في الهند سنة 1347هـ تحت عنوان أخبار عبيد بن شرية الجرهمي في أخبار اليمن وأشعارها وأنسابها. ويتضمن هذا الكتاب الكثير من أخبار العرب وأنسابها قبل الإسلام، كما يشتمل على الأشعار التي وضعت على لسان عادٍ وثمود وطسم وجديس والتبابعة، وكذلك يضم الكتاب بعض أخبار عن بني إسرائيل، ويغلب على جميع هذه الأخبار طابع القصص الشعبي المتأثر بالإسرائيليات(46). وقد أفاد الهمداني في كتابه الإكليل من أخبار عبيد بن شرية نقل قسمًا منها(47)
4ـــ عبد الله بن عباس ت78هـ/697م
أما عبدالله بن عباس رضي الله عنه فقد نسب إليه بعض الرواة(48) مدوّنات استقى منها من بعده من المؤرخين، ولم يذكر أنّ ابن عباس جعل من هذه المدوّنات كتابًا خاصًّا له اسم معيّن، وهي في غالب ظني أنها من بعض مجالسه التي كان كثيرًا ما يفسّر فيها القرآن الكريم ويتعرّض لمختلف المعارف العربية فيدوّن هذه المعلومات أحد أبنائه أو بعض تلاميذه(49) ـ ويروى عن عطاء بن أبي رباح، أحد تلاميذه قوله: كان ابن عباس يجلس للمحاضـــــرة فيأتـــــــون ناس يتذوّقون الشعر، وآخــــرون لتعلــــــــــم الأنســــــاب، وآخــــــــرون للتعرف على أيــــــــام العرب ووقائعهـــــــــا، فمـــــا منهـــم من صنف إلاّ يقبل عليه بما يشاء. ويذكرون أنه كان لدى كريب بن أبي مسلم مولى ابن عباس حمل بعير أو عدل بعير من كتبه وأقواله المكتوبــــة، فكان علي بن عبدالله بن العـــــباس إذا أراد الكتاب كتب إليه: ابعث إليّ بصحيفة كذا وكذا، قال: فينسخها ويبعث إليه بأحدهم (50)، وهذا لا يعني أن التدوين التاريخي بدأ في عهد مبكر منذ
10
أواسط القرن الأول الهجري فحسب وإنما يعني أيضًا أنّ ابن عباس ترك صحفًا لورثته بعد وفاته، وكانت من الكثرة بحيث يبلـــــــــغ حجمهـــــــا حمل بعير، وكــــــــان لتلاميذه صحائف مروية شيخهــم، ومن هـــــــــؤلاء عروة بن الزبير ومحـــــمد
بن كعب القرظي، ووهب بن منبه وسعيد بن جبير، وأنس بن مالــــك، وسعيد بن المسيب، وعن هـــــــــؤلاء أخذ الكثير ممن تعرف من الإخباريين أخبارهم وأهل السِّيَر في مدوّناتهم ومهتمّين بأنساب القبائل معارفهم(51)
عروة بن الزبير (ت94هـ/712م)
يعدّ عروة بن الزبير مؤسسًا ، لدراسة المغازي؛ إذ كان أول من ألّف كتابًا في المغازي وحياة الرسول عليه الصلاة والسلام ، وهو فقيه ومحدّث مشهور، ينتسب إلى بيت من أشراف بيوتات العرب، ويدخل في عداد الطبقة الأولى من مؤرخي السيرة. وكان عروة ثقة فيما يروي من الحديث؛ فقد مكّنه نسبه من أن يتصل بأسرة الرسول عليه الصلاة والســلام ، فروى هذه الأحــــــــداث عن أبيه الزبــــير بــــــن العوام ويروي الكثير من الأخبار والأحاديث عنه وعن خالته عائشة أم المؤمنين وعن أمه أسماء بنت أبي بكر الصدّيق ، رضي الله عنهم. وعن عروة أخذ ابنه هشام هذه الثروة العلمية، وأخذ ابن شهاب الزهري كما ورد كثير من رواياتـــــــه وأحاديثـــــه في كتب ابــــــن اسحــــــــاق والواقدي وابن هشـــــــام وابن سعد والطبري(52)قد تجاوز عروة في الروايات التاريخية فترة الرسالة إلى عهد أبي بكر الصدّيق ومن بعده حتى واقعة الجمل، وربما تجاوزت إلى أحداث الردة والفتوح في القادسية واليرموك. ويمكن أن يعدّ ما وضعه جسرًا بين دراستي الحديث والتاريخ، ويعدّ رائدًا في علم التاريخ والرجل الأول في المدرسة التاريخية في المدينة خاصة وفي الشام(53)
محمد بن مسلم بن شهاب الزهري (ت124هـ/741م)
هو محمد بن مسلم بن عبيد بن عبدالله بن شهاب، مِن بني زهرة، ويعتبر من أعظم مؤرخي المغازي والسيرة، إذ يرجع إليه الفضل في تأسيس مدرسة التاريخ في المدينة(54)، وقد أمره خالد بن عبدالله القسري بكتابه السيرة له(55)، كما أمر أيضًا بكتابة كتاب عن القبائل العربية الشمالية، ففعل ولم يتمّه(56).ولم يكن للزهري كتاب إلاّ كتاب نسب قومه(57). 11
ويبدو أنّ الزهري كان واسع المعرفة بالأنساب، يقول عنه الليث(58): وإن حدّث الزهري عن العرب وأنسابها قلت لا يحسن إلاّ هذا. .
يخبرنا الزهري نفسه أنه كتب (أسنان الخلفاء) لجدّه(59)، وهو عبارة عن قائمة يذكر فيها تاريخ وفاة الخلفاء وأعمالهم عند الوفاة ومقدار ملكهم(60). وكان يقول: أدركت أربعة بحور: عبيد بن عبدالله أحدهم، وقال: سمعت من العلم الشيء الكثير، فلما لقيت عبيدالله بن عبدالله كأني كنت في شعب من الشعاب، فوقعت في الوادي، وقال: مرة صرت كأني لم أسمع من العلم شيئًا(61) 0
7ـــ محمد بن السائب الكلبي (ت146ه/763م)
هو كلبي النسب، وتنتمي قبيلته إلى قضاعة وهي من جذامات القبائل العربية القحطانية، هاجرت من اليمن واستقرت بالشام(62)، وأنّ هذا المكان قد مهد له الاتصال برواة القبائل والتعرف على أنسابها، فحاول جمع أطراف علم الأنساب معتمدًا على أفضل راوي كل قبيلة في النسب(63)، وأضاف إلى ذلك التعرف على
الأخبار والأدب وشعر النقائض(64). ومن خلال هذا الاطلاع الواسع، أصبح عالمًا بالأنساب واللغة والتاريخ، إلاّ أنّ ثمة اتفاقًا على أنه أول النسابين الكبار، ولكنه رُوِي عنه ولم يؤلِّف في النسب(65)
8ـــــــ أبو اليقظان النسابة (ت190هـ/805م
هو عامر بن حفص، وكان مولى لبني تميم(66)، ويلقب بسحيم،وكان عالمًا بالأنساب والأخبار والمآثر والمثالب. ويتميز بأنه كان أول من ألّف في الأنساب عامة نقلاً عن الروايات القبلية بالدرجة الأولى، لأنها المنبع الأساسي لهذا العلم. وله من الكتب: النسب الكبير، وكتاب أخبار تميم، وكتاب نسب خندف، وكتاب
النوادر؛ ولكن هذه الكتب لم يصلنا منها شيء إلا مقتطفات متناثرة في بطون الكتب، وقد نقل المدائني كثيرًا عنه. ويبدو أنه أولى عنايته للنوادر، وأنّ كتابه
12
بهذا العنوان لقي بعض الرواج وقد اطلع عليه ابن النديم في القرن الرابع الهجري، وتؤكد المقتطفات المأخوذة عنه لدى البلاذري وابن خياط وغيرهما هذه الملاحظة، كما تؤكد أمرًا آخر هو عنايته بأخبار أهل البصرة وأحداثها(67)
9ـــــ هشام بن محمد بن السائب الكلبي (ت204هـ/819م)
يعتبر من أعظم الإخباريين في التاريخ العربي وتابع دراسات والده في الأنساب وتقدّم بها، وقد وصل إلينا كتابه جمهرة النسب بجزأين الأول يختص بقبائل العدنانية والثاني قبائل قحطان، ويقول عنه ابن قتيبة: “كان هشام أعلم الناس بالأنساب، أخذ هذا العلم من أبيه”(68)
أما عن دراساته فغزيرة ومتنوعة ذكرها ابن النديم في الفهرست يبلغ عددها نحو (140) موضوعًا، وصل إلينا
منها جمهرة النسب، وكتاب الأصنام، وكتاب نسب فحول الخيل في الجاهلية والإسلام(69)
كتب الأنساب وأثرها في دراسة التاريخ :
تتركز أهمية كتب الأنساب في أنها معاجم لتراجم وسِيَر أشراف العرب حسب أنسابهم، فهي تعتني بدراسة تاريخ الأرستقراطية العربية على حسب أنسابها ودراسة الأنساب هي بحدّ ذاتها لها أهميتها الخاصة في الدراسة التاريخية(70)، لأن كتب الأنساب هي سلاسل أسماء تدعو لها الحاجة الاجتماعية القبلية للتعارف والتمايز، فهي كالأعمدة ينسج من حولها بعض القصص الذي يحفظ تكوينها، فهي في الواقع التاريخ الأنثروبولوجي التقليدي والهيكل العظمي للفكرة التاريخية، وبالرغم من أنها أكثر تاريخية من القصص باعتبارها شكلاً من أشكال التعبير التاريخي الذي يسجل إطار التكوين القبلي، إلاّ أنّ المعلومات النسبية قبل الإسلام بقيت تتناقل شفاهًا إلى فترة ليست بالقصيرة بعد الإسلام(71)
وإنّ كتاب النسب عندما يدوّنون شجرة نسب قبيلة من القبائل العربية وتفرعاتها وارتباطها مع غيرها من القبائل عن طريق صلة القربى أو المصاهرة أو الجوار، فنجدهم يبرزون مآثر شيخ القبيلة سواء عن طريق أيامهم وحروبهم فيذكرون فروسيته وشجاعته عندما تحمى نار الحرب أو إظهار دوره من خلال شخصيته في امتلاكه للحكمة وكيفية
13
إدارة قبيلة وفض المنازعات مع غيره من القبائل ورأب الصدع الذي يحدث بين القبائل، أو إبراز كرمه المنقطع النظير الذي لا يجاريه أيّ رجل من بين أبناء قبيلته أو القبائل التي تعيش في تلك المنطقة. ومن خلال جمع شتات هذه المادة التاريخية التي نقلها الرواة والنسابون ودوّنها الكتّاب، نستطلع بها على حياة القبيلة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتي تعدّ نواة وخدمة كبيرة للتدوين التاريخي؛ إذ دخلت رواياتهم في صلب مادة كتب التاريخ
ـويمكن القول إن القاسم المشترك بين مختلف الفلسفات التي تناولت علم التاريخ، كان فهمًا لدراسة النشاط الإنساني الذي تبذله مجموعة من الناس في مكان وزمان معيّنين في ظل مستوى من العلاقات التي توصلنا إلى هدف معيّن، وأنّ هذا الفهم عندما يوضع في إطار بحث فلسفي مع جوهر كتب الأنساب سوف يكشف لنا القيمة المعرفية في كتب الأنساب أولاً، ويبرز أهميتها في كتابة تاريخنا القومي ثانيًا(72)
فعندما يكون الإنسان أبرز مسائل التاريخ كما بين الكافيجي والسخاوي وابن خلدون(73)، فبالتأكيد يكون علم هذا الإنسان أساسيًّا في فهم التاريخ وكتابته؛ فالتاريخ الذي يصنع في ظل نظام قرابي أساسه الأم يعني نظام زواج مختلف عن نظام اجتماعي أساسي قرابته الأب، وبالتالي فأسس القرابة والتملك الاقتصادي والتحليل والتحريم ودورها في رسم القِيم الاجتماعية أمور تختلف في اشتراطاتها وتعزز لنا اتجاهات في التطور التاريخي مختلفة. إذن في مقدمة المسائل التي تقرر قيمة كتب الأنساب في كتابة التاريخ أنها المصدر الأساس لكتابة التاريخ الاجتماعي تحديدًا، بل بدونها لا يمكن إنجاز مثل هذه الكتابة، لأننا نرى أنّ المقصود من دراسة التاريخ الاجتماعي هو الوقوف على أساس نشأة المجتمع والنظام الذي اتخذته هذه النشأة وحكم تطورها، أنه دراسة لفاعلية حركة المجتمع تاريخيًّا، والدوافع المحركة لهذه الفاعلية، وليس فقط الوقوف على الأسرة وأشكال التنظيم الاجتماعي لأوجه النشاط اليومي للمجتمع، وعلى هذه النقطة يتراكم باقي القِيَم الأخرى لكتب الأنساب، ومع هذا فتحليل محتوى كتاب الأنساب يعطي فكرة عن كيفية توظيفها(74)
تعدّ المهماز والنواة التي من خلالها أفضت إلى عملية التدوين التاريخي معلومات أكسبتها صفة الملازمة والارتباط بين شجرة نسب القبيلة وماضيها الذي يعدّ تراثًا، فأعطى هذا الاقتران لعملية التدوين التاريخي أكثر مصداقية وقربًا من الحقيقة النسبية، ولأنّ مرويات وكتب النسابة دخلت في صميم عملية التاريخ العامّ. وقد اشترط السخاوي في
14
عملية التدوين أن يكون المؤرخ صادقًا وأمينًا في النقل وتسمية المنقول منه، وعارفًا بحاله الديني والعلمي، ويجيد صياغة العبارات عارفًا بمدلول الألفاظ، فيجعل حضور الصورة واضحة أمام القارئ زائدًا على حسن التصور في توصيل الفكرة (75)
الخاتمة
من اهم النتائج التي توصلنا اليها في بحثنا الموسوم ( النسابون وأثرهم في تدوين التاريخ الاجتماعي )
1ـــــ ان النسب علم عظيم النفع جليل القدر وان النسب بالطول وهو ما كان بين الآباء والابناء
واما النسب بالعرض وهو ماكان بين الإخوة أنفسهم وبين الأخوة وبني الأعمام 0
2ـــ ان الاهتمام بالنسب نلاحظه اكثر ارتباطا ومباشرا عند البدو ولا نشاهده بهذا الوضوح عند أهل الحضر. ومردّ هذا الاختلاف هو وجود السلطة في المدينة واستقرار الأمن، كما أنّ امتزاج أفرادها واختلاطهم أكثر في البوادي والأرياف، فضلاً عن قرب هذه المناطق من بلاد الأعاجم، وقد أضعف وشائج الارتباط في الدم والنسب 0
3ــــ ينتهي نسب كل عربي في الأرض الى عدنان أو قحطان وبهذا فإنّ القبيلة التي لا يستطيع رجالها الانتساب إلى أحد الأصلين تكون ضعيفة الجانب في تعاملها مع القبائل الأخرى 0
4ــــ اهتمام الرســـــــول (عليه الصلاة والسلام) بالنسب لقوله: “”تعلّموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكـم” فإنّ صلــــــــة الرحم محبّــــــــــــة في الأهل، مثــــــراة في المال، منســـــــأة في الأجل، مرضاة للرب”(وأنّ التعرف على النسب حسب أحكام الشريعــــــــــة ـفرض وواجب لكي يتعرف فيه الإنسان على محارمه في الناكح، وأن يتعرف على كل ما يتصل به برحم يوجب ميراثًا أو يلزمه صلة أو نفقه عليه0
5ـــــ كان اهتمام الخليفة عمر(رضي الله عنه ) بالنسب يبدو واضحًا عندما نظم ديوانًا للجند استعان بمجموعة من النسابة الكبار في تدوين أسماء القبائل ومقدار أعطيات الجند للعطاء وكان أساس تنظيمه يعتمد على القرابة
15
6ـــ اهتمــــــــام الخليفة عمــــــــر بن الخطــــــاب بتدوين أسمـــــــاء المحاربين وأهليهـــــم حسب قبائلهــــــم أعطـــــى للأنســـــاب أهمية جديدة، وكان حافزًا إضـــافيًّا للاهتمــــــــام بهذا الجانب الاجتماعي والتي تعدّ البدايات الأولى في العصر الإسلامي وتشجيعًا كبيرًا لعملية التدوين التاريخي.
7ـــ ظهور نسابون كثيرون الذين اهتموا بهذا الجانب في الحياة الاجتماعية تعدّ االنواة التي من خلالها أفضت إلى عملية التدوين التاريخي معلومات أكسبتها صفة الملازمة والارتباط بين شجرة نسب القبيلة وماضيها الذي يعدّ تراثًا، فأعطى هذا الاقتران لعملية التدوين التاريخي أكثر مصداقية وقربًا من الحقيقة النسبية.
ــــ8ــــ وقد خدمت دراسات الأنساب علم التاريخ في المادة وفي خطة الكتابة.
الهوامش
ــــ القرآن الكريم سورة الحجرات الآية 13
1ــ الفراهيدي : الخليل بن احمد ، ت175ه، العين ، تحقيق : مهدي المخزومي وآخرون ، دار الرشيد ، د.ت ج7/ص271ــــ272.
2ـــ ابن فارس : معجم مقايسس اللغة ، ج5/ص423ـــ424.
3ـــ الرازي : محمد بن ابي بكر بن عبد القادر ، تحقيق : محمد نبيل ، دار صادر ، بيروت ص400.
4ــ الاصفهاني : الراغب ، المفردات (الفاظ القرآن) ص490.
5ــــ الجبوري: جاسم محمد عيسى قبيلة كلب ودورها في التاريخ، رسالة ماجستير غير منشورة، ص11.
6ــ د. جواد علي، المفصل في تاريخ العرب، بيروت، 1390هـ/1970م، 1/466-467.
7ـــ العدوي، التاريخ الإسلامي، 40
16
ـ ابن عبد البر، القصد والأمم في التعرف بأصول أنساب العرب والعجم، النجف، 1386هـ، 598
9ـــ الجبوري، قبيلة كلب، 12ـ
10ــــــ سورة البقرة، الآية 215.
11ـــ سورة البقرة، 1771ـ
12ــ سورة ا لشعراء، الآية 214.
13ــــ سورة الحجرات، الآية 138ــ
14ابن حزم، جمهرة أنساب العرب، دار المعارف، مصر، 1977م، 1/2،
ابن حزم، المصدر نفسه، 1/2. 15
16ـــ ابن حزم المصدر نفسه1/3
17ــــ هو عقيل بن ابي طالب بن عبد لمطلب بن هاشم القرشي اسلم 8ه عالم بالنسب شهد بدرا مع
المشركين مكرها ووقع بالاسر ولما اسلم شهد غزوة مؤته توفي في خلافة معاوية .ابن الاثير : اسد
الغابة في معرفة الصحابة ، مطبعة الشعب ، القاهرة ،د.ت . م3/ص56ــــ60
18ــــ البلاذري،أحمد بن يحيى بن جابر، فتوح البلدان، مطبعة السعادة ، مصر ،1379ه/ 199م . 548-549
19ــ الجبوري، الجوار: دراسة في المفهوم والدلالة التاريخية في عصر الرسالة والراشدين، رسالة دكتوراه غير منشورة، 110
20ـــــ عبدالرحمن بن خلدون، المقدمة، بيروت، 1391هـ/1971م، 2/0426
21ـــ جواد علي، المفصّل، 4/313، انظر: السيد عبدالعزيز سالم، تاريخ العرب في عصر الجاهلية، جامعة الإسكندرية، القاهرة، 1967م،
17
22 ــ الجبوري، قبيلة كلب، 15.
23 ــــ أحمد صالح العلي، محاضرات في تاريخ العرب قبل الإسلام، المو23ـــ الحديثي :نزار عبداللطيف القيمة التاريخية لكتب الأنساب، بحث منشور في ندوة كتب الأنساب، 85-86.
24ـــ شاكر : مصطفى ، التاريخ العربي والمؤرخون، دار العلم للملايين، بيروت، ط2، 1979م، 65،.
25ــــ المرجع نفسه، 66
26ــــ المرجع نفسه.
27ـــ ابن النديم : أبوالفرج محمد بن أبي يعقوب ، الفهرست، طهرا30ــــ الحديثي، القيمة التاريخية لكتب الأنساب، 86
28ـــــ البلاذري، فتوح البلدان، 548، 549؛ انظر: مصطفى، التاريخ العربي، 190.
29ــ مصطفى شاكر، التاريخ العربي، 190
30ــــ الحديثي، القيمة التاريخية لكتب الأنساب، 86
31ــــ السمعاني : أبو سعيد عبدالكريم ، الأنساب، دار الجنان، بيروت، 91
32ــ الحديثي، القيمة التاريخية، 87.
33ـــ الدوري، نشأة علم التاريخ، 39.
34ــــ ابن النديم، الفهرست، 102.
35ــــــ الدوري، نشأة علم التاريخ، 40؛ وينظر مصطفى: التاريخ العربي، 173-174
36ـــ ابن النديم، الفهرست، 89.
37ــ نصار، نشأة التدوين التاريخي، 12-13
38ـــــ مصطفى شاكر، التاريخ العربي، 136.
39ــ ابن حبيب: أبوجعفر محمد البغدادي ، المحّبر، تح. د. إيلزة ليختن سنبز، 478
18
40ـــ مصطفى، التاريخ العربي، 136.
41 ـــ الدوري، نشأة علم التاريخ، 40؛ وينظر مصطفى: التاريخ العربي، 173-17441ـــ) نصار، نشأة التدوين، 13.
42ـــ ابن قتيبة: أبومحمود عبدالله بن مسلم كتاب المعارف، تح. د. ثروت عكاشة، القاهرة،181؛ أبوالحسن علي بن الحسين المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، طبعة محيي الدين عبدالحميد، القاهرة، 1958م،
43ـــ لمسعودي، مروج الذهب، 2/40.
44ــــ ابن النديم، الفهرست، 89
45 ـــ علي : جواد، المفصل 1/45ـ
46ـــ سالم : عبد العزيز ، التاريخ والمؤرخون العرب ، جامعة الاسكندرية ، القاهرة ، 1981م .46.
47ــــ محمد بن منبع بن سعد، الطبقات الكبرى، مطبعة بريل، ليدن، 1255هـ، 5/216
48ــــ نصار : حسين ، نشأة التدوين التاريخي 14.
ابن سعد، الطبقات، 5/216.49
50ــــ مصطفى : التاريخ العربي 136.
51ـــــ أمين : احمد ، ضحى الإسلام، لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1932م، 2/322؛ نصار، نشأة التدوين، 29-30 0
52ـــ مصطفى، التاريخ العربي، 152
53ــــ سالم، التاريخ والمؤرخون، 58
54ــــ الأصفهاني: الأغاني 19/69
19
55ـــ المصدر نفسه، 19/59
56ـــــ الذهبي : تراجم رجال روى عنهم محمد بن اسحاق 68
57ــ ابو نعيم : الحلية 3/360
58ـــــ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، المطبعة الحسينية، القاهرة، 2/428
59ــــ نصار، نشأة التدوين، 47
60ـــ الأصفهاني، الأغاني، 8/178
61ـــــ الجبوري، قبيلة كلب، 17،
62ــــــ مصطفى، التاريخ العربي، 19؛ سالم، التاريخ والمؤرخون، 48.
63ــــ مصطفى، التاريخ العربي، 190
64ــــ ــ ابن حجر شهاب الدين أبي الفضل أحمد ، تهذيب التهذيب، دائرة المعارف في الهند، 1326هـ، 9/180؛ مصطفى، التاريخ العربي190،
65ــــ الطبري، تاريخ، 4/449
66ــــــ مصطفى، التاريخ العربي، 193-194؛ الدوير، بحث في نشأة علم التاريخ، 40
67ـــــ ابن قتيبة، كتاب المعارف، 181
ـــــ سالم، دراسات في تاريخ العرب، 32؛ سالم، التاريخ والمؤرخون، 49 68
69ـــــ سالم، التاريخ والمؤرخون، 171
70ـــ مصطفى، التاريخ العربي، 55
الحديثي، القيمة التاريخية لكتب الأنساب، 87.
ـ20
72ــــ روزنثال: فرانز ، علم التاريخ عند المسلمين، ترجمة د. صالح أحمد العلي، مكتبة المثنى، بغداد1963م، 382-385، 486، 545،22
73ـــ الحديثي، القيمة التاريخية، 87
74ـــــــ السخاوي : شمس الدين محمد بن بد الرحمن ، الاعلان والتوبيخ لمن ذم التاريخ ، مطبعة العاني ، بغداد ، 1962م ، ص132
قائمة المصادر والمراجع
ابن الاثير : اسد الغابة في معرفة الصحابة ، مطبعة الشعب ، القاهرة ، د.ت 0
الاصفهاني : الراغب ، مفردات الفاظ القرآن ، تحقيق : صفوان عدنان داوودي ، دار القلم 1430ه/2009م.
أمين : احمد ، ضحى الإسلام، لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1932م، 2/322؛ نصار، نشأة التدوين، 29-30؛ 52ـــ مصطفى، التاريخ العربي0
البلاذري،أحمد بن يحيى بن جابر، فتوح البلدان، مطبعة السعادة ، مصر ،1379ه.
ابن حزم، جمهرة أنساب العرب، دار المعارف، مصر، 1977
ابن حبيب: أبوجعفر محمد البغدادي ، المحّبر، تح. د. إيلزة ليختن سنبز
ــ ابن حجر شهاب الدين أبي الفضل أحمد ، تهذيب التهذيب، دائرة المعارف في الهند، 1326هـ
ابن خلدون عبدالرحمن بن محمد الحضرمي ت808ه، ، المقدمة، بيروت، 1391هـ/1971م
الدوري : عبدالعزيز ، نشأة علم التاريخ عند العرب، المطبعة الكاثوليكية، بيروت
الرازي : محمد بن ابي بكر بن عبد القادر ، تحقيق : محمد نبيل ، دار صادر ، بيروت ، د.ت .
روزنثال: فرانز ، علم التاريخ عند المسلمين، ترجمة د. صالح أحمد العلي، مكتبة المثنى، بغداد،
21
سالم : عبدالعزيز ، تاريخ العرب في عصر الجاهلية، جامعة الإسكندرية، القاهرة، 1967م،،
التاريخ والمؤرخون العرب ، جامعة الاسكندرية ، القاهرة ، 1981
السخاوي : شمس الدين محمد بن بد الرحمن ، الاعلان والتوبيخ لمن ذم التاريخ ، مطبعة العاني ، بغدداد ، 1962م ، ص132.
ابن سعد محمد بن منبع ، الطبقات الكبرى، مطبعة بريل، ليدن، 1255
السمعاني : أبو سعيد عبدالكريم ، الأنساب، دار الجنان، بيروت ،د.ت.
شاكر : مصطفى ، التاريخ العربي والمؤرخون، دار العلم للملايين، بيروت، ط2، 1979م
الطبري، تاريخ الرسل والملوك، المطبعة الحسينية، القاهرة .
ابن عبد البر، القصد والأمم في التعرف بأصول أنساب العرب والعجم، النجف،
العدوي: ابراهيم احمد ، تاريخ العالم الإسلامي، 1409ه/1989م
العلي : أحمد صالح ، محاضرات في تاريخ العرب قبل الإسلام، الموصل، 1401هـ/1981م
علي: جواد، المفصل في تاريخ العرب، بيروت، 1390هـ/1970
الفراهيدي : الخليل بن احمد ، ت175ه، العين ، تحقيق : مهدي المخزومي وآخرون ، دار الرشيد ، د.ت
ابن قتيبة: أبومحمود عبدالله بن مسلم كتاب المعارف، تح. د. ثروت عكاشة، القاهرة،
المسعودي أبوالحسن علي بن الحسين ، مروج الذهب ومعادن الجوهر، طبعة محيي الدين عبدالحميد، القاهرة، 1958م0
ابن النديم: أبوالفرج محمد بن أبي يعقوب الفهرست، طهران، 1971م
22
نصار : حسين ، نشأة التدوين التاريخي عند العرب، مكتبة السعادة، مصر.
الرسائل الجامعية
الحديثي :نزار عبداللطيف القيمة التاريخية لكتب الأنساب، بحث منشور في ندوة كتب الأنساب
الدوريات العربية
الجبوري، الجوار: دراسة في المفهوم والدلالة التاريخية في عصر الرسالة والراشدين، رسالة دكتوراه غير منشورة،
23
الكلمات المفتاحية: لنسابون وأثرهم في تدوين التاريخ الاجتماعي
اترك رد