أوراق مؤتمر "الخليج والعالم"

اختتم بمدينة الرياض اليوم الإثنين 5 دجنبر 2011 مؤتمر “الخليج والعالم” الذي استمر على مدى يومين، وجاء في ظل ما تشهده المنطقة من أحداث وصراعات ومخاوف، نظراً لتأثيرها الكبير والقوي في الاستقرار والأمن العالميين، كون تلك المنطقة التي تضم الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي المصدر الأول للطاقة في العالم ، إلى جانب الخلاف المستمر حول البرنامج النووي الإيراني، الذي ربما يحمل في طياته احتمال صراع آخر في المنطقة، كما أن منطقة الخليج متاخمة لمناطق وسط وجنوب آسيا (أفغانستان وباكستان)، التي تشهد سخونة أمنية وعدم استقرار لا مثيل لهما، إضافة إلى الصراع العربي – الإسرائيلي المزمن والمقلق لأمن المنطقة، إلى جانب الأحداث التي وقعت مؤخرا والمعروفة باسم “الربيع العربي”، وهذا كله وجه بوصلة الاهتمام والتركيز نحو مستقبل المنطقة والجهات الفاعلة الإقليمية والدولية فيها.

وقد ناقش المشاركون في المؤتمر على ضوء هذه الأحداث مجموعة من المواضيع المهمة المتعلقة بمنطقة الخليج، منها دور دول مجلس التعاون الخليجي في المتغيرات الدولية والإقليمية، والتغييرات السياسية في المنطقة وانعكاساتها، والبيئة الأمنية الإقليمية للمنطقة، إضافة إلى تحولات القوى العالمية ودور القوى التقليدية، وتحولات القوى العالمية ودور القوى الصاعدة، كما تدارس المؤتمرون الآفاق المستقبلية للطاقة العالمية، وكيفية الحفاظ على النمو الاقتصادي في ظل الظروف الاقتصادية المتقلبة، إلى جانب بعض التوقعات بشأن مستقبل المنطقة.

مداخلة مقدمة من صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن أحمد بن عبدالعزيز آل سعود

أمن الخليج في مقدمة أولويات دولة
ومسؤولية وطنية وإقليمية ودولية

أمن منطقة الخليج العربي يأتي في مقدمة أولويات واهتمامات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي مجتمعة وعلى مستوى كل دولة من الدول المجلس الست، لأن الأمن الوطني والخليج فضية حيوية و إستراتيجية مرتبطة بحياة المواطن اليومية وأسرته ومستقبله وتوفير الأمن وتثبيته والحفاظ عليه من أهم مظاهر سيادة الدولة على أراضيها ومن أولى مسؤوليات الحكومات بل أمانة في عنقها تجاه شعبها لا يمكن التفريط فيها أو المساس بها في أي وقت وتحت أي ظرف.
إن الحكومات الخليجية لن تتواني في توفير الأمن والحفاظ عليه، ولن تدخر جهداً في حماية مواطنيها والمقيمين على أراضيها ما دام ذلك من مسؤولية الدولة وبما تفره القوانين والأنظمة التي ارتضتها الشعوب وتنفذها الدولة من أجل المصلحة العليا للوطن.
إذا كان توفير الأمن بصفة في الظروف العادية من أولى مسؤولية الحكومات، فإن المسئولية تكون أعظم والأمانة أثقل على كاهل حكومات دول الخليج لأن شعوب هذه الدول تعيش في منطقة مضطربة ، تشهد حالياً حالة من التجاذب الدولي، و التلويح باستخدام القوة، وإشهار ورقة السلاح النووي، ومحاولات لتمدد النفوذ الإقليمي والدولي، ومخططات لإيقاظ فتن طائفية و مذهبية بين أبناء الوطن الواحد، وخطط معلنة وأخرى سرية للتدخل في الشئون الداخلية للدول الخليجية، فيما تشهد دول مجاورة أو ليست بعيدة فراغاً أمنياً وما يشبه الحرب الأهلية، مع استمرار محاولات التنظيمات الإرهابية لاستهداف المصالح الحيوية للدول الخليجية، وتهديدات الجريمة المنظمة كـتهريب المخدرات و أعمال القرصنة ، كل ذلك يستهدف منطقة حيوية من العالم من حيث مخزونها من الطاقة أو لموقعها الحساس أو لتأثيرها على مصالح الكثير من دول العالم.
هذا الاستهداف يتطلب يقظة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لما يحاك لها أو يتم تدبيره في الخفاء سواءً من جانب دول إقليمية أو جماعات إرهابية أو تنظيمات مسلحة ذات أيدلوجيات وأجندات خاصة تحاول أن تزعزع أمن واستقرار هذه المنطقة وكما أنه من الضروري على الدول الكبرى التي لديها مصالح في المنطقة أن تكون أكثر وضوحاً وصراحة وأن تجيد قراءة مفردات المنطقة بدقة وأن تتعامل مع الواقع لا أن تتعامل مع الدول والحكومات الشرعية وليس مع جماعات من أصحاب المصالح أحادية الجانب والأهداف، وألا تتعامل بمنطق المساومة أو بسياسة الصفات.
إن أمن واستقرار منطقة الخليج ليس أمن وطني فحسب بل هو أمن إقليمي ودولي يؤثر على أمن واستقرار العالم كله بما لهذه المنطقة من تأثير مباشر على أسواق الطاقة العالمية سلباً أو إيجاباً، ولها تأثير كبير على الاقتصاد العالمي بما تشهده من حركة تجارة كبرى، و الأهم من ذلك كله في مرتبطة بعقول وقلوب أكثر من مليار وسبعمائة مليون مسلم يتجهون إلى الكعبة المشرفة خمس مرات يومياً، ناهيك عن الملايين الحجاج والمعمرين الذين يقصدون الأراضي المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية على مدار العام.
كل ذلك يجعل من أمن منطقة الخليج مسئولية وطنية، إقليمية وعالمية في وقت واحد، ويجب على الجميع أن يشارك في إرساء دعائمه لا أن يتورط في محاولات العبث به، لأن استقرار هذه المنطقة يعني استقرار العالم سياسياً، واقتصادياً، وعسكرياً.

 

 

 

ورقة معالي المهندس/ علي بن إبراهيم النعيمي

ألقاها نيابة عن معاليه ” الدكتور / إبراهيم بن عبدالعزيز المهنا، المستشار في وزارة البترول والثروة المعدنية

(منتدى الخليج والعالم)

معهد الدراسات الدبلوماسية – وزارة الخارجية

المملكة العربية السعودية – الرياض –

10 محرم 1433هـ الموافق 5 ديسمبر2011م

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين

أيها السادة الحضور ،،،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،

أود في البداية، أن أشكر صاحب السمو الملكي، الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية، على دعوتي للمشاركة في هذا المؤتمر. وأود أن أشير إلى الدور الرائد، لوزارة الخارجية، وللمعهد الدبلوماسي، على تنظيم مثل هذه المؤتمرات، التي تتناول القضايا التي تهم المملكة، وعالمنا العربي، والعالم بأسره، ومما يعكس دور المملكة وأهميتها الدولية.

أيها الحضور الكرام ،،،

عالمنا يتطور، وبالذات في النواحي الاقتصادية، والتقنية، والعلمية، بشكل متسارع، كما يزداد الترابط والتأثير المشترك والمتبادل بين دُوله ومجتمعاته. فما يحدث في منطقة أو دولة، يؤثر على بقية العالم، وفي هذا العالم المتغير، فإن المنافسة بين الدول تزداد يوماً بعد الآخر، بحيث ساهمت المنافسة، والعولمة، وتطلعات شعوب العالم نحو حياة أفضل، في تحقيق نمو اقتصادي عالمي متميز، خلال العقود الثلاثة الماضية. كما شهد العالم رخاءً، وارتفاعاً في مستويات المعيشة في أغلب البلدان النامية، بحيث بدأت بعض شعوب هذه الدول، في اللحاق بشعوب العالم المتقدم.

وفي هذا العالم الذي يتميز بالمنافسة، والنمو الاقتصادي، وانتشار الرخاء الاجتماعي، ازداد الطلب على الموارد الطبيعية بمختلف أشكالها. وفي مقابل هذا، فإن العبقرية الإنسانية غير المحدودة، بدأت تعمل من أجل مواجهة هذه المشكلة، وإيجاد الحلول الواقعية لها، بحيث يستمر الاقتصاد العالمي في النمو، ويعمّ الرخاء شعوب العالم، وبالذات المجتمعات النامية، بدون أي نقص في منتجات العالم الطبيعية والصناعية.

ومن هذا المنطلق، أيها الحضور الكرام، أود الحديث عن البترول، وكما تعلمون جميعاً، فإن الطاقة بمصادرها المختلفة، هي المصدر الرئيس للنمو الاقتصادي، والرخاء، والتطور، ليس فقط في العصر الحديث بل على مرّ التاريخ. وقد حبا الله، العالم بالمصادر الاحفورية للطاقة، التي تشمل الفحم، والبترول، والغاز، التي مدَّت العالم بحاجته من الطاقة خلال المائتي عاماً الماضية. وساهمت في نمو ورخاء بعض شعوبه، ومن المتوقع أن تستمر في إمداده خلال المائة عاماً القادمة، بل أبعد من ذلك. لقد كانت المصادر الاحفورية، السبب الرئيس للثورة الصناعية، والرخاء، والتقدم، الذي عمَّ العالم الغربي، خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، ثم توسَّع ليشمل هذا الرخاء، والتقدم، والنمو الاقتصادي، معظم أنحاء العالم. وكان الفحم المصدر الرئيس للطاقة في القرن التاسع عشر، إلا أن البترول أصبح المصدر الرئيس للطاقة خلال القرن العشرين، وسوف يستمر بدوره الأساسي خلال هذا القرن.

أيها الأخوة الحضور ،،،

عند الحديث عن السوق والصناعة البترولية، لابد من الإشارة إلى بعض العوامل الرئيسة التي تؤثر عليها وتتأثر بها. ولعل أول هذه العوامل، هو النمو الاقتصادي، حيث يوجد ارتباط وثيق بين مستوى النمو الاقتصادي من ناحية، والطلب على الطاقة والبترول من ناحية أخرى، وقد بدأ هذا الارتباط بالضعف خلال الخمسة والعشرين عاماً الماضية في الدول الصناعية المتقدمة، إلا أنه قوي وبشكل واضح في الدول ذات الإقتصاديات الناشئة.

وهذا يقودنا إلى العامل الثاني، الذي يتم تجاهله أحياناً، أو ربطه بالعامل الأول، والمتمثل في مستوى الرفاه والرخاء الاجتماعي، من حيث الاختلافات بين مجتمعات الدول النامية، ومجتمعات الدول الصناعية، التي يتمتع المواطنون فيها بمستويات جيدة من الدخل، إلا أن حاجاتهم إلى كميات إضافية من الطاقة تعتبر محدودة، حتى وإن ارتفع دخلهم، أو ارتفع النمو الاقتصادي في بلدانهم. وفي الجانب الآخر، فإن شعوب الدول النامية، عندما يتحسن مستوى معيشتهم، تتطلع إلى المزيد من إستخدام الطاقة وهذا يشمل حاجاتهم الأساسية للسكن، والتعليم، والصحة، والكهرباء، والماء، والتكييف، والتدفئة، والمواصلات، وغيرها. فكلما ارتفع دخل الفرد زاد إستخدامه للطاقة بوتيرة أعلى أحياناً من النمو الاقتصادي في بلده، مما يولِّد طلب متزايد على جميع مصادر الطاقة بما فيها البترول.

أمَّا العامل الثالث، فهو السياسات الحكومية المتعلقة بالاستهلاك، فالدول الصناعية خلال الثلاثين عاماً الماضية، استطاعت – وبشكل واضح – تقييد استهلاك الطاقة بشكل عام، والبترول بشكل خاص، من خلال سياسات حكومية تشمل الضرائب العالية على البترول، وإعانات المصادر الأخرى للطاقة، وكفاءة وأنظمة وتقنية استخدام الطاقة. ونتيجة لهذا، انخفض استهلاك البترول في أغلب الدول الأوروبية وفي اليابان سنة بعد أخرى، حتى عند حصول نمو في اقتصادياتها.

والعامل الرابع، هو التطورات التقنية، سواء في عمليات الاستهلاك أو عمليات الإنتاج، فالدور النسبي للتطورات التكنولوجية في عمليات الاستهلاك لازال محدوداً، وإن كان يبشر بمستقبل أفضل، أما دور التكنولوجيا في تطوير إنتاج الوقود الاحفوري، وجعله أكثر ملائمة لمتطلبات البيئة، فهو دور مهم وسيكون أكثر أهمية في المستقبل. وبسبب التطور التكنولوجي تم زيادة معدل استخراج البترول من مكامنه في بعض الدول، من 30% إلى 50% خلال ثلاثين عاماً فقط، بل وصل هذا المعدل في بعض الحقول إلى أكثر من 70%، مما ساهم، إضافة إلى الإستكشافات الجديدة، في زيادة الاحتياطي العالمي القابل للإنتاج من 667 بليون برميل عام 1980م إلى 1.4 تريليون برميل عام 2010م، علماً أن الإنتاج المتراكم، بلغ 760 بليون برميل خلال هذه الفترة. كما تم استخراج البترول والغاز من مكامن يصعب استخراجه منها في السابق.

وآخر العوامل المؤثرة في السوق والصناعة البترولية، والذي يعتبر من أهمها، هو أسعار البترول. فكما تعلمون، فإن مستوى أسعار البترول، يؤثر على كافة مراحل عمليات أستكشاف وإنتاج، واستهلاك البترول والطاقة، كما يؤثر على تنافسية المصادر الأخرى للطاقة وتطويرها مثل الطاقة الشمسية، والرياح، والوقود العضوي، وغيرها. ولاشك أن أسعار البترول المناسبة خلال الأعوام العشرة الماضية، وتوقعات استمرارها، هي العامل الرئيس في تطوير الاستثمار في الزيت الرملي في كندا، والبترول الثقيل في فنزويلا، والبترول الموجود تحت أعماق المحيطات، وما تحت مناطق طبقات الملح في البرازيل، والغاز الصخري في الولايات المتحدة. كما ساهمت هذه الأسعار في تقليص الزيادة في الطلب العالمي على البترول، مقارنة بما كان متوقعاً في السابق.

أيها الحضور الكرام ،،،

وبعد أن استعرضت العوامل المؤثرة على الصناعة البترولية، أود الآن، الحديث عن سياسة المملكة البترولية، المرتبطة بالدرجة الأولى، بمصالح المملكة، الآنية والمستقبلية، فالمملكة تمتلك حوالي 20% من احتياطيات البترول العالمية المعروفة، وتنتج أكثر من عشرة ملايين برميل يومياً من البترول الخام وسوائل مكثفات الغاز. ويشكل البترول السعودي حوالي 18% من إجمالي تجارة البترول عالمياً. كما أن للمملكة دور عالمي، ليس فقط في مجالات الاحتياط، والإنتاج، وتجارة البترول، بل كذلك في التكرير، والتسويق، والاستثمارات الخارجية، والمنتجات البتروكيمياوية، والخدمات البترولية. كما بدأت المملكة التركيز على الصناعات الثانوية المرتبطة بالبترول والغاز، والتركيز كذلك على دراسات وأبحاث الطاقة، ففي الشهر الماضي عقدت في الرياض ندوة بترولية عالمية، نظَّمها مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية، والتي تمثل باكورة أعمال هذا المركز، بحيث تصبح المملكة دولة منتجة لدراسات الطاقة، ذات المستوى العالمي الرفيع، والمماثل لما تنتجه أفضل المراكز المشابهة في العالم.

أيها الحضور الكرام ،،،

بالنسبة للسياسة البترولية الدولية للمملكة، فإن أهدافها واضحة، وهي مستقرة ومبنية على الاعتدال، وسوف تستمر كذلك في العقود القادمة، وهي أهداف مرتبطة مع بعضها البعض، ولا يمكن فصلها.

فالهدف الأول، أن تكون السياسة البترولية متفقة مع السياسة العامة للمملكة، تتماشى معها وتخدمها. والسياسة العامة للمملكة، كما تعلمون، هدفها تحقيق مصالح المملكة وتعزيز دورها الاقليمي والعالمي، والتعاون مع كافة الدول، وتدعيم السلم والاستقرار السياسي العالمي، والاقليمي، والنمو الاقتصادي، والاهتمام بالعلاقات والتعاون الثنائي، وبالذات مع الدول العربية، والإسلامية، والدول النامية.

والهدف الثاني، هو استقرار السوق البترولية، من خلال الاستثمار في جميع مراحلها، استكشافاً، وإنتاجاً، وتكريراً، وتسويقاً، وتوفير الطاقة الإنتاجية الفائضة المناسبة، لمواجهة أي نقص في الإمدادات، أو زيادة غير متوقعة في الطلب.

أما الهدف الثالث، فهو التعاون مع الدول المنتجة والمصدرة للبترول، وبالذات دول الأوبك، من أجل تحقيق الاستقرار في السوق من حيث توازن الإمدادات مع الطلب، واستقرار الأسعار، وقد نجحنا كمجموعة، في تحقيق هذا الهدف خلال الخمسين عاماً الماضية، وسوف ننجح – بإذن الله- في تحقيقه خلال السنوات والعقود القادمة.

والهدف الرابع، هو التعاون مع الدول المستهلكة للبترول، ومعرفة سياساتها وحاجاتها البترولية، والتنسيق معها، خصوصاً في وقت الأزمات البترولية. وأود الإشارة إلى أننا نولي حاجات الدول النامية، وقضاياها اهتماماً خاصاً، ومن هنا جاءت مبادرة خـادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ، حفظه الله ، للقضاء على فقر الطاقة، التي أطلقها خلال مؤتمر جدة في عام 2008م، والتي تهدف إلى تعاون الدول الغنية، والدول المنتجة للطاقة، والمؤسسات التنموية العالمية من أجل توفير الطاقة بأسعار مناسبة للمجتمعات الفقيرة.

أيها الحضور الكرام ،،،

وكما ذكرت في عدة مناسبات، فإن المملكة العربية السعودية سوف تستمر في الإنتاج حسب متطلبات السوق، وحسب طلبات وحاجات عملاءها، من الشركات العالمية المختلفة، مع مراعاة أوضاع السوق البترولية العالمية من حيث العرض والطلب، ووضع المخزون التجاري، ومن خلال العمل والتنسيق التام مع منظمة الأوبك.

وهناك جانب آخر وهام في السياسة البترولية السعودية، هو الاهتمام بالبيئة وحمايتها، والعمل على أن يكون البترول متوافقاً مع المتطلبات البيئية المختلفة، ومن منطلق أن البترول سوف يستمر كمصدر أساسي للطاقة والرخاء خلال هذا القرن، فنحن نشارك بفاعلية في المؤتمرات الدولية. ونحن أعضاء فاعلون في الكثير من المنتديات والتجمعات الحكومية والصناعية والعلمية الخاصة بالبيئة. كما أننا نقوم منفردين بالكثير من المشاريع الموجهة لحماية البيئة، ومكافحة الاحتباس الحراري، مثل تجميع وحقن ثاني أكسيد الكربون المنبعث من الصناعة البترولية، حيث تعتبر المملكة رائدة في هذا المجال، كما اننا نعمل من أجل التوسع في استخدام الطاقة الشمسية، وفي كافة الأنشطة، بما في ذلك الأنشطة البترولية.

وأود أن أشير في هذا الخصوص إلى الدور الذي تقوم به جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، والتي تركز على الأبحاث العلمية التطبيقية، ذات المستوى العالمي المتميز. فمن ضمن برامجها العلمية التسعة، يوجد برنامجان لهما ارتباط مباشر بالطاقة، والبيئة. الأول إجراء دراسات تطبيقية متقدمة في توليد وتخزين ونقل الطاقة الشمسية لجعلها مصدراً مهماً ومنافساً لتوليد الطاقة. أما الثاني، فهو إنتاج الوقود الحيوي بكميات تجارية وبأسعار مناسبة من مزارع صناعية للطحالب في البحر الأحمر.

أيها الحضور الكرام ،،،

أود عند هذه النقطة الحديث عن السياسة البترولية المحلية. فمن ناحية استكشاف الإمكانيات والثروات من البترول والغاز في المملكة، فإننا مستمرون فيها، وهذا لا يعني الإنتاج الفوري من الحقول الجديدة المكتشفة، بقدر ما يعني معرفة الثروات المتوفرة في المملكة من أجل استخدامها عند الحاجة، وفي المستقبل، وللأجيال القادمة.

وأود أن أشير في هذه الناحية، إلى النتائج الإيجابية، فقد وجدنا كميات من الغاز في منطقة البحر الأحمر، وفي شمال المملكة، وفي الربع الخالي، التي يمكن استغلالها تجارياً.

كما اكتشفنا أنواعاً من البترول الثقيل، والغاز غير التقليدي، في مناطق مختلفة من المملكة. وسوف نستمر في هذه الاستكشافات، إلا أنني أود أن أوضح، مرة ثانية، أن الهدف النهائي من الاستكشافات الجديدة، ليس استخراج البترول حالياً، بل هو معرفة الإمكانات الموجودة في المملكة من أجل الأجيال القادمة. وسيتم استغلالها حسب الحاجات التجارية، والتي قد تختلف من منطقة إلى أخرى، ومن فترة إلى أخرى.

ومن ضمن الأهداف التي نعمل على تحقيقها، تنمية الصناعة البترولية السعودية، في كافة مراحلها وقطاعاتها، ويأتي ضمن ذلك جعل شركة أرامكو السعودية، شركة عالمية متكاملة، مندمجة أعمالها وأنشطتها من حيث الأنواع والمواقع، وأن تكون شركة منافسة، بل ومتقدمة على أفضل الشركات العالمية. ومن هنا جاء دخولنا حديثاً في الصناعات البتروكيمياوية، داخل المملكة وخارجها، ومع شركات عالمية مرموقة مثل شركة سموتومو اليابانية، وشركة سينوبك الصينية، وشركة داو كميكال الأمريكية، وشركة توتال الفرنسية، مع استخدام البترول الخام، وبالذات النوع الثقيل، كأساس لهذه المشاريع لإنتاج المواد المكررة والبتروكيمياوية.

ويأتي هذا كجزء من تحول صناعي كبير بدأت تشهده المملكة. هذا التحول الصناعي له جانبان مهمان. الأول، هو التجمعات الصناعية المرتبطة بالصناعات البتروكيمياوية. فالهدف الحالي ليس فقط إنتاج المواد البتروكيمياوية الأساسية، بل إنشاء مختلف الصناعات المرتبطة والمعتمدة عليها. فكما نعلم، تعتبر البتروكيمياويات حالياً هي الأساس لمئات الآلاف من الصناعات، ابتداءً من الملابس والأدوية، وانتهاءً بصناعة السيارات والطائرات. وقد بدأنا ندخل في هذا المجال بشكل تدريجي، وأتوقع- بإذن الله- أن تكون المملكة واحدة من أهم دول العالم المصنّعة، ليس فقط للمنتجات البتروكيمياوية الأساسية، كما هو الوضع الآن، بل كذلك في الصناعات الأخرى المرتبطة بها، وهذا يشمل الصناعات المتوسطة، والثانوية، والـنهائية.

أما الجانب الثاني، فهو الصناعات التعدينية، والتي لها علاقة طبيعية بالبترول والطاقة، ولعل من أهم المشاريع وأولها في هذا المجال، مجمع رأس الخير، على الخليج العربي، الذي أدى إلى إنشاء مدينة صناعية جديدة، ستكون واحدة من أهم التجمعات الصناعية في المملكة. وهذا التجمع، الذي يبدأ من أقصى شمال المملكة حيث ينقل ثروات الجلاميد الهائلة من الفوسفات من منطقة الحدود الشمالية ، والبوكسايت من منطقتي حائل والقصيم، عبر قطار سريع، ينتهي في الخليج العربي، ليتم إنتاج الأسمدة والألمنيوم في هذا المجمع، مع التركيز على الصناعات الثانوية المرتبطة بها، بحيث تصبح المملكة واحدة من أهم الدول المنتجة والمصدرة للأسمدة في العالم، ورائدة في تصنيع الألومنيوم على مستوى المنطقة.

أيها الأخوة الحضور ،،،

أود في نهاية حديثي، أن أشير إلى مستقبل الطاقة والصناعات المرتبطة بها في المملكة، حيث أرى – بإذن الله – مستقبلاً واعداً ومزهراً بشكل كبير. فتوجيهات خادم الحرمين الشريفين، توجيهات مستقبلية بعيدة المدى، تهتم بالتصنيع، والتعليم، والبحث الدائم عن الفرص الجديدة، والاهتمام بالمواطن سواءً من حيث توفير الوظائف، أو من حيث توفير قنوات الاستثمار. ومن هذا المنطلق، ومن منطلق الخطط التصنيعية والتكميلية في قطاعات هامة، مثل البترول، والغاز، والطاقة الشمسية، والصناعات البتروكيمياوية، والصناعات التعدينية ،على مختلف مراحلها وأنواعها، فإنني أستطيع القول، وبإذن من الله وتوفيقه، إن المملكة مقبلة على مستقبل أفضل سنة بعد أخرى، وعقداً بعد آخر.

مرة أخرى أكرر شكري لصاحب السمو الملكي الأمير/ سعود الفيصل على دعوته الكريمة. كما أكرر شكري على حضوركم واهتمامكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

ورقة صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل

رئيس مجلس إدارة
مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم
السيدات والسادة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،

أودُّ في البداية أن أشكرَ صاحبَ السموِّ الملكيِّ الأميرَ سعودَ الفيصل وزيرَ الخارجية، رئيسَ مجلس إدارة معهد الدراسات الدبلوماسية لكريم دعوته لي للمشاركة في هذا المؤتمر، والشكرُ موصولٌ لكلٍّ من الدكتور عبدالعزيز بن صقر مدير مركز الخليج للأبحاث، والدكتور عبدالكريم الدخيل مدير عام معهد الدراسات الدبلوماسية لجهودهما في تنظيم هذا المؤتمر المتميز: في موضوعه، وفي محاوره، وفي مستوى المشاركين فيه.
السيدات والسادة:
غيرُ خافٍ ما يشهده عالمُنا المعاصرُ من تحولاتٍ جذريةٍ على جميع الأصعدة: الفكرية، والإعلامية، والسياسية، والاقتصادية، والمالية، والاجتماعية، والأمنية. وغيرُ خافٍ أيضاً مدى تأثير هذه التحولات على مسار العلاقات الدولية وعلى نوعية التحديات التي تفرضها على الدول والمجتمعات كافة؛ ومن ثَمَّ، فإنَّ استشرافَ ما تفرضه هذه التحولاتُ من تغيُّراتٍ استراتيجيةٍ على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي، وتقديمَ الرؤى الواقعية حولها، يساعدُ في ولوج باب المستقبل بمزيدٍ من الثقة حوله، ويشجعُ على وضع الخطط والبرامج التي تتيح السباحةَ في أمواج هذه التغيرات؛ سواءً أكانت أمواجاً هادئةً أم مضطربةً.
إن قراءةَ هذه التغيراتِ أمرُ ضروريٌّ لنا في منطقتنا. هذه المنطقة التي هي بمنزلة المركز بموقعها الاستراتيجي وثقلها التاريخي، وبمصادرها الطبيعية الضرورية لاستمرار نمط الحياة المعاصرة. لكن ينبغي لنا النظرُ إلى ما تشهده منطقتُنا والعالمُ من تغيُّراتٍ كونها تحدياتٍ للجميع، وكذلك مسؤوليةُ التعاملِ معها وتوجيهها نحو الخير إن كانت خيراً، وتجنُّب شرِّها إن كانت شرّاً. وتفرض علينا هذه القراءةُ المستقبليةُ أيضاً أَنْ نأخذَ في الحسبان أَنَّ المعطياتِ المتاحةَ لقراءتنا الحالية ربما لا تستمرُ أو تدومُ بسبب عواملَ موضوعيةٍ أو غيرِ موضوعيةٍ قد تفرضُ تغيُّراتٍ استراتيجيةً جديدةً تختلفُ عن التغيُّراتِ المحسوسةِ حالياً. ولنا عبرةٌ في كيفية وسرعة انهيار الاتحاد السوفيتي في أوائل العِقْدِ الأخير من القرن الميلادي الماضي التي لم تكن في حسبان كثيرين؛ لَكِنَّ ذلك حدث وتسبب في تغيُّرِ التوازن الاستراتيجيِّ العالميِّ وتغيُّرِ العالم. كما أن لحظةَ القطبيةِ الأحاديةِ التي أعقبت ذلك لم تَدُمْ كما أراد لها مخططوها ومُنَظِّروها؛ إذ نشهدُ صعودَ قُوًى جديدةٍ، على رأسها: الصينُ، والهندُ، والبرازيلُ، وجنوبُ أفريقيا، وتركية، بالإضافة إلى اليابان، والاتحاد الأوربي، وروسيا. ولهذا فنحن نعاصرُ توزيعاً جديداً للقوى بسبب التحول في مفهوم القوة وعلاقاتها وأنماطها؛ مما ينبئُ ببروز قطبيةٍ تعدديةٍ جديدةٍ تتغيرُ معها طبيعةُ السياسة الدولية ونوعيةُ التفاعلات بين الأمم. ولنا عبرةٌ أيضاً فيما تشهدهُ دولاً عربيةً من تحولاتٍ لم يتوقع أحدٌ الكيفيةَ التي حدثت بها أو أمكنه التنبؤ بمآلاتها.

السيدات والسادة :
لقد ناقشتم خلال اليومين السابقين كثيراً من القضايا المتعلقة بالخليج العربي والعالم، واستمعتم إلى كثيرٍ من الآراءِ السديدةِ حول التطورات في منطقة الخليج العربي، لكنني سوف أتحدثُ هنا حول أين ينبغي لنا أن نكون مستقبلاً في سياق التحولات الاستراتيجية عالمياً في ظل التوزيع المتوقَّعِ لمراكز القوة في العالم، وحول التحديات التي تواجهُنا والتي لا بدَّ من التغلب عليها ليكون مكانُنا في مقدمة الركب وليس فقط مستسلمين لأين سنقاد.
إن استقراءَ مستقبلِنا من خلال المعطيات الحالية التي تُظْهِرُ انكشافنا الاستراتيجي: أمنيّاً وسكانيّاً وثقافيّاً واقتصاديّاً وتنمويّاً؛ يشهدُ على تأخُّرِنا في صوغ استراتيجيةٍ سياسيةٍ وأمنيةٍ واقتصاديةٍ وثقافيةٍ مستقبلية تأخذ في الحسبان أنَّ كلَّ انجازاتنا المُتَحَقَّقَةِ في عملية بناء الدول وفي ميادين التنمية تتطلبُ النظرَ إلى المستقبل وما تحمله الأيامُ من تحدياتٍ داخليةٍ وإقليميةٍ ودوليةٍ، وأَنْ لا نركنَ إلى أَنَّ الظروفَ التي سمحت لنا بفترةٍ طويلةٍ من الاستقرار والنمو وتحقيق الكثير من الإنجازات الناجحة ستدومُ إلى الأبد.
لقد عَلَّمَنا التاريخُ أن تغيُّرَ الأحوالِ من سَنَنِ الحياة، وأنَّ من ينجو من تداعياتِ كثيرٍ من التغيُّراتِ السلبية هم من استشرفوا هذه التغيُّرات، وحصَّنُوا أنفسهم منها، وتقدموا بما تمليه عليهم متطلباتُ التقدم إلى الأمام. لهذا فعلينا جميعاً كدول وكمنظومة خليجية ـ أن نتقبل هذه الحقيقة، وأن نعرف ونبذلَ جهوداً مضاعفةً إن أردنا العبورَ إلى المستقبل بثقة واطمئنان.
السيدات والسادة :
إن أهمية منطقتنا الاستراتيجية موقعاً وثروةً للعالم ، وهي أهمية حقيقية ، ليست ضماناً كافياً لبقائها بمنأً عن التقلبات الاستراتيجية في العالم وعن التنافس بين قواه على النفوذ فيه فمن التحديات التي واجهت دولنا كان الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والثورة الإيرانية والحرب العراقية الإيرانية وغزو العراق للكويت وغزو أمريكا للعراق ومصادره الطبيعية، لذلك علينا ألاَّ نبقى مُرتهنين لتقلبات السياسة الدولية، وضحيةً للمساومات الدبلوماسية؛ بل يجبُ أن نكون فاعلين أقوياء في جميع التفاعلات الدولية حول قضايا منطقتنا، وأنْ لا نسمحَ بفرض خياراتِ الآخرينَ علينا بحجة ضعف قدراتنا العسكرية، مما يعني ترسيخَ تبعيتنا للغير. وهذا يتطلبُ مِنَّا ـ ونحن أصحابُ المصلحة الأولى في ذلك ـ العملَ على تحقيق وَحْدَتِنا وتوحيد قراراتنا السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية التي تعززُ موقفنا. وعلينا تحويلُ الوعي بمثل هذه الحقيقة إلى فعلٍ وحركةٍ دؤوبٍ لا تتوقف حتى ندرك أهدافنا.
إننا، وبعد أكثر من ثلاثين عاماً من تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مطالبون بإعادة التفكير في أهدافنا للتكامل والتنسيق بين دولنا للارتقاء بها وبدورها في العالم ؛ لاسيما وأنَّ الظروفَ والتطوراتِ المحليةَ والإقليميةَ والدوليةَ تفرض ذلك وما المانعُ من أن يتحولَ هذا المجلسُ إلى دول ذات سيادة، وينطلقَ بروحٍ جديدةٍ واضحةِ الهدفِ النهائيِّ. وما الذي يمنعُ من المباشرة في بناءِ جيشٍ خليجيٍّ متحد وبقيادة واحدة ؟ نحن ملتزمون بإقامة منطقة منطقة في الشرق الأوسط محظورة الأسلحة ذات الدمار الشامل ولكن ،فشلت جهودنا وجهودُ العالم في إقناع إسرائيلَ بالتخلي عن أسلحتها ذات الدمار الشامل وكذلك بالنسبة لتسلح إيران بنفس الأسلحة، وإذا ما فشلت هذه الجهودُ أيضاً في تبنِّي العالم لمشروع شرقِ أوسطَ خالٍ من أسلحة الدمار الشامل؟ فما الذي يمنع وعلى أقل تقدير، فلا بد لنا؛ بل من واجبنا تجاهَ أوطاننا وشعوبنا، أنْ ننظرَ في جميع الخيارات المتاحة ومن ضمنها حيازتنا لتلك الأسلحة لكيلا تحاسبنا أجيالُنا القادمةُ إذا ما قصَّرنا في اتخاذ أيٍّ من التدابير التي تدرأُ عنَّا المخاطر المحدقة بنا.
إن الانتقال إلى هذه المرحلة يتطلبُ أيضاً نظرة جديدة لطبيعةِ فكرةِ السيادة الوطنية التي إذا ما أُخِذَتْ بمعناها التقليدي تصبح عائقاً أمام أيِّ عمليةِ تكاملٍ أو وَحْدَةٍ بين الدول، إن شعوبنا وبسبب ما يجمعنا من وشائجَ، وحتى قبل نشوءِ دولنا الحديثة، كلٌّ واحدٌ: أَمْنُ أَيٍّ مِنَّا هو أَمْنٌ لنا كلنا، واستقرارُ أَيٍّ مِنَّا هو استقرارٌ للجميع، ومصيبةٌ تصيبُ أَيّاً مِنَّا هي بلاءٌ على الجميع. وقد أكدت تجربتنا معاً في مجلس التعاون لدول الخليج العربية هذه المبادئ، وأثبتت التجربةُ ذلك أيضاً، وعليه وإذا نظرنا لسيادة دولنا ككل فأيُّ تنازلٍ عن جزء من عناصر سيادة أي دولة من دولنا لأخرى أمر يجبنا لبعض وهو في الواقع تعزيزٌ لسيادتنا الجماعية
لقد رأينا ـ مؤخراً ـ كيف استجابت دولُ المجلس للتحديات التي واجهت كلاًّ من البحرين وعُمان؛ حيث سارع الجميع إلى تقديم الدعم المالي الكبير ومقداره عشرون بليون دولار لكليهما للعشرة أعوام المقبلة، وبتقديم الدعم الأمني للبحرين. وقبل عقد من الزمن فإن تصدي دول المجلس للغزو العراقي للكويت. وقد رأينا ـ مؤخراً ـ كيف أن دولَ المجلس عندما تجتمعُ يكون لها قولٌ فصلٌ لتقود الوساطة في اليمن وتدفع بالجامعة العربية لتصحيح الأوضاع في ليبيا وسوريا فيما تتعرض له المنطقة من عواصف.

السيدات والسادة:
إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما ذكرتُه آنفاً، وحاجتنا إلى أن نتقدمَ في مسيرتنا كتكتلٍ إقليميٍّ متحدٍ يسير بثقة ليكون قوةً مكتملةَ العناصرِ وتعمل للخير في هذا العالم فعلينا أن نراجعَ أنفسنا، وأنْ لا نسمحَ للمنغصاتِ الثانوية والثنائية التي تُعَوِّقُ ـ في أحيانٍ كثيرةٍ ـ التقدمَ في سبيل إنجاز مشاريعنا الكبرى أن تؤثر في مسيرتنا الجماعية. وعلينا الالتفاتُ أيضاً لأوضاعنا الداخلية في دولنا، والتفكيرُ في مستقبلها، وإجراءُ ما تتطلبه المرحلةُ من إصلاحاتٍ على جميع الأصعدة لتحصين داخلنا؛ فإنه لن تكون هناك فاعليةٌ خارجيةٌ دون داخلٍ فاعلٍ.
إنَّ علينا مراجعةَ خططنا التنموية ليكون مواطننا مِحْوَرَها، ولترقى به ليكونَ على مستوى الطموح الذي نتطلعُ إليه في وحدتنا المشتركة، فاعلين ومؤثرين للتطورات من حولنا. وعلينا أيضاً مراجعةُ خياراتنا الاقتصادية التي سمحت بابتعاد اقتصاداتنا عن كونها اقتصاداتٍ مبدعة ومبتكرة، وما جَرَّهُ ذلك من آثارٍ ظهرت في تركيبتنا السكانية ومستقبلها، وسمحت بأنْ نكونَ سوقاً لعمالة العالم وأبناءَ بلداننا عاطلين عن العمل. إن تحسين مؤسساتنا السياسيةَ والثقافيةَ لتستجيب لمتطلبات التحولات الاجتماعية والثقافية في مجتمعاتنا لم يعد خياراً لنا وإنما هو فرض علينا وإن مفهوم المواطنة بكافة معانيها هو أس للعلاقة التي تربط الدولة والمواطن.
أيها السيدات و السادة،
دعونى هنا أتطلع معكم عَمَّا نستطيعُ إنجازَهُ خلال المستقبل القريب بإذن الله :
إننا نستطيع أنْ نُؤَسِّسَ لجزيرةٍ عربيةٍ واحدة.
إننا نستطيع أنْ نُؤَسِّسَ لمجلسِ شورى منتخبٍ لدولةٍ واحدة.
إننا نستطيع أنْ نُؤَسِّسَ لقوةٍ عسكريةٍ واحدة.
إننا نستطيع أنْ نُؤَسِّسَ لاقتصادٍ واحدٍ ولعُملةٍ واحدة.
إننا نستطيع أنْ نُؤَسِّسَ لوكالةٍ للفضاءِ واحدة.
إننا نستطيع أنْ نُؤَسِّسَ لصناعةٍ إلكترونيةٍ واحدة.
إننا نستطيع أنْ نُؤَسِّسَ لصناعةِ طائراتٍ واحدة.
إننا نستطيع أنْ نُؤَسِّسَ لصناعةِ سياراتٍ واحدة.
إننا نستطيع أنْ نُؤَسِّسَ لمناهجَ تعليميةٍ واحدة.
إننا نستطيع أنْ نُؤَسِّسَ لصناعاتِ طاقةٍ وبتروكيماوياتٍ واحدة.
إننا نستطيع أنْ نُؤَسِّسَ لأُمثولةٍ للعدالةِ والتعاملِ الإنسانيِّ واحدة.
سيداتى وسادتى،
إنَّ التحدياتِ كبيرةٌ ومتنوعةٌ، والمسؤولياتِ عظيمةٌ؛ ولكنها ليست عصيَّةً على الحل، وإنْ أحسنَّا الخيارات والوسائل فسيكون مستقبلنا كما نريده.
وأختمُ بجملة وردت في إعلان الرياض الصادر عن قمة المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في دورته العشرين المنعقدة في الرياض خلال الفترة من 19 – 21 شعبان 1420هـ الموافق 27 – 29 نوفمبر 1999م تقول: “إنَّ التاريخَ لا يصنعه المتفرجون من بعيد، وإنَّ الأحداثَ لا يصوغها المنعزلون المتهيبون”.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المصدر

 

الآراء

اترك رد