الوظيفة التشريعية: من الشخصنة
إلى الواقعية البرلمانية، وتحدياتها في ليبيا
تملك ليبيا إرثا دستوريا، ومؤسسات تشريعية دستورية خلال الحقب المختلفة، ولكنها بدون مشاركة الفواعل الحزبية التي كانت محظورة سياسياَ وقانونيا، ولم تكن الوظائف التشريعية في كل التجارب السياسية التي مرت بها ليبيا خاضعة للمأسسة والتطوير، فالمؤسسة التشريعية هي التي من خلالها تتم عمليات التطوير السياسي والبرلماني والحزبي، لأنها بمثابة قلب النظام السياسي ومركز عملياته السياسية.
ففي حقبة النظام الملكي كانت هناك مؤسسات تشريعية وهي مجلس الأمة وفرعيه مجلسي النواب والشيوخ، ولكن تلك المؤسسة لم تنعم بالوقت الكافي لتفعيل دورها الوظيفي في التشريع، إضافة إلي طبيعة الأوضاع المادية، وعدم الاستقرار السياسي، خصوصا استقرار الحكومات المعينة. ونفس الإشكالية وقع فيها نظام ” حكم ألقذافي” عندما انفرد بالتشريع شخصياَ بشكل غير ظاهري، ومن خلال” مجلس قيادة الثورة “، و”الاتحاد الاشتراكي وشخصنه مؤتمر الشعب العام” و” المؤتمرات ألشعبية” وتميزها بتغلب ظاهرة الشخصنة في اتخاذ القرار السياسي والتشريعي.
الحقيقة أنه لم تكن هناك مؤسسات تشريعية في الأنظمة الليبية السياسية المختلفة، بقدر وجود العوامل القيادية، وشخصنه الوظيفة التشريعية ( في شخص الملك أو رئيس الوزراء،أو “قائد الثورة” ). فلم تكن هناك مؤشرات للواقعية البرلمانية وشراكة واسعة لمؤسسات المجتمع المدني في التطوير، أو حتى التأثير.
وعندما نأخذ بمبدأ الواقعية البرلمانية فأننا نتذكر إن معظم دول العالم وأنظمته السياسية تتخذ من المؤسسة البرلمانية طريقاَ للديمقراطية، والتشريع، و الشرعنة السياسية، والاستقرار والوفاق والرفاهية. فالعالم والشعوب لم تعد بعد قادرة عليَ أن تتقبل الحكم الفرداني، وشخصنه مستقبلها في عقل حاكم فردي يشتهي التفرد بالسلطة، أو التوريث، أو الحكم بالنيابة، أو بالوكالة لصالح الأجنبي.
والواقعية البرلمانية هي تلك الأساليب التي تلبي حاجة الثورات العربية المعاصرة، وحاجة الشعوب المتعطشة إلي التنمية الوطنية والاستقرار، لان مقاصد التشريع تذهب إلي معاني كثيرة وعديدة، والتي تعني فيما تعني شرعنة الديمقراطية، وأساليبها، و مأسسة حراكها اليومي والسنوي. فالتشريع ينبغي أن يمارس وفقاَ لإرادة الشعب والمواطنة، وليس وفقاَ لإرادة الأجهزة التنفيذية، أو لصالح أفراد من خارج دائرة التشريع وصنع القرار، تشريع يعزز الرقابة التشريعية لصالح التنمية الوطنية، ومؤسسة تشريعية تكرس فصل السلطات، إلي جانب أهمية رجوع المشرع للقاعدة الانتخابية.
مما لا شك فيه أن الدولة الليبية الجديدة القادمة قادرة علي إنشاء دولة قائمة علي مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية تلبي حاجة المواطن، وحاجة تطورات العصر ووتيرته السريعة. وهذا الاعتقاد تعززه جملة الإجراءات التي يتخذها المجلس الوطني الانتقالي، والحراك الحزبي، وانتشار مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، في ظل تحديات مشتركة. إن أهم التحديات التي تواجه التحولات الديمقراطية في ليبيا يمكن إيجازها في النقاط التالية:
• ظاهرة انتشار السلاح والمقدرة علي جمعه من عدمها.
• عدم وجود جيش قائم قادر علي الحسم الامني
• مستقبل التكنوقراط الوظيفي في الدولة السابقة
• ضمان السقف الزمني للفترة الانتقالية في ليبيا
• بطء عملية استيعاب الثوار في المواقع المدنية والعسكرية
• إمكانيات نجاح المصالحة والوفاق والوئام الوطني بين القبائل والمدن الليبية
• عدم وضوح قدرة الحكومة المؤقتة الانتقالية علي تسريع وتيرة إعادة الأعمار
• سياسات التكيف الهيكلي الاقتصادي والاجتماعي
• طبيعة مشاركة المرأة
• طبيعة المشاركة الحزبية(بين الصراع والتوافق)
• الأوضاع السياسية عامة، والثقافية والاجتماعية خاصة.
• طبيعة ودور الثقافة السياسية، والهوية ، والعصبوية القبلية
هذه التحديات لا يسع المقام للتوسع فيها، نظرا لاحتياجها إلي دراسات ميدانية وتوثيقيه معقدة، الأمر الذي تعجز علي إدراكها هذه البسطة، وبهذا نختتم ونقول أن تحديات البناء الديمقراطي في ليبيا كبيرة، وأن تاريخها السياسي كان يعتمد علي شرعنة وشخصنة أنظمتها السياسية، بديلاَ لشرعنة السياسة والديمقراطية والحكم الرشيد السعيد، وهذا من سوء الطالع.
اترك رد