المدونات العربية الإلكترونية المكتوبة
بين التعبير الحر والصحافة البديلة
بقلم: آمنة نبيح
مقدمة:
يعرف عالم اليوم تطورات سريعة في ميدان الاتصال، انعكست بصورة كبيرة على ميدان الإعلام عموما، وعالم الصحافة المكتوبة بصفة خاصة، فهذه الأخيرة لعبت دورا بالغا وأحيانا فعالا في حياة الفرد والمجتمع منذ أن ظهرت وازدهرت عبر القرون الماضية وعليه، وفي أيامنا هذه، يكاد الزمن يعجز عن مواكبة جل التغيرات التي تشهدها الوسائل والتقنيات، مما جعل المستحدثات التكنولوجية الاتصالية تقتحم وتخترق مختلف ميادين أنشطة الاتصال والاتصالات، وبصفة خاصة ميدان الصحافة المكتوبة.
فمنذ أن انطلقت شبكة الانترنت بشكلها التسويقي عالمياً العام 1993، تغيرت مفاهيم ومعاني الكثير من استخداماتنا الحياتية اليومية، وأصبح تطور قنوات الاتصال والتعبير يسير بشكل متسارع لم تعهده الوسائل الإعلامية منذ أن اخترع الإنسان الطباعة في القرن الرابع عشر، مروراً باختراع الموجات اللاسلكية التي فتحت المجال لاختراع وسائط التعبير المسموعة والمرئية. وخلال العقد الأخير من عمر شبكة المعلومات الدولية أصبحت السرعة التي تتضاعف لخدمة الانترنت تؤثر بشكل مباشر على تطور استعمالاتنا لهذه التقنية المتجددة.
فثورة المعلومات والدخول في عصر الأقمار الصناعية والفضائيات، ودعاوى إعادة هيكلة وتطوير قطاع الإعلام السمعي والمرئي التي عرفتها بعض البلدان العربية في السنوات الأخيرة، لم يترتب عليها إحداث قطيعة مع إرث الهيمنة والاحتكار المفروضين من قبل الحكومات العربية على الإعلام السمعي والمرئي على وجه الخصوص. ومن ثم تتضاءل إلى حد كبير فرص الانتقال إلى إعلام تعددي حر ومستقل كما تعرفه المجتمعات الديمقراطية.
كما أن تحرير قطاع البث السمعي والمرئي لن يتأتى بمعزل عن تحرير مختلف الوسائط الإعلامية وإطلاق حريات التعبير، ومراجعة مختلف القيود التي تفرضها الحكومات العربية على حرية تداول المعلومات والآراء والأفكار، وعلى حق الإعلاميين في النفاذ إلى المعلومات وبثها.
فقد باتت حرية التعبير واحدة من لوازم الحديث عن حاضر ومستقبل العالم العربي. إذ لا يجهر طرف عربي واحد ذو شأن سياسي أو معنوي بعدائه للتعبيرالحر. فقد يدعي الرؤساء أن بلدانهم تنعم بحقل حر للقول والتعبير، غير أن ادعاءاتهم سرعان ما تتعرض للانهيار خلال نقاش جدي تستخدم خلاله وسائل قياس أولية للتمييز بين التعبير الحر والتعبير المقيد.
ويعكس اضطرار الحكام العرب للتسليم بسيادة هذه القيمة الأساسية في منظومة حقوق الإنسان انتصارا مبدئيا وإن كان لا يرمز إلى تغيير كاسح ـ في المدى القريب ـ في علاقات القوى بين الحرية والاستبداد. خاصة وأن مآل الصراع حول الحق بالتعبير الحر في العالم العربي يميل بوضوح لصالح المظلومين والمضطهدين وعموم نحو الرأي العام.
فمجتمع المعرفة مبني على إنتاج ونشر المعارف والمعلومات وتوزيعها بكل حرية لاستخدامها في جميع ميادين نشاط المجتمع، في الاقتصاد وفي الحياة المدنية والسياسية وحتى في الحياة الخاصّة. ويبقى الهدف الأساسي لمجتمع المعرفة تحسين ما أمكن من ظروف حياة المجموعة والأفراد على حدّ السواء.
وقد أصبحت المعرفة الآن الوسيلة المثلى لتحقيق الأهداف العليا والقيم النبيلة للإنسانية، وهي الحرية والعدالة والمساواة وكرامة الإنسان. وهي اليوم أي المعرفة عامل أساسي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولا يمكن لأي مجتمع أن يحقق هدف المعرفة بدون فتح مجالات الإبداع بكل أشكالها لأفراد مجتمعه. كما لا يمكن تحقيق مجتمع المعرفة بدون توفير الحرية. من حرية الإنتاج وتقبل المعلومات إلى حرية استيعاب الأفكار وإنتاجها وترويجها وتلاحقها.
فالمتمعّن في أحوال الوطن العربي يدرك أن هناك نقصا وضعفا على المستويين: مستوى الإنتاج ومشاركة المجتمعات الأخرى في الإبداع والتأليف والترجمة، ومواكبة التطورات الاتصالية والعلمية والتكنولوجية، ومستوى حرية أفراده وحرية إبداعهم وتلقيهم للمعلومات أيا كانت تلك المعلومات. فهناك في جل الدول العربية تسوّق المعرفة وتسوق المعلومة حسب إرادة الحاكم العربي، وتوجه القدرات العلمية والتقنية لمزيد من الرقابة ومزيد من التحكم في إرادة العباد، كما سبق وأن ذكرنا.
في هذا المضمار، جاء في التقرير العربي للتنمية البشرية لسنة 2003 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية “أن المجتمعات العربية تعاني من عجز ثلاثي الأبعاد: عجز عن استيعاب المعرفة وعجز عن الحريات وعجز عن تحرر المرأة”[1]، وهي في رأيي أهم المعضلات التي تواجهنا اليوم حتى نخرج من التخلف والاستبداد إلى التقدم والحرية والديمقراطية والمعرفة. وإذا اعتبرنا أن وسائل الإعلام من أهم وسائل نشر المعرفة وهي كذلك من أهم وسائل نشر الحرية، نجدها في الوطن العربي تعاني من عدة مشاكل رغم ما تشهده من حركية ملحوظة في السنوات الأخيرة. فهناك مشاكل على صعيد البنية الأساسية والمستلزمات المادية، وهناك مشاكل أكثر إيلاما على مستوى المضامين وما تقدمه من برامج و ما تسعى له من أهداف.
“فمقابل معدل 285 صحيفة لكل ألف مواطن في البلدان المتقدمة لا يتعدى المعدل في البلدان العربية 53 صحيفة فقط”[2]. وتتعرض هذه الصحف لشتى أنواع التضييق على حرية التفكير والتعبير والنشر، كما تقع مصادرتها أو تعطيلها كلما حاولت الخروج عن الخطوط الحمراء وما أكثرها. فالممسكين بزمام الأمور يعملون على تناسي أن الصحافة سلطة شعبية تنهض برسالتها بحرية واستقلال، من أجل تأمين وممارسة حرية الرأي والفكر والتعبير والنشر والحق في الاتصال والحصول على المعلومات الصحيحة ونشرها وتداولها كحقوق أصيلة غير قابلة للمساس بها. فهي وسيلة تسهم في نشر الفكر والثقافة والعلوم والارتقاء بها.
والصحافة وسيلة للرقابة الشعبية على مؤسسات المجتمع من خلال التعبير عن الرأي والنقد ونشر الأخبار والمعلومات في إطار من الدستور والقانون مع احترام المقومات الأساسية للمجتمع وحقوق وحريات الآخرين. وحرية الرأي والتعبير مكفولة لكل مواطن، وله أن يعبر عن رأيه بكافة الطرق كالقول والكتابة والتصوير والرسم وغيرها من وسائل التعبير .
في ظل هاته الظروف اكتسحت التكنولوجيا الحديثة عملية الإنتاج والتحرير، وظهرت بذلك مفاهيم جديدة بميلاد النشر الالكتروني الذي قلب كل المعايير الإعلامية التقنية منها والعملية، فانتشرت الإنترنت كدعامة نشر جديدة في عالم الصحافة المكتوبة، وبذلك خلقت الثورة التكنولوجية الحديثة في ميدان الاتصال وسائط اتصالية جديدة ذات مزايا غير مسبوقة، إذ تعتبر الانترنت أكثر هذه الوسائط إثارة للجدل، حيث واكب ظهور انتشارها مظاهر شديدة التغير عصفت بالمبادئ التقليدية للإعلام.
وبهذا بدأت الصحف العالمية باستحداث مواقع خاصة لها على الشبكة، ضمنتها مع مرور السنين العديد من الخصائص التي يصعب على المطبوعة الورقية تقديمها، ومع انخفاض تكلفة تقنية المعلومات مع مطلع الألفية الثالثة تضاعف عدد مستخدمي الشبكة بشكل فاق التوقعات، مما أدى إلى انخفاض مبيعات الصحف المطبوعة في جميع أنحاء العالم، باستثناء الدول التي ما يزال انتشار الشبكة الدولية محدوداً والتي كانت البلدان العربية أحدها قبل وقت ليس بالبعيد، ولكن ما أدى إلى استحداث الصحافة الالكترونية في العالم العربي ليس تبني المؤسسات الإعلامية والصحفية الرسمية لهذه التقنية لتقديم مطبوعاتها بشكل أكثر فعالية، وإنما افتقار الوسائل التقليدية المطبوعة والمسموعة والمرئية لعوامل التطور وتدني أدائها في مجالاتها المتعددة، هذا من جانب ومن جانب آخر فإن احتكار الدولة بكل قيودها على وسائل التعبير وجمودها وخوفها من التطوير ساهم في تنمية الصحافة الالكترونية.
كل هذه العوامل جعلت الموجة الجديدة من الكتاب والصحفيين تحتضن تقنية المعلومات وتمارس مغامراتها في حرية لم يعهدها المثقف العربي، فكانت البداية بمواقع بسيطة مجانية عرضت من خلالها أخبار المشهد الثقافي العربي والمحلي وقراءات في أهم الإصدارات الحديثة إلى جانب نشر النصوص الأدبية، واستعانت في تقديم هذه الخدمات بالصورة الملونة والروابط التفاعلية، وسرعة الاستجابة للحدث والمعلومة، وهذا بالطبع من خلال تأسيس عدة مواقع صحفية أخرى رسمية ومستقلة شكلت قوة دافعة للعديد من الكتاب للخروج من القوالب التقليدية للصحافة والإعلام.
لقد شكلت هذه المواقع ثورة في تاريخ الإعلام، بحكم أن الإعلام كانت أسواره عالية، وكان مخصصا للنخبة والصحافيين ليقولوا ما يريدون قوله للجمهور، بينما هذا الإعلام الجديد المتحرر، والمسمى بالإعلام البديل يفتح أبوابه للجميع ليكتبوا أو يرسلوا ما يريدون في ديمقراطية إعلامية غير عادية. كما أن الكثير القراء في يومنا هذا استطاعوا من خلال إدمانهم على الكتابة في مواقع المنتديات أن يحققوا تأثيرا كبيرا يزيد على تأثير الكثير من الصحافيين، رغم أن بعضهم يكتب خلف اسم مستعار لا يوضح أعمارهم أو جنسياتهم، وأحيانا لا تعرف إن كانوا ذكورا أو إناثا !
والمدونات شكل جديد من التواصل وآلية من آليات التعبير، التي تمنح لصاحبها حرية يستطيع من خلالها التعبير بكل حرية وبدون تلك القيود المفروضة من جانب أي شكل من أشكال الرقابة، التي تعمل على قمع الحريات وحجب الأصوات المعارضة. هذه الخدمة التي شكلت في العامين الماضيين ظاهرة قوية وفاعلة سواء علي المستويين الإعلامي أو السياسي وذلك للأثر الذي أحدثه المدونون، لتكون هذه الظاهرة محل جدل حول الأثر الذي يمكن أن يلعبه التدوين، خاصة وأن تأثير وشهرة هذه المدونات قد فاقت التوقعات، وباتت تمثل صداعا في رأس العديد من الحكومات العربية التي تخشى بشدة أن يتملك المواطنين وسائل تتيح لهم فضح الممارسات الغير قانونية واللاديمقراطية التي تنتهجها هذه الحكومات لاسيما بعد النشاط البارز للمدونين، الذين كانوا كمن أشار لطريق جديد يمكن أن يسلكه أي فرد من المجتمع حتى ولو دفع هؤلاء المدونين ثمنا لنشاطهم مثل ما حدث ومازال يحدث مع الكثير منهم.
فعلى الرغم من حداثة ظهور المدونات العربية بشكل عام، إلا أنها قد أصبحت أداة فعالة أجاد المدونون العرب استخدامها، سواء في التعبير عن همومهم وهموم مجتمعاتهم بما فيها همومهم الشخصية أو العامة، أو في استعمالها كوسيلة إعلامية حرة تتفق مع نظيرتها التقليدية في أمور عديدة، وتتنافر معها في أكثرها.
وعليه، سنحاول في هذه الدراسة ومن خلال الاطار المنهجي عرض الخطوات المنهجية التي اتبعناها، والمتمثلة في طرحنا لأهم التساؤلات حول موضوع دراستنا أي حول واقع الصحافة العربية المكتوبة في ظل تطور تكنولوجيات الاتصال الجديدة،وكيفية ظهرت المدونات وتطورت؟ زد على ذالك تساءلنا على العلاقة الجدلية بين حرية التعبير في المدونات والصحافة المكتوبة، وهل تشكل المدونات الالكترونية العربية صحافة بديلة؟ وأخر سؤال حول دوافع المدونين العرب وأهدافهم؟
هذا من جهة، من جهة أخرى تتمحور أسباب اختيارنا للموضوع في جملة من الأسباب الموضوعية و الذاتية نلخصها في مايلي: حداثة الموضوع وجدته, ندرة الدراسات حوله, ظهور فئة جديدة من المدونين العرب. الميل الذاتي نحو مثل هذه الخدمة ، وارتباط الاختصاص الدراسي بمثل هذه المواضيع، الرغبة في التعمق والتوسع في مثل هذا المجال لحداثته وأهميته، واهتمامي بالمدونين العرب.
هذا ويتجلى هدف هاتة الدراسة في معرفة مدى تأثير المدونات العربية على المدونين والمستخدمين لشبكة الانترنت من جهة، وعلى الصحافة المكتوبة بصفتها أقرب قطاع لها من جهة أخرى، خاصة وأنها خدمة تعمل على تغطية نقائص الصحافة. وكذلك محاولة التوصل إلى معرفة ما إذا كانت المدونات العربية الالكترونية صحافة بديلة حقيقة أم أنها هواية شخصية أي مجرد فضاء للتعبير الحر بأشكال متعددة.
لذلك تتجلي أهمية دراستنا في أنها دراسة تدخل في إطار الدراسات الاستكشافية، بسبب ندرة الدراسات حول هذا الموضوع خاصة في الجزائر بصفة خاصة، وفي الوطن العربي عموما. فهي دراسة تسعى إلى فتح مجال أوسع للبحث والتعمق في مثل هذه المواضيع، لتدارك النقص الملموس والمساهمة في التراكم المعرفي. وبهذا ستكون دراستنا من أولى الدراسات في هذا المجال حسب علمنا.
وكأي دراسة ارتبطت دراستنا بمجالين, تمثل المجال المكاني بالوطن العربي، ولكنها تركز على عينة من البلدان العربية فقط، ولقد وقع اختيارنا على سبعة بلدان عربية تمثل مجتمع البحث وهي مصر، الجزائر، العراق، تونس، لبنان، السعودية، سوريا.
أما المجال الزماني فقد امتدت المدة الزمنية الخاصة بالجانب النظري والتطبيقي لهذه الدراسة من جوان2007 إلى غاية أوت 2008.
فيما يخص منهج الدراسة وأدواته فقد اعتمدنا على منهج متكامل يعتمد على المنهج المسحي والمنهج التاريخي والمنهج المقارن. وعلى أداة تحليل المضمون التي استعملناه كتقنية وأداة للوصول إلى نتائج دراستنا.
هذا وحسب مستلزمات ومتطلبات دراستنا قمنا باستعمال الأنواع التالية من العينة: العينة القصدية و العينة ،الإعلام البديل، الصحافة البديلة.
و بما أن الدراسة دراسة جديدة، واجهتنا صعوبة جد كبيرة في إيجاد المراجع وان صح القول انعدامها. زد على ذلك صعوبة الحصول على الدراسات المهتمة بهذه الخدمة في الوطن العربي، وحسب اطلاعنا لم نتحصل سوى على دراستين منشورتين على شبكة الانترنت بشكل مفصل، أما ما تبقى من دراسات فلم نتحصل منه سوى على فقرة أو شرح مختصر أو مداخلة من باحثها، فلا فرق بين وجودها أو عدمها. لهذا نستطيع القول أن دراسات المدونات العربية الالكترونية العامة منها والمكتوبة بصفة خاصة جد نادرة، ولا تفي بالغرض لأي دراسة. كما أن جهل الكثيرين لهاته الخدمة عبر الانترنت، جعل المعلومات التي تأتي بها هاته الشبكة من طرف الباحثين في تغير وتضارب وتجدد مستمر، وبهذا كنا دائما نضطر لتجديد معلوماتنا، أو تصحيحها أو حتى الاستغناء عن بعضها، وهذا بالفعل ما شكل لنا عائقا فيما بعد في ربط المعلومات والحصول على صورة حقيقية لهاته الخدمة الجديدة، وقد أخذ منا هذا وقتا كبيرا، فالمعلومات التي تتحصل عليها البارحة من الشبكة ستكون غير صالحة في الغد، لهذا عملنا على الاكتفاء بما هو معقول وما هو واضح للجميع ومتفق عليه عند الأغلبية قدر الإمكان. وما زاد الطين بله في كل هاته الصعوبات ما حدث معنا في الجانب التطبيقي، فقد فقدنا ما يقارب ثلاثة أشهر من مدة الدراسة دون أي جديد، هذا لأننا قد اعتمدنا على الاستمارة الالكترونية أي عبر البريد الالكتروني. وهي في حقيقة الأمر استمارة جد مهمة لو نجحنا فيها لكان لدراستنا طابع آخر، وهذا بسبب عدم الرد عليها إلا من طرف بعض الأصدقاء، ولكن هذا لا يتماشى مع متطلبات ومع عينة بحثنا. وهذا ما جعلنا نستعمل تقنية تحليل المضمون بصفتها الحل الوحيد.
وفي الأخير إلى ما استفدنا منه وما اطلعنا عليه من دراسات سابقة من طرف باحثين آخرين حول موضوعنا, وهما دراستان فقط الأولى للباحث “جمال الزرن” تحت عنوان: “المدونات الالكترونية وسلطة التدوين”, والدراسة الثانية للباحث “عبد الله ولد خاطري” تحت عنوان “المدونات العربية”.
وبالانتقال إلى الاطار النظري فقد تمحور حديثنا في الفصل الاول منه حول حرية التعبير والصحافة في البلدان العربية وآخر تطوراتها، وهذا بالحديث عن مفهوم الحرية كخطوة تمهيدية، والتطرق إلى أنواعها المتمثلة في: حرية الرأي والتعبير، حرية الإعلام حرية الصحافة.
هذا وقد تطرقنا في المبحث الثاني من الفصل الأول إلى واقع حرية الصحافة في البلدان من خلال الحديث عن هذا الواقع في بعض المسائل المتعلقة بمشاكل الصحافة العربية وبالخصوص ما تتعرض له من سيطرة للدولة، زد على ذلك الرقابة الحكومية. وفي هذا السياق ارتأينا الحديث على مبررات فرض الرقابة في المجتمعات النامية، وأساليب الرقابة ضمن قوانين المطبوعات في البلدان العربية، و الطرق المفروضة لتقييد حرية الصحافة في البلدان العربية، زد عل ذلك صعوبات الوصول إلى المعلومات وعوامل تجاوز الحريات. وبدون أن ننسى الصحفي، تحدثنا في النقطة الموالية عن الصحفي العربي وحرية التعبير، وهذا بالتطرق إلى جملة الحقوق والواجبات المهنية للصحفي مع الحديث عن آخر تطورات حرية الصحافة في البلدان العربية.
لننتقل بعدها للحديث عن عوامل ظهور الصحافة الالكترونية وخصائصها في الفصل الثاني، حيث اكتفينا بالحديث عن ماهية الصحافة الالكترونية وعوامل تطورها في المبحث الأول منه وهذا من خلال الحديث عن ماهية الصحافة الالكترونية: مفهومها، تطورها، نشأتها و عوامل ظهور الصحافة الالكترونية وأسبابه. من خلال التطرق إلى الفرق بين الصحافة الالكترونية والصحافة الورقية، وواقع الصحفيون وسط موجة التطورات التكنولوجية الراهنة. وفي النقطة ألما قبل الأخيرة من هذا المبحث تطرقنا إلى جملة خصائص الصحافة الإلكترونية من مظاهرو أخلاقيات وصعوبات و عيوب. دون أن ننسى أهم طرف في هاته العملية الاتصالية لهاته الوسيلة الإعلامية وهو جمهور الصحافة الالكترونية.
وبالانتقال إلى المبحث الثاني من نفس الفصل, فقد تناولنا فيه واقع الصحافة الالكترونية في البلدان العربية، وبهذا كان الحديث حول واقع الإعلام العربي الراهن كنقطة تمهيدية لما تطرقنا إليه فيما بعد، وقد كان هذا حول ظهور الصحافة الإلكترونية العربية وتطورها، و ظهور الصحافة الإلكترونية الجزائرية وتطورها وواقعها بدون أن ننسى الصعوبات التي واجهت الصحافة الإلكترونية في الجزائر. وبالحديث عن واقع الصحافة الإلكترونية في الوطن العربي تطرقنا إلى خصائص هاته الأخيرة، و واقع الخدمات في الصحف الإلكترونية العربية زد على ذلك الصعوبات التي تعاني منها الصحافة الإلكترونية العربية.
وبالاتجاه إلى صلب موضوعنا، تطرقنا في الفصل الثالث إلى ظاهرة المدونات الالكترونية. حيث خصصنا المبحث الأول للحديث عن ماهية المدونات الالكترونية, وهذا من خلال تقديمنا للتعاريف اللغوية والاصطلاحية والدلالية للمدونات الالكترونية، لننتقل بعدها للحديث عن عوامل ومراحل نشأة المدونات الالكترونية.
ومن جملة الخصائص التي تتميز بها المدونات الالكترونية أنها تتنوع بتنوع مواضيعها وكتابها، لذلك خصصنا جزءا لهاته النقطة جاءت بعنوان أنواع المدونات الالكترونية، ومن خلالها تطرقنا لعرض ما تم التوصل والكشف عنه حول أنواع هاته الخدمة الالكترونية والشبكات المحتضنة لها، خاصة وأنها مرتبطة بخدمات الكترونية أخرى لذلك عرضنا بعض المعلومات المتعلقة بالفرق بين المدونة والخدمات الإلكترونية الأخرى.
وبما أن التدوين قد أصبح مهنة إعلامية لدى الكثيرين كان على أصحاب الاختصاص وضع قواعد لضبط أخلاقيات هاته المهنة كغيرها، وهذا ما تطرقنا إليه في آخر نقطة من المبحث الأول والمتعلقة بأخلاقيات التدوين.
أما في المبحث الثاني فقد كان الحديث عن خصائص المدونات الالكترونية، وهذا بالحديث طبعا عن ما يلي: مميزات المدونات الالكترونية بايجابياتها وسلبياتها ومشكلاتها، ثانيا تعرضنا لجملة الموضوعات التي تتناولها المدونات الالكترونية، وأيضا إلى لغة المدونات الالكترونية العربية وجمهورها واستخداماتها في مختلف المجالات.
دائما في الإطار النظري وفي آخر فصل منه والمتمثل في الفصل الرابع, والذي هو بعنوان: المدونات الالكترونية العربية المكتوبة، تناولنا في المبحث الأول منه: المدونات العربية الالكترونية المكتوبة وهذا من خلال التطرق للنقاط التالية والمتمحورة حول: دوافع و أسباب التدوين العربي، خصائص المدونات العربية الإلكترونية وهذا من خلال عرضنا لما قد تم التوصل إليه في ما يخص محتوى المدونات الالكترونية ومميزاتها، وإشكالية الاستعارة والهوية الافتراضية في المدونات العربية.
وبدون أن ننسى المدونات الأجنبية، خصصنا جزءا من الحديث عن هذا الموضوع من خلال إعطاء وجها من وجوه المقارنة بين المدونات الالكترونية العربية والأجنبية، هاته الأخيرة التي تتميز بحرية كبيرة وحضارية على غرار ما تشهده نظيرتها العربية، وهذا ما جعلنا نتطرق لنقطة جد مهمة في هذا البحث وهي حرية التدوين في البلدان العربية ومخاطره.
وكخلاصة لما سبق في هذا الفصل قدمنا وجها حاولنا أن تكتمل ملامحه حول واقع المدونات الالكترونية العربية.
هذا وقد تطرقنا في المبحث الثاني إلى المدونات الالكترونية و حرية التعبير في البلدان العربية، وهذا من خلال الحديث عن حرية الصحافة وحرية التدوين في البلدان العربية، وهذا بالتحديد من خلال الحديث أيضا عن واقع حرية الصحافة في البلدان العربية، وواقع حرية التعبير في عصر الصحافة الالكترونية وعلاقتها بحرية التدوين في البلدان العربية.
أما في النقطة الثانية فقد كان الحديث حول المدونات العربية كإعلام بديل، ومن خلالها تطرقنا لتعريف الإعلام البديل وأشكاله ومن يستعمله، أما النقطة الموالية فقد كانت حول التقيدات الرسمية للمدونات العربية الالكترونية، وهذا بطبيعة الحال ما جعلنا نتحدث في هذا الصدد عن المدونات والسياسة، وقد كانت آخر نقطة حول الحديث عن مستقبل المدونات الالكترونية العربية بوجهة نظر إعلامية.
ومن الإطار النظري إلى الإطار التطبيقي للدراسة الذي شمل تحديد وصياغة المشكلة البحثية ثم تهيئة المادة المدروسة، تعيين مجتمع البحث وفئاته وعينته، بعدها التطرق لمسألة الصدق والثبات، وقد قمنا بعدها بعرض جداول التكرارات الخاصة ببيانات عينة المدونات العربية، تليها جداول أنواع وأشكال فئتي تحليل المضمون ومواضعهما، ثم جداول التحاليل الأولى خاصة بالتحليل الكمي والكيفي لجداول تكرارات فئتي تحليل المضمون، والثانية خاصة بالتحليل الكمي والكيفي العام لجداول لتكرارات فئتي تحليل المضمون.
الإشكالية:
إن انتقال الإنسانية من ثورة لأخرى لم يكن طفرة واحدة، وإنما كان تحولا استغرق عدة قرون، بدأ بالثورة الزراعية إلى الثورة الصناعية إلى ما وصلت إليه البشرية حتى الآن فلم نعد نعتمد على الأرض أو المال مثلما كان الحال منذ عقود خلت، فنحن الآن في حضارة المعلومات والمعرفة.
إنها ثورة تعتمد على المعلومات والعقل، لتكون بذلك المعلومات هي المورد الاقتصادي لهذه الثورة، ويخلق منها مجتمعا حديثا سمي بمجتمع المعلومات، الذي يعتمد بدوره على تكنولوجيا حديثة للاتصال.
فهذه التكنولوجيا غيرت شكل وأسلوب عمل وسائل الاتصال القديمة، حيث تشكل الحاسبات الإلكترونية فيها المرتكز الرئيسي، والمؤثر على تكنولوجيا الاتصال بصفة عامة، وتكنولوجيا الصحافة بصفة خاصة.
وهذا يدل على أن النظام الرقمي جمع بين تكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا الاتصال، وبذلك ظهور سوق حقيقي للوسائط المتعددة، التي تسمح بإدماج الكثير من المعطيات من مصادر مختلفة نصوص- صور وأصوات، هادفة بذلك إلى تطوير الأشكال الجديدة والجذابة لمنتجات الوسائط المتعددة التفاعلية، ودفع المستخدم لاقتناها في وقت كان استعماله يقتصر على وسائل الإعلام التقليدية وبصفة خاصة التلفزيون والإذاعة والصحافة، في ظل بحث المستخدم على فضاءات أفضل للتعبير والاتصال . وهذا ينطبق أكثر على فئة الشباب أساسا، وهذا، أيضا، بالفعل، ما خلقته هذه الثورة من أنماط إعلامية جديدة، في مقدمتها الإعلام الإلكتروني على شبكة الانترنت.
وتُعرَّف هذه الأخيرة على أنها مجموعة من الشبكات، تشكل شبكة عالمية للاتصال والإعلام، تسمح بتحرير المعطيات بسهولة وبطريقة اقتصادية، قدمت من خلالها خدمات متعددة في مختلف المجالات سواء في التعليم أو الترفيه أو الاتصال. وعليه قلصت التكنولوجيا الفجوة بين من يملكون المعلومات والوسائل التي تساعدهم على إيجادها، وبين من لا تتوفر لديهم هذه الميزة.
في هذا السياق، يمكن الإشارة إلى أن تطور تكنولوجيات الاتصال الجديدة يساهم مساهمة فعالة في تكريس حرية الصحافة وحرية التعبير، اللتين مازالتا تشكلان إشكالية بالنسبة للكثير من البلدان سيما في البلدان النامية وهذا رغم صدور الكثير من المواثيق والقرارات الدولية، ولكنها كانت غير كافية لضمان حقوق الإنسان وتطبيقاتها في مجال الإعلام، الذي ارتبطت نشأته بتطورات تكنولوجية لوسائله ورسائله.
وهذا بالفعل ما شهدته الألفية الثالثة من نمو متسارع في المعطيات المعرفية والتقنية، وخلق فضاءات جديدة للتعبير الحر. وبالتالي تغيرت أشكال تواصل الإنسان التقليدي، حيث أن هناك علاقة جدلية بين المجتمع ووسائل الاتصال بمعنى أن هذه الأخيرة تؤثر في المجتمع وهذا الأخير يؤثر في وسائل الاتصال.
من جهة أخرى، فإن النظام الإعلامي والاتصالي الموجود في أي بلد، هو في الواقع انعكاس للبنيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية السائدة في ذلك البلد. وهذا ما نلاحظه في البلدان العربية حيث كانت وسائل الإعلام دائما انعكاسا للنظام السياسي السائد فيها وكذلك لخصوصياته المميزة. وكان دور الإعلام يختلف من مرحلة إلى أخرى خاصة فيما يخص الحريات بصفة عامة، وحرية التعبير والصحافة على وجه التحديد كانت مقننة وفق قوانين خاضعة لبعض الاعتبارات السياسية.
ولقد خلق هذا الوضع فجوة بإمكان التكنولوجيا الحديثة تجسيرها، من خلال توفير خدمات معلوماتية اتصالية أفضل وأسهل استخداما وأقل تكلفة بفضل خدمات شبكة الانترنت، من بريد إلكتروني ونشر إلكتروني ومواقع بحث إلكترونية، وأحدث خدمة تم التوصل إليها هي المدونات الإلكترونية.
هذا الفضاء الحر الذي ظهر في التسعينيات من القرن الماضي، كإعلام بديل يحمل في طياته بوادر منافسة للإعلام التقليدي المهيمن، خاصة في ظل ما تشهده الصحافة المكتوبة من رقابة وضغوطات من جهة، وبحث الكثير من الأفراد عن متنفس لاستعماله كفضاء يشبع رغباتهم المكبوتة من جهة أخرى، علاوة على ذلك فهي خدمة توفر أشكالا جديدة للممارسة الإعلامية. مما جعل الكثير من الصحفيين والسياسيين من أبرز مستخدميها، وهكذا أصبحت المدونات تشكل إعلاما بديلا أو كما يسميها البعض الصحافة الشعبية.
وتعتبر المدونات الالكترونية موقعا إلكترونيا للكتابة، يتألف من رزنامة من الأحداث والسيرة الذاتية والرأي بأشكال مختلفة، باختلاف دوافع المدونين السياسية منها أو الذاتية.
وانطلاقا مما ذكرناه سلفا، سنحاول معالجة إشكالية حرية التعبير الفردية في المدونات العربية من جهة، ومدى تأثيرها على الصحافة المكتوبة من جهة أخرى، حتى أصبحت هي الإعلام البديل لدى الكثير من المستخدمين. فهل يمكن القول أن حرية التعبير في الوطن العربي بدأت بالمدونات، وأن إصلاح الإعلام العربي الرسمي وهو مطلب شعبي يمكن أن تساهم في تفعيله المدونات؟ وبالتالي فإن إشكالية البحث تتمحور حول التساؤل التالي: هل المدونات الالكترونية العربية تعبير حر أم صحافة بديلة؟
* هذه الدراسة هي أطروحة لنيل شهادة الماجستير في علوم الإعلام والاتصال، كليــة العلوم السياسية والإعــلام، جامعـــة الجزائر .
[1] – محمد فوراتي، واقع حرية تنقل المعلومات في الوطن العربي. من لقاء أصداء لبنانية……..
Source:http://www. Javaxript: hitory.go (-1) (accessed 04-06-2008)
[2] – محمد فوراتي، مرجع سابق.
اترك رد