قضايا التحول الديمقراطي في ليبيا

قضايا التحول الديمقراطي في ليبيا

Libya and Democracy in Transformation Politics

إن التطلع إلي مسألة الديمقراطية في ليبيا ، أصبح من القضايا المشتركة لكل الليبيين والليبيات، صحيح إن كل قبيلة وشريحة نخبوية تفهم بطريقة قد تتميز عن فهم الآخرين من الساكنة الليبية ، ويظل الجميع علي استعداد للتطلع، ومن مواقع متعددة ، إلي الديمقراطية، ذلك المصطلح والمفهوم المستورد والغير متواجد في لغتنا وثقافتنا العربية! ولكن نقبله لأننا في عصر لا نملك التأثير فيه.

التعبيرات عن الديمقراطية في ليبيا متفاوتة عن هذا التطلع المستحدث في ساحة التداول الديمقراطي في ليبيا، لكنها تعبيرات تهدف إلي قيام الإصلاحات السياسية والاقتصادية ودستوريتها.

بالطبيعة ، فان هذه الضرورة ليست بدون إثمان وبدون خسائر، وإنما التغيير يقتضى دفع الثمن الوطني للوصول إلي ذلك. بمعني أخر استمرار الأوضاع علي حالها في الحالة الليبية سيكلف الجميع خسائر فادحة، وإثمان ناهضة الثمن. بينما الانخراط في مشروع وطني جماعي فأنه لن يكلف الليبيين خسائر فادحة ، وهو الثمن الذي ينبغي إن يدفع في اى ثورة ربانية وتجديدية.

الليبيين والليبيات هم جزء من الموجة الديمقراطية الثالثة والتي يعيشها الوطن العربي، تدفعنا إلي بلورة خيارنا التحولي الديموقراطيه في مجالنا الوطني. لذلك التأكيد علي وجودنا الديمقراطي في المشهد العالمي والعربي حديث له شجون:

الوعي بالفعل الديمقراطي:

بفعل الهبة الربانية للسابع عشر من فبراير لسنة 2011في ليبيا ، مرهون إلي حد كبير إلي حد كبير علي مدي انتشار الوعي الديمقراطي المتحضر والمتزن والغير منحاز إلي ثقافة العقل السبيعيني والثمانيني والتسعيني من القرن الماضي في ليبيا. انه العمق والوعي بما نحن فيه من ضرورتها ودورها في إخراجنا من المآزق ألكبري التي نعانيها علي مختلف الصعد والمجالات.

الوعي الديمقراطي يبدأ بالاهتمام بكثافة واليات وطرق ومنهجية إدارة أمورنا وقضايانا، بمعني مدي انسجام سلوكنا الوطني، العام والخاص، مع متطلبات المشهد الديمقراطي الوطني. وتظل مهمة النخب ” الوطنية ” في ليبيا والمؤمنة بنتائج الديمقراطية وافرازاتها هو العمل علي تعميم هذا الوعي وتعميقه بمختلف الوسائل والأدوات المجتمعية.

ثقافية الديمقراطية:

إذا الواقع الوطني يحتاج إلي تخليق معمار لثقافية الديمقراطية في ليبيا، تؤكد علي القيم الكبيرة والحاضنة للشأن والوعاء الديمقراطي المنشود، وزالي قيم ثقافة عملية تحترم الأخر بكل تجلياته وعناوينه، وتسعي إلي تأكيد قيم التنوع والاختلاف والتعدد ألمواطني ، حقوقا وواجبات.

للديمقراطية بوابة ، يعرفها الجميع، وهي تجذير الخيار وثقافية الديمقراطية في الواقع المجتمعي، وذلك لان الديمقراطية أسلوب للحياة ولتلاقي المختلف مع غير المختلف، وهي ليست شكلا سياسيا أو إجراء قانوني أو تغيير إفراد واستجلاب إفراد فحسب، وإنما هي ، قبل كل شىئ ، ثقافية تقبل المغاير وتحترمه، تؤمن به بأن الحقيقة الإنسانية للسياسة نسبية ، ولا يمكن احتكارها من أي طرف ، طال الزمن أو قصر.

وثقافية الديمقراطية المنشودة في ليبيا هي ثقافة تُشجع وتدفع الكل للمشاركة في المجال الوطني والسياسي، باعتباره مجالا عاما وليس خاصا، ومن حق المواطنة إن تشارك فيه وتتبوأ مواقع الإفراز والتقدم الديمقراطي. الوضع الحالي لا يزال يحتاج إلي ثقافية عملية للتحول الديمقراطي وبشكل مستمر, من اجل البحث عن المزيد من الروافد للواقع المتأزم وتصورات ناضجة تعمل علي احتضان الخيار الديمقراطي، وتدافع عنه ضد الأنانية والجهوية والنزاعات الشوفينية والقبلية التي تحول دون تطوير المشهد الديمقراطي الوطني في مجتمعنا الصاعد.

الإرادة و ثقافية الديمقراطية:

التحول الديمقراطي في أي كيان مجتمعي قائم لا يمكن انجازه صدفة أو بعيداَ عن الإرادة الوطنية ، بل هو وليد مخاض مواطني وللجهد نحو الانجاز لهذا التحول. انه وليد لإرادة الإنسان الباحث عن التغيير والرافض والمقاوم لكل الاحباطات والمؤامرات، ضد إرادة التغيير، والتي منها تتم ولادة عملية التحول الديمقراطي. إرادة التغيير ليست حكرا علي فئة نخبوية أو جمعوية أو طائفية أو قبلية، أو حثي طبقة المحاربين، فهي الدور المركزي في كل المجتمعات التي مرت بالتحولات الكبرى.

الإيمان بتفضيل الأنظمة الديمقراطية علي أنظمة الاستبداد والقمع والديكتاتورية لا يكفي، وإنما ثقافية الديمقراطية لا تزال بحاجة إلي إرادة التغيير والفعل الحقيقي تمتلك الاستعدادات الوطنية المخلصة لترجمة التضحيات، ومجابهة ثقافية الخنوع والاستبداد والفر دانية السياسية.

أنها الإرادة الاجتماعيةSocial Will) ) تعمل مخلصة لصالح التحول الديمقراطي وإدراك أهميته.

التحول الديمقراطي لا يتحقق بالخطب الرنانة وتعطيل المصالح والمظاهرات والاعتصام والشعارات المستلفة من القرن الماضي، بل من خلال التواصلية والمصالحة مع الوطن، يتجه نحو المأسسة للبني التحتية للمشهد الديمقراطي وواقعه المجتمعي.

وفي غياب السالف الذكر من المنطق، فالتحول الديمقراطي سوف لن يتم بعيدا عن الإرادة الاجتماعية والشعبية للمواطنة، لأنها سوف تفتقد إلي العمق السياسي والوطني والذي يجذر قواعدها، لا يمكن بعدها والتراجع عن خياراتها. ألديمقراطية كما أسلفنا مشروع اجتماعي بواجهات سياسية،(Social Enterprise) تستبعد في مشهديتها مظاهر الانقلاب السياسي أو الاستيلاء علي السلطة بقوة السلاح، الأمر الذي يعرقل استمرار دولة القانون وتأمين الحريات الافتراضية، وقيام أحزاب متنافسة، وبناء توافقية اجتماعية-سياسية كحد مقبول لفكرة التداول السلمي للسلطة.

نحن في أمس الحاجة إلي الامتزاج العاقل الرشيد بين هذه المنظومة من قيم التحول والتغير الاجتماعي، يوفر إمكانيات الصعود في خطوات عملية في مشروع وطني ديمقراطي. ممارسة التغيير المجتمعي ليس الكل يمتلك مقوماتها، لأنها تتطلب وعيها وعمقها وقبول نتائجها، ثقافية تعمل علي ترجمة الوعي بالتحول والتغيير إلي برامج مُشرعنة سلوكا وعقيدة.

والأمر ليس كذلك وبهذه البساطة ، فالأمر يتطلب إلي المزيد من التراكم من العمل المضني الصادق السياسي والاجتماعي والحضري والحضاري، لكي تتحول ثقافية الديمقراطية إلي كثافة وسلوك إلي جزء لا يتجزأ من النسيج المجتمعي بكل عناوينه ومشاربه. إذا الوعي والإرادة وثقافية الديمقراطية دروب لابد من الوعي بها.

كلمات لابد منها لا تحتاج إلى تثنية:

الذين قادوا التغيير في ليبيا، لم يتم تأطيرهم في أيديولوجيات نافقه ومغلقة، ولم يتربوا في خلايا للممارسة التخريب المجتمعي، وإنما حركهم الوعي الوطني ‘ ورفعوا، شعارات ” الحر ية، والمشاركة في صنع همهم الوطني، والكرامة، ورفضهم للفر دانية السياسية والفكرية لقيادة مجتمعهم، ورفض إيوائهم في ألسجون بعيدا عن السجال العقائدي المتعلق بمفاهيم السابقة الذكر، فعبروا عن ذاتهم والذات الوطنية ، وما يختلج في صدر وطنهم وعقله، فكانت تلك اللحظة التاريخية الاستثنائية للتاريخ السياسي الليبي، التي أدخلت ليبيا إلي حركة التاريخ. فالساكنة الليبية التي حملت لواء التغيير الاجتماعي وخرجت إلي الشوارع والميادين وفي الفري والأرياف والمدن، وبلورة مطالبها في التغيير، هي التي قادت مشعل التحول والتغيير، وهي التي فكت ارتباطها مع كل مؤسسات الأبحاث والدراسات لمقولات الإصلاح والثورة.

فالتغيير تحقق في ليبيا دون سيطرة احد علي احد، فقامت انتفاضة ليس لها من يقودها أو يدعي ملكيتها، لأنها هبة لا أحد يمتلك تبني انجازها، ولا يمتلك صكوك ولادتها وقيامها، ولانها تعمل علي رفع الظلم والاستبداد وتفكيك مخزن الاستئثار والاحتكار السياسي. لذلك التاريخ سوف يحتضنها كهبة ربانية.


نشر منذ

في

من طرف

الآراء

اترك رد