Democratic Transition and Transformation: Conceptual Framework
هناك عدة مدارس تقدم الانساق المفاهيمية لبعض الاصطلاحات لموضوع الحراك الديمقراطي في معظم البلدان، ومنها المدرسة التحديثية ، والمدرسة البنياوية والمدرسة الانتقالية، كمدارس معترف بها في العلوم السلوكية. وهذه المطالعة تحاول ان تقدم للمهتمين بالحراك الديمقراطى الجارى الان فى المنطقة ألعربية نمطا من النسق المفاهيمى المبسط لهذه المقاربات. ولعل متخصص في الدراسات الامبيريقية يقول ماهى المؤشرات التى قد تدل على ان في دولة ما هناك انتقالا او انفتاحا او تحولا ديمقراطيا ، وهل مؤشر واحد يكفى لان يكون هناك مؤشرا رئيسيا ام تابعا؟ وهل يمكن تصنيف المؤشرات ان وجدت الى داخلية وخارجية، فالوصفة المطلوبة صعبة التحقق نظرا لاختلاف طبيعة المؤشرات من دولة الى اخرى.
الانتقال الديمقراطى:Democratic Transition
ليس كل انتقال في الحراك السياسى هو بالضرورة ديمقراطى النسق والمفهوم ولكن يمكن ان يكون افعال وردود افعال عن مطلب الديمقراطية المشروع وتكريسا للاستبداد والانتقال الديمقراطى يتحدد من خلال التخلى الكلى عن معالم النظام التسلطى والانتقال التدريجى سلميا نحو تجربة منظمة تتسم معالمها ببناء المنظومة الديمقراطية المتكاملة . ولهُ آلياته وشروطه الزمنية والمكانية والنسقية والتى تختلف من دولة الى اخرى حسب بنيانها السياسى والاقتصادى والثقافى والاجتماعي والانتقال الديمقراطى مرحلة من ضمن مراحل البناء المؤسسى للديمقراطية .
ومن هنا فان الانتقال الديمقراطى ليس وجها اخر لمنظومة التسلط وإعادة إنتاجها، وهو يختلف عن الانقلاب السياسى والذى بمثابة تغير وتغييرات مفاجئة في الدولة ونظام الحكم ، تغيير تعتمد قيادته على جماعة نافذة وتمتلك مقومات القوة ، او من خلال المؤسسة العسكرية والتى تهدف فقط الى الاستيلاء على السلطة وتسيير الدولة بالقوة.
والانتقال الديمقراطى يختلف عن مفهوم الثورة والتى من صورها العنف من خلال النضال المسلح تقوم به جماعات او مجموع الشعب ضد منظومة الدولة التسلطية والخروج من حواجز الخوف وعن قوانينها التسلطية.
وبالتالي فأن الانتقال الديمقراطى في هذا النسق يتضمن مفهوم العدالة الانتقالية تتويجا لسلسلة من الانتقالات السلمية تتصف بانتقال النظام السياسى من حالة الاستثئار بمخزن السلطة والدكتاتورية الي ركح الديمقراطية بطريقة سلمية متوافقه وبسرعة طرديه تنتجها مرحلة الانتقال وفقا لأوضاع مجتمع معين وخصوصيته الثقافية والتاريخية.
وينبغى كذلك التمييز بين الانتقال الديمقراطى والحكومة الانتقالية والتى تعنى في فترة زمنية محددة ومعينة تشكيل حكومة في انتظار الوضع النهائي لحالة الانتقال الديمقراطى ، ومنها الانتخابات والدستور وبقية منظومة الانتقال الديمقراطى.
وأخير وجب التشديد على ان الانفتاح السياسى والإصلاح والانتقال الى الديمقراطية والتحول الديمقراطى ليست مترادفات للانتقال الديمقراطى وهى لا تعنى الانتقال الديمقراطى في أى معنى من معانية.
الانفتاح السياسى: Political Divergence
وهو عبارة عن تنامى مشاعر قد تكون مُعقلنة من طرف السلطة القائمة او الاقلية الحاكمة ان مؤسسة السلطة لديها تتآكل حتى وان شرعية وجودها غير مبررة ان كانت مشروعية سياسية او تاريخية او حتى مشروعية ثورية .
وفي هذه البيئة التى تتسم بأزمة الشرعية تعمل السلطة علي تقديم تنازلات سياسية من حيث منح المزيد من الهوامش للحرية الفردية والعامة ، والانفتاح السياسى هنا هو تعبير يشير الى عجز الارادة السياسية للسلطة في الاستمرار في الحكم بأدواتها التقليدية. وقد يصل النظام السياسى العاجز على ادارة شؤون السلطة الى ما قد يسمى بالانتقال نحو ألديمقراطية ولكن بشراكة جديدة مع قوى التغيير والتى تعمل على توظيف الانفتاح السياسى لصالحها.
اذا الانفتاح السياسى هو اسلوب للدولة العاجزة على ان تقدم نفسها الى سؤال الانتقال الديمقراطى ومواجهة المطالب الشعبوية العادلة في الانتقال الديمقراطى. وديمقراطية الانفتاح السياسى وإبعاده العملية لا تخرج عن بعض المظاهر والعطايا المادية المُسكنة لطالبى الانتقال الديمقراطى المشروع.
الانتقال الى الديمقراطية: Transition Toward Democracy
في فترات تاريخية معينة والتى تمر بها المجتمعات تتم فيها عمليات الانتقال الديمقراطى التعاقدى والتعاهدى من خلال مرجعية مستقرة وثابته تعرف بالدستور او العقد الاجتماعى او القانون الاساسى للدولة . وفي هذا الانتقال الى الديمقراطية يتحول النظام السياسى المستهدف من نظام الدولة الابوية التقليدية وحكم الاقلية والفر دانية الى المأسسة السياسية للديمقراطية القائمة على الشراكة والمواطنة والفصل بين السلطات واستقلال القضاء وحرية تشكيل الاحزاب وشراكة منظمات المجتمع المدنى.
والانتقال الى الديمقراطية هو ايضا مرحلة من ضمن مراحل البناء المؤسسى لديمقراطية وليس كل الديمقراطية. وفي هذا النسق المفاهيمى يمكن ان تتحول شعارات الديمقراطية الى مجرد بهرجة واحتفاليات ودعوات وهمية ومُظللة حول هذه المرحلة في ظل سيطرة الحرس القديم لمقومات القوة وهذا السيناريو عادة ما يلاحظ في نظم الحكم الملكية العربية.
التحول الديمقراطى: Democratic Transformation
وهو عمليات مستمرة تخوضها المجتمعات بعد ان تصنع وتخلق دولتها العربة الحاملة لمتغيرات التحول الديمقراطي وليس العكس والذى يدخل اطار التصنيفات النسقية السابقة الذكر. فالتحول الديمقراطى مشروطيته في تحوله خلال مراحله الى صيرورة ودمج المشروع الديمقراطى التحولى في المنظومة المجتمعية السياسية والثقافية والاجتماعية الاقتصادية وانعكاس ذك على سلوك المواطنة الفردانى والجمعوى. فهى ليست مجرد توافقات سياسية مظهرية تفرضهُ المرحلة القائمة او ألمصلحة وفي ازمنة التحول الديمقراطى الكل يقف خلف منظومة من القيم المتفق بشأنها ووضوح مرجعيات التحول الديمقراطى.
التحول الديمقراطي في أي كيان مجتمعي قائم لا يمكن انجازه صدفة أو بعيداَ عن الإرادة الوطنية ، بل هو وليد مخاض مواطني وللجهد نحو الانجاز لهذا التحول. انه وليد لإرادة الإنسان الباحث عن التغيير والرافض والمقاوم لكل الاحباطات والمؤامرات، ضد إرادة ألتغيير والتي منها تتم ولادة عملية التحول الديمقراطي. إرادة التغيير ليست حكرا علي فئة نخبوية أو جمعوية أو طائفية أو قبلية، أو حني طبقة ألمحاربين فهي الدور المركزي في كل المجتمعات التي مرت بالتحولات ألكبري.
الإيمان بتفضيل الأنظمة الديمقراطية علي أنظمة الاستبداد والقمع والديكتاتورية لا يكفي، وإنما ثقافية الديمقراطية دايما تكون بحاجة إلي إرادة التغيير والفعل الحقيقي التى تمتلك الاستعدادات المخلصة لترجمة ألتضحيات ومجابهة ثقافية الخنوع والاستبداد والفر دانية السياسية. أنها الإرادة الاجتماعيةSocial Will) ) تعمل مخلصة لصالح التحول الديمقراطي وإدراك أهميته. التحول الديمقراطي لا يتحقق بالخطب الرنانة وتعطيل المصالح والمظاهرات والاعتصام والشعارات ، بل من خلال التواصلية والمصالحة مع ألوطن يتجه نحو المأسسة للبني التحتية للمشهد الديمقراطي وواقعه المجتمعي التحولى.
فالتحول الديمقراطي سوف لن يتم بعيدا عن الإرادة الاجتماعية والشعبية للمواطنة، لأنها سوف تفتقد إلي العمق السياسي والذي يجذر قواعدها، لا يمكن بعدها والتراجع عن خياراتها. ألديمقراطية كما أسلفنا مشروع اجتماعي بواجهات سياسية،(Social Enterprise) تستبعد في مشهديتها مظاهر الانقلاب السياسي أو الاستيلاء علي السلطة بقوة ألسلاح الأمر الذي يعرقل استمرار دولة القانون وتأمين الحريات ألافتراضية وقيام أحزاب متنافس وبناء توافقية اجتماعية-سياسية كحد مقبول لفكرة التداول السلمي للسلطة.
والتحول الديمقراطى من ام مشروطيته الامتزاج العاقل الرشيد بين هذه المنظومة من قيم التحول والتغير ألاجتماعي التى توفر إمكانيات الصعود في خطوات عملية في مشروع ديمقراطي. ممارسة التغيير المجتمعي ليس الكل يمتلك مقوماتها، لأنها تتطلب وعيها وعمقها وقبول نتائجها، ثقافية تعمل علي ترجمة الوعي بالتحول والتغيير إلي برامج مُشرعنة سلوكا وعقيدة.
وهو يتطلب المزيد من التراكم من العمل المضني الصادق السياسي والاجتماعي والحضري والحضاري، لكي تتحول ثقافية الديمقراطية إلي كثافة وسلوك إلي جزء لا يتجزأ من النسيج المجتمعي بكل عناوينه ومشاربه. إذا الوعي والإرادة وثقافية الديمقراطية دروب لابد من الوعي بها في التحولات الديمقراطية.
اترك رد