هل الشرق الاوسط سوف يخسر اهميته الاستراتيجية؟
“تلاشى امبراطورية النفط العربى”
فى مقالة مميزة للباحث بول ميللر بالجامعة الامريكية الوطنية للدفاع ، مركز دراسات الامن الاستراتيجى، والتى صدرت فى مجلة المصلحة القومية الامريكية فى نهاية شهر يونيو لسنة 2012 والموسومة ” تلاشى امبروطورية النفط العربى” بدأ استشراف لنهاية امبروطورية النفط العربى بتلاشى الاهمية الاستراتيجية لاقليم الشرق الاوسط، وبالرغم من اهمية الشرق الاوسط بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية بسبب تأثيراتها فى سوق النفط العالمى، ولكن هذه التأثيرات اصبحت تتدرج الى النقصان فى التأثير خلال العقود الماضية الاخيرة.
ميللر حاول بناء رؤية اسشترافية لاهمية الشرق الاوسط ان النفط اصبح بمثابة الاقل اهمية خصوصا فى ظل تقلص اهمية منطقة الشرق الاوسط عند مقارنته بمستويات الانتاج العالمى للنفط.
وخلال العقدين الماضيين كان السوق العالمى لانتاج النفط ومعه تأثير اقليم الشرق الاوسط الجيوستراتيجى مختلفا عنه اليوم من تقلص تلك الاهمية والتأثيرات. واهمية هذا التطور لا يمكن الممبالغة فيه، وهذا التحول فى اهمية النفط واقليم الشرق الاوسط هو بنائى انحدارى فى جيوستراتيجية توازن القوى الاقليمى والعالمى، وهو تطور محورى لا يقل اهمية من انحدار الاتحاد السوفيتى، انه الانهيار وفقدان للقوة واتجاهه نحو الاضمحلال وطىء صفحة اهميتهما كمنطقة لامبروطورية النطفط والتأثير الجيوستراتيجى.
وينصح ميللر ادارته الامريكية بترقب هذا التطور بأن تغير استرتيجيتها الخارجية مرة اخرى لكى تعكسها فى سياستها الخارجية المقبلة، وان تضع هذه الحقائق محل الاختبار فى تعاملها الخارجى. ليس ذلك ولكن عليها النظر الى سقوط وصعود الانظمة السياسية فى الشرق الاوسط وشمال افريقيا وان تضع ذلك فى حسبانها.
وحقيقة تغير المشهد العالمى لسوق النفط وتدنى الاهمية الاستراتيجية لاقليم الشرق الاوسط لا يعنى بالضرورة ان تترك الولايات المتحدة او تتجاهل اقليم الشرق الاوسط فى مصالحها. بكل تأكيد، يستمر ميللر فى تأسيس استشرافه للاقليم ان أمن اسرائيل والسلوك الايرانى سوف يجعل الاقليم ضمن اهتمامات صانعى السياسة الامريكية لامد اطول من الزمن. وسبب ذلك ان الولايات المتحدة الامريكية لها اولويات اكبر من اقليم الشرق الاوسط وهى اوروبا وامنها واسيا اكثر من الشرق الاوسط.
ورؤية ميللر تنطلق من عدة فرضيات وحقائق يراها مقومات اساسية لعقيدته الجديدة نحو اقليم الشرق الاوسط وانحدار الاهمية الاستراتيجية لاقليم الشرق الاوسط:
أولا: طبيعة الكتابات الامريكية والتى اكتسحت وسائل النشر الامريكية ومجلاتها الاستراتيجية والمؤيدة ” للحق لاسرائيلى” والتى تتنبأ بأن مشكل الشرق الاوسط ليس صراعا على النفط ولكنه صراع يعتمد على الانتصار لقيام دولة واحدة او قيام دولتين فى فلسطين، وهو جوهر الصراع، وليس لاهمية الشرق الاوسط او عامل النفط اى دور فى الصراع. ايضا كل التظاهرات التى تجتاح العالم معظمها لانصار قيام دولة واحدة او دولتين، او نشاهد تظاهرات عالمية ضد اسرائيل والحركة الصهيونية او مؤيدة للحق الفلسطينى، ويقدم ميللر نموذجين من التأييد الاولى لسنة 2001 فى دربان جنوب افريقيا ضد اسرائيل والاخرى المظاهرة الدائمة عند انعقاد قمة ايباك الصهيونية فى واشنطون سنويا.
هذه التظاهرات لا تذكر ولا يحمل تفكيرها او شعاراتها اى معنى للنفط او الاهمية الاستراتيجية لاقليم الشرق الاوسط
ثانيا: صعود ظاهرة الاسلام السياسى فى الاقليم كقوة محركة للتوازن الداخلى والاقليمى وايديولوجية تجتاح العالم الان وهى التى أنتجت فى الشرق الاوسط ، وسوف لن يكون للنفط اى تأثير فى صعودها او انحدارها، ومنا فأن انحدار اهمية امبروطورية النفط العربى سوف يؤدى الى انحدار الاسلام السياسى وسوف لن يكون له صدى مع انحدار اهمية اقليم الشرق الاوسط.
ثالثا: اقليم الشرق الاوسط وشمال افريقيا يتحول الى منطقة للعنف والاستبداد المجدد بغطاءات الاسلام والدين، والحروب الداخلية ، وهذه المشهدية تؤثر فى كل شىء من البحر الى الجو واللاجئين والهجرة المتوقعة، وبالتالى الاقليم سوف يكون وبسكانه فى خطر من الانقراض من حيث الاهمية والنفط، والادلة على ذلك لننظر الى حالة الفوضى العارمة فى افغانستان وليبيا ومصر والعراق ولبنان والصومال والسودان.
تعليق على ما سبق:
لتلك الاسباب التى سوقها ميللر لنظرته الاستشرافية لاهمية الشرق الاوسط وامبروطورية النفط العربى نقول هل نصائحه سوف تكون محل ترحاب من الادارة الامريكية وتبنى بعضها؟ نشك فى ذلك ……واذا ذهبنا الى المبرارات التى ادرجها ميللر فى مقالته ومنها انقراض ساكنة الشرق الاوسط وتحوله الى خنادق للفوضى العارمة وتمكن الاسلام السياسى من السيطرة الكلية على نظمه السياسية ، فماذا يريد ان يقول ؟ هل الاقليم قادم على حرب هجومية من الغرب لانهاء الشرق الاوسط من المعادلة البشرية وتهيئتة من خلال الاستعداد لضربة شاملة لاقليم ايران الممتد من اسيا الى البحر الابيض المتوسط وبحر قزوين؟ ومن ثم انهاء صعود ظاهرة الاسلام السياسى فى الاقليم واحالة الاقليم الى حقب المجتمعات البدائية الاولى.
ميللر ورؤيته الاستشرافية قد تكون محل ترحاب منطقى ان بعض مناطق العالم تتبادل الادوار من الناحية الجيوستراتيجية ولكن ذلك لا يسقط تجدد اهميتها وفقا لعوامل جديدة ومتغيرات قد تفرض نفسها فى المستقبل، و فكرته عن انحدار عامل اهمية النفط فى الاقتصاد العالمى تحتاج الى مؤشرات ، بمعنى هل هناك بدائل للنفط العربى ويمكن ان تسهم فى انعاش الاقتصاد العالمى، نُذكر ميللر بالاهمية الجيوسترانيجية لمنفذ جبل طارق العربى، ومنفذ قناة السويس العربى ومنفذ القرن الافريقى العربى ومنفذ الخليج العربى، واذا اغلقت هذه المنافذ العربية فكيف يكون مستقبل الاقتصاد العالمى؟
نقر هنا ان للعلماء فى الولايات المتحدة الامريكية السبق فى تطور الدراسات الاستشرافية والتى تعمل على وضع المؤشرات لعالم قادم وبشكل موضوعى ولكن لخدمة مشروع امتهم فى التوسع والسيطرة والهيمنة، ليس ذلك ولكن لهم المقدرة فى تفسير الواقع الدولى ايضا لخدمة مشروع امتهم!
للمزيد من التعرف على الرؤية الاستشرافية للباحث الامريكى يمكن متابعة نص رؤيته فى مجلة المصلحة القومية، عدد اغسطس –يوليو لسنة 2012:
July/August issue of the National Interest, “The Fading Arab Oil Empire,” Paul D. Miller, assistant professor of international-security studies at the National Defense University
اترك رد