قراءة في المشروع الفكري لفراس السواح*
لم يكن اختيارنا لموضوع الثابت والمتغير في تاريخ الأديان إلا تجسيدا لإحدى أهم ميزات المنهج الفينومينولوجي، ألا وهي “القصدية”، فمطلب الثابت والمتغير لا يفرض نفسه على الباحث في المشروع الفكري لفراس السواح؛ والدليل على ذلك أنه موضوع غير شاخص في مؤلفات هذا المفكر المغمور، الأمر الذي يجعلنا نتيقن قبل الإبحار فيه أن الاشتغال عليه سيكون صعبا للغاية، وذلك لسببين: الأول ذكرناه ويتعلق بعدم شخوصه في فكر فراس السواح والثاني لأنه موضوع يحمل طابعا فلسفيا خالصا. علما أن فراس السواح قدم مشروعا واضح المعالم الوضعية التي سخرت العلوم لدراسة الظاهرة الدينية، لكننا سنطرق باب المسألة الدينية في بعض من مؤلفاته ونحاول قدر المستطاع استنطاق أفكاره من أجل نحت رأي له سيطابق بالمنطق تصوراته.
موضوع الثابت والمتغير في تاريخ الأديان إن وقفنا في ضبطه من وجهة نظر فراس السواح سيكون لا محالة مساحة إضافية تساهم في شرح المسألة الدينية وهي تلاحق تاريخ الإنسان، وأما الهدف من بحثنا في الدين عن الثابت والمتغير فهو بسيط المقصد وهو إبراز الجوهر وتمييزه عن العرض؛ لكن قبل أن نبدأ في معالجة هذا الموضوع يجب علينا إبراز مفهوم الثابت والمتغير، كون هذين المفهومين يأخذان دلالات عدة.
إن الثابت هو المستقر رغم تغير الزمن والمكان وهو المطلق لأنه يتعلق بالكليات لا الجزئيات، وهو الموضوعي المفروض على الإنسان1 فهو في موضوعنا هذا السمة أو الأمر الموجود في كل الأديان منذ بداياتها الأولى إلى آخر دين شمولي عرفته البشرية ألا وهو الإسلام.
أما المتغير فهو المتحول والمتطور الذي يمكن الدين من التنوع. وهو النسبي المتعلق بالجزئيات لا بالكليات2. و هو الذاتي الذي يرتبط بديانة دون أخرى، وهو في موضوعنا ما تطور في الأديان وتحول عبر تاريخها. ونريد أن نشير في هذه النقطة أيضا أننا ملزمون بانتهاج طريقة كرونولوجية تساعدنا على ترتيب الأديان تاريخيا واستقرائها لاكتشاف ما بقي ثابتا فيها وما تطور وتغير تحت تأثير التاريخ.
الثابت في تاريخ الأديان: (المقدس و الدنيوي)
لم نجد أي صعوبة في الوصول إلى فكرتي المقدس والدنيوي كميزة اشتركت فيها كل الأديان بسيطة كانت أو معقدة، وضعية أو سماوية. والحقيقة أن الفرضية الأولى كانت “الألوهة” أي أن فكرة الله أو المعبود هي الفكرة الثابتة في تاريخ الدين لكننا وجدنا فراس السواح يشير إلى بعض الأديان التي تتحدث عن الشرائع دون الألوهة. فالبوذية نظام أخلاقي لا يجبر الإنسان على عبادة إله ما.
ثم كان الفرض الثاني “الشرائع والأخلاق” لكن سرعان ما تبدد لأنه سبق لفراس السواح أن تحدث عنهما كمكونين ثانويين من مكونات الدين. و الثانوي لا يمكن أن يكون المطلق الثابت. حتى اقترن لدينا نصان لفراس السواح في كتاب “دين الإنسان”، من يوثق العلاقة بينهما يدرك أن “المقدس والدنيوي” فكرة تعبر عن الثابت في تاريخ الأديان بالنسبة له.
النص الأول ورد في نهاية مقدمة هذا المؤلف ومفاده : “وإني لأعترف بفضل اثنين من المفكرين زوداني بالإطار الفكري السليم اللازم لإنجاز هذا الكتاب وهما إميل دوركهايم – Emile Durkheim” المفكر وعالم الاجتماع الذي أعطى لدراسة الدين نكهة العلم، “وفريتجوف – Fritjof Capror” الفيزيائي الذي أعطى الفيزياء الحديثة نكهة الحكمة”3
أما النص الثاني فمفاده : “يجد دوركهايم أن كل المعتقدات الدينية بسيطها ومركبها تنطوي على خصيصة عامة مشتركة، فهي تفترض تقسيما لكل الأشياء المنظور منها والغيبي، يضعها في زمرتين، زمرة المقدس وزمرة الدنيوي”4.
و من خلال هذين النصين ركبنا القياس الحملي الآتي : المقدمة الكبرى هي تأثر فراس السواح بأفكار دوركهايم وتبنيها باعتراف منه، والمقدمة الصغرى أن دوركهايم اكتشف الثابت في تاريخ الأديان وهو فكرة المقدس والدنيوي، وأما النتيجة فستكون حتما أن فراس السواح يتبنى أطروحة دوركهايم. و هي أن الثابت في تاريخ الأديان هو تقسيم الوجود إلى زمرتي المقدس والدنيوي. وقد يبدو أن القياس الذي ركبناه سلفا قياسا تم الربط بين مقدمتيه الكبرى والصغرى ونتيجته بشكل تعسفي لكن لدينا دليل قاطع يبرره، فكتاب “دين الإنسان” أخرجه فراس السواح سنة 1994 في طبعته الأولى. و ما يؤكد قياسنا هو أنه في سنة 2000 أخرج مؤلف “الرحمن والشيطان” المعبرة عن “المقدس والمدنس”. بعد أن أشار في كثير من أعماله لعمل اهتم فيه “ميريسيا إلياد” بنفس الفكرة وهي “المقدس والدنيوي”. وعلى هذا الأساس يبقى فقط أن نوضح وجهة نظر فراس السواح حول المقدس والمدنس أو الدنيوي. كثنوية كونية استمرت مع كل الأديان عبر تاريخها. فما المقصود بالمقدس؟ وما المقصود بالدنيوي؟ وما العلاقة بينهما في المنظومة الدينية؟.
أبرز إسقاط قام به فراس السواح لفكرتي المقدس والدنيوي في مشروعه الفكري هو فكرتي اللاهوت والناسوت، فالأول لفظ يعني الخالق والثاني لفظ يعني المخلوق5. وقد وجدنا فيهما دلالة صريحة على المقدس و الدنيوي. وقد ركز فراس السواح في شرحه للعلاقة بين اللاهوت والناسوت على طبيعة كل منهما، فاللاهوت هو عالم غيبي ليس في متناول حواس الإنسان، بل هو عالم لا يدركه حتى العقل وقدراته التجريدية. لذا كان لابد على الإنسان منذ القدم أن يجد تشخيصا لهذا العالم في الوجود الطبيعي الملموس. ولشرح هذه الفكرة يمكن الاستئناس بالمثال الآتي :
إن الإنسان القديم الذي عاش في مرحلة ما قبل التاريخ (الباليوليتي والنيوليتي ) هو أشبه بالطفل المبتدئ بالمعرفة، والدين وعالم اللاهوت أشبه بالرياضيات المجردة فالطفل لا يستطيع الاستغناء عن التشخيص أو محاكاة الوجود في تعلمه للرياضيات المجردة، كاستخدام أصابع اليد في الحساب مثلا. كذلك الإنسان القديم كان يلجأ إلى ربط العلاقة بين اللاهوت والناسوت إذ كان يتخذ من ظواهر الطبيعة تشخيصا للآلهة. وقد تمسك فراس السواح بهذا الشرح لعلاقة المقدس والدنيوي ودافع عنه باعتباره المبدأ الذي يتكرر في كل المنظومات الدينية منذ الأزل إلى يومنا هذا، أي من الديانات البدائية الأكثر بساطة إلى الديانات السماوية الشمولية المعاصرة.
وأما النصوص التي تؤسس لفهمنا هذا فهي عديدة وقد اخترنا أحدها على سبيل المثال لا الحصر وهو الآتي : “فمنذ بزوغ عصر النياندرتال أحس الإنسان في أعماق نفسه وفي آفاق العالم الطبيعي بحضور إلهي كلي ينبئ عن نفسه للمشاعر والأحاسيس قبل العقل وكما يهز هذا الحضور الإلهي أركان النفس بقوة لا نستطيع لها دفعا. كذلك يعبر عن نفسه في شتى مظاهر الطبيعة … ولقد صاغ الإنسان هذا الإحساس في معتقد يقسم الوجود إلى مستويين، مستوى طبيعاني معاين ومستوى قدسي فوق طبيعاني لا مرئي يتخلل بقوته المستوى الأول ويجمعه إليه.”6
أما الكيفية التي تم بها تشخيص المقدس في الدنيوي فالمبحث السابق يجيب وبكل دقة عن هذا التساؤل إذ التشخيص هو مرادف للتمثل. والتمثل الفني للدين كان خير أداة ربط بها الإنسان بين عالمي اللاهوت والناسوت أو بين المقدس والدنيوي. والذي يبرز دور الرسم والنحت كوسيلة لجأ إليها الإنسان القديم للربط بين اللاهوت والناسوت العديد من الآثار المنتشرة في شتى الحضارات والبقاع، ونجد أن الجداريات المتواجدة في العديد من الكهوف إنما صنعت للإنسان القديم كاتدرائيات تعبر عن نقطة تقاطع بين المقدس والدنيوي. ويعبر كذلك هذا التقاطع على ثبات العلاقة بين المقدس والدنيوي إذ ارتبط بالمعتقد الأول للإنسان. وما علينا سوى ملاحقة هذا الارتباط عبر المراحل التاريخية اللاحقة. وقد وجدنا عند فراس السواح نسقية في الأفكار تحمل العقل على الانتقال من فكرة إلى أخرى في مشروعه دون شعور بالتناقض أو التعارض أو حتى عدم الانسجام، فكتاب “الرحمن والشيطان” الذي أخرجه سنة 2000م يجسد علاقة المقدس والدنيوي الذي يأخذ معنى المدنس.
فثنوية الخير المطلق والشر المطلق التي تستمر إلى نهاية التاريخ تناقلتها كل الأديان إذ يحملنا فراس السواح عبر فصول هذا الكتاب إلى استنتاج عام مفاده أن الأديان كلها تضمنت فكرة الصراع بين الخير والشر الذي يمثل العالم (الحياة) مسرحا له إلى نهاية التاريخ إذ يستعرض نماذج عن أبرز الأديان والمعتقدات كالهندوسية والزرادشتية وديانات مصر القديمة لينتقل إلى اليهودية والمسيحية فالإسلام، لكن ما يلفت الانتباه في هذا العمل هو الفصل الثاني بعنوان “المفهوم الديني للتاريخ”7 . وتحليل هذا العنوان يؤكد ثبات العلاقة بين المقدس والدنيوي في تاريخ الأديان لأن التاريخ في الحقيقة يرتبط بوجود الإنسان في العالم، أما المفهوم الديني فهو المقدس، أي أن هذا الفصل يضيف تأكيدا آخر على أن الدين حافظ في مختلف أشكاله على أمر واحد ثابت وهو علاقة المقدس بالدنيوي.
ولم نكن في الحقيقة نتوقع أن فراس السواح سيرقى إلى هذا الحد من اتساق الأفكار عندما وجدنا في هذا الفصل شرحا لأنواع المعتقدات. إذ يشير فراس إلى أنها ثلاثة أنواع:
المعتقد الربوبي.
المعتقد الحلولي.
المعتقد الألوهي.
وأما الفرق بينها فيتحدد على أساس ما يرسمه كل معتقد عن علاقة اللاهوت بالناسوت، فالمعتقد الربوبي يقوم على الفصل التام بين الألوهة والعالم أي بين المقدس والدنيوي. أما المعتقد الحلولي فيقوم على وحدة بينهما أي حلول المقدس في الدنيوي. في حين يقوم المعتقد الألوهي على الفصل والربط بينهما في آن واحد ولا يعد هذا تناقضا بل إن ذلك يؤسس لفهم متكامل. فالله مفارق للعالم و مختلف عنه لأنه الخالق والعالم مخلوق. و في نفس الوقت الله حاضر على الدوام يسير الخلق بعناية في كل هبة ريح وتنفس أي كائن وميلاده و موته8.
ولو قمنا بملاحقة فكرة “المقدس و الدنيوي” عبر تاريخ الأديان في الفكر الثيولوجي الذي تطور بتراكم التصورات الدينية. لوجدنا أن أول مرحلة هي عصر الباليوليت أو ما يصطلح عليه بالعصر الحجري الذي قسمه فراس السواح إلى ثلاث مراحل هي : الباليوليت الأدنى والأوسط والأعلى.
ورغم افتقار العصر الحجري الأدنى للشواهد التاريخية إلا أن فراس السواح يعتبره القاع السحيق للثقافة الإنسانية عامة و في شقها الديني خاصة، دليله في ذلك التطور النسبي للحياة الروحية في العصر الحجري الأوسط والذي لا يمكن أن يكون دون وجود معطيات قدمها له العصر الحجري الأدنى. وأما ملامح هذا التطور النسبي تظهر خاصة على مستوى طقوس دفن الموتى التي استفاض فراس السواح في شرحها معتمدا على ما قدمته الأبحاث الأركيولوجية. و أهم ما لفت انتباهنا هو استخدام الإنسان في هذا العصر للقرابين، فذبح الحيوان اقترن بعملية الدفن.
أما تفسير ذلك من وجهة نظر فراس السواح فهو الاستعانة بالدم لتسهيل انتقال الروح من العالم المادي إلى العالم الآخر، وهذه النقطة تستوجب التأمل لأنها أول تجسد أو تمثل لفكرة “المقدس والدنيوي” في تاريخ الأديان. ولم تمر هذه النقطة على فراس السواح دون ربط علاقتها بالثابت في تاريخ الأديان وهو “المقدس والدنيوي”. فعلق عليها بقوله : “فلقد اعتقد الإنسان النياندرتالي، وكما تظهر مخلفات مدافنه. بوجود عالمين متوازيين ومتبادلين في التأثير، يشكلان وحدة متكاملة تضم الوجود بأسره، فعالم يراه ويعيشه بحواسه، وعالم لا يراه رغم تأثيره فيه وفعاليته في عالمه، وهو يرحل بين هذين العالمين عبر برزخ الموت … ولسوف أطلق على هذين العالمين منذ الآن اسم “عالم اللاهوت” وعالم الناسوت”9.
ومن خلال هذا النص يمكن الحكم على العصر الباليوليتي الأوسط أنه العصر الذي شهد ميلاد فكرة المقدس والدنيوي. التي تعبر في الحقيقة عن تلك العلاقة العمودية بين العالمين الأعلى والأسفل أو الإلهي الخالص والدنيوي المدنس، والذي تبلور في القرن الرابع قبل الميلاد في ميثالية أفلاطون المميزة بين عالم المثل والعالم الحسي.
لكن ما يجب أن نلفت النظر إليه في هذه النقطة التي تعتبر بحق منبع الحياة الروحية للإنسان هو سؤال جوهري لا مندوحة من طرحه كي يكتمل المشهد. سؤال مفاده : ما محل الإنسان من معادلة المقدس والدنيوي؟ أو كيف تعامل الإنسان مع هذه الفكرة آنذاك؟
هذا السؤال تجيب عليه المرحلة الثالثة من مراحل العصر الباليوليتي وهي عصر الباليوليت الأعلى، الذي شهد ما يصطلح عليه بالإنسان العاقل “Homosapin” بداية حوالي القرن 33 ق. فالإنسان في هذا العصر أدرك الحس الجمالي الذي مكنه من ممارسة التصوير الجداري على الكهوف التي يصطلح عليها فراس السواح باسم “كاتدرائيات الأعماق”10. وبتحليل منطقي يصل فراس السواح بالعقل في مشروعه الفكري إلى التسليم بفكرة أن الإنسان حاول من خلال هذه الرسومات التواصل مع العالم اللامرئي باستخدام صور حيوانات لم تقصد لذاتها. فرمزية الحيوان في هذه الرسوم تشير إلى ما وراء الطبيعة. و نجد أن هذا غاية في الاتساق المنطقي لأن هذا الحيوان هو في الحقيقة طريدة الإنسان الذي أتقن الصيد آنذاك. فلا يمكن أن يقدسه لذاته بل اتخذه رمزا فقط ومن أجل فهم هذه الفكرة كنا قد مهدنا لها سلفا في التمثل الفني أو الجمالي للدين.
و ما نريد أن نصل إليه من خلال كل ما سبق هو أن فكرة “المقدس والدنيوي” لا تعني في الحقيقة ثنوية كونية بل بالبحث عن محل إعراب الإنسان منها يظهر أنها تتضمن فكرة الإنسان وبشكل مضمر غير شاخص وما يثمن هذا التصور النص الآتي لفراس السواح : “… إلا أن مجال البحث سوف يتسع ليشمل ما يمكن أن ندعوه بلاهوت التاريخ، أي الاعتقاد بأن سيرورة الزمن الدنيوي وفعالية الإنسان فيه هما ناتج لتدخل المشيئة الإلهية وتكشف عن القصد الإلهي في عالم البشر والمادة … و طبيعة فهمه لله والعالم والإنسان وللعلاقة بين أركان هذا الثالوث الذي تدور حوله كل الإيديولوجيات الدينية”11.
والمقصود هو أن فكرة “المقدس والدنيوي” التي تعبر عن الثابت في كل الأديان عبر التاريخ تستحضر الإنسان في جدليتها باعتباره نقطة تقاطع بين طرفي الثابت و المتغير وهما المقدس والدنيوي. فهو الكائن الوحيد في العالم الدنيوي القادر على الارتقاء بتفكيره إلى العالم الآخر. وهذا التحليل يثمن تصور فراس السواح الذي ربط الدين بالإنسان العاقل أو ما يصطلح عليه بـ : “Homo Sapin” الذي يؤرخ له في العصر الباليوليتي الأوسط.
أما المرحلة الثانية بعد العصر الباليوليتي فهي عصر النيوليت أو العصر الحجري الحديث الذي يؤرخ له مع بداية الألف الثامن قبل الميلاد. والذي شهد ما يسمى بالحياة المستقرة للإنسان الذي أصبح ينتج قوته بالزراعة وتربية الحيوان وهو عصر انتقلت فيه الحضارة البشرية إلى الشرق (فلسطين ، سورية، العراق) وقد تميز هذا العصر بالرسم الجداري والنحت اللذان يعتبران امتدادا لعصر الباليوليت الأعلى. وقد حافظ الدين في المعتقد النيوليتي على الثابت وهو المقدس والدنيوي وأما ثالثهما وهو الإنسان فقد ارتقى في الربط بينهما إذ أصبح مستقرا في حياته الاقتصادية والاجتماعية. و تطور أو ارتقاء الربط بينهما إنما نقصد به تطورا على مستوى الطقوس التي بنى لها مساكن فكان هذا العصر هو العصر الذي شهد ميلاد المعابد.
أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة بداية التاريخ باعتبار المرحلتين السابقتين تعبران عن ما قبل التاريخ. وهذه المرحلة “الثالثة” هي المرحلة التي سيظهر فيها المعتقد الطوطمي في “أستراليا” باعتبارها مهد الشعوب البدائية. و الطوطمية تقوم على تقديس مخلوق طبيعي يكون في الغالب حيوانا أو نباتا، ولا يقدس المخلوق لذاته بل يتخذ فقط كرمز للقبيلة أو العشيرة فلا تشاركهم فيه عشائر أخرى12 ومن هنا يتضح أن المبدأ الطوطمي كان له أثر بالغ في التنظيم الاجتماعي وحفظ الأنساب والأعراق البشرية.
أما الكيفية التي يتواصل بها حضور الثابت في تاريخ الأديان وهو فكرة المقدس والدنيوي فهو “التشورينغا”. والمقصود بهذا المصطلح أداة كان يستخدمها الأستراليون في طقوسهم وهي عبارة عن قطعة خشبية أو حجرية يتم صقلها لتأخذ في الغالب شكلا بيضويا أو مستطيلا ثم تحفر عليها صورة الطوطم13. ولهذا السبب تمتلك “التشورينغا” قداسة عند أفراد العشيرة حتى أن ضياعها وتدنيسها أو التفريط في احترامها يعرض العشيرة للمصائب والفواجع.
لكن ما يهمنا هو أن “التشورينغا” في الحقيقة لا تختلف عن أي خشب أو حجر متوفر في محيط العشيرة الطبيعي، لكن ما يميزها هو القداسة التي منحتها لها شارة الطوطم المحفورة عليها. أي أن “التشورينغا” هي شيء دنيوي تم تقديسه وبذلك استمرت فكرة المقدس والدنيوي حضورا في دين الإنسان البدائي. ولا يجب اعتبار الطوطمية شكلا من أشكال عبادة الحيوان فهذا فهم خاطىء وشائع، فالطوطم لم يؤله يوما. وقد ركز فراس السواح على هذه الفكرة التي يحاول من خلالها إبراز أن الطوطم لم يكن سوى تجسيدا لقوة غير مرئية تحكم العالم و الإنسان يسميها “قوة غفلة”. لأنها غير مشخصة بلا اسم وبلا تاريخ وبلا حياة. وفي هذا السياق يمكن الاستئناس بالنص الآتي : “وقد عمد الأسترالي إلى تجسيد هذه القوة الغفلة، من خلال موضوع مرئي مأخوذ من عالم النبات أو الحيوان، وهذا هو الطوطم الذي يعبر من خلال شكله المادي عن الجوهر غير المادي، عن تلك الطاقة المنبثة في كل شيء والجديرة وحدها بالعبادة والتقديس.”14.
كما استمر الثابت في تاريخ الأديان أي فكرة المقدس والدنيوي عبر كل الأديان اللاحقة وستكون المرحلة الرابعة في ملاحقتنا لهذا الموضوع ديانات الشرق الأقصى. وبما أن هذه الديانات تميزت بالتعدد والتنوع سنأخذ قطبين هامين منها وهما الكنفشيوسية و التاوية. “فكنفوشيوس” الذي وصفه فراس السواح بالعقل الأكثر تأثيرا في الصين القديمة يرى أن إرادة السماء إنما تعمل من خلال العناية بنظام الطبيعة، والإنسان كموجود من موجودات الطبيعة يمكن أن ينسجم مع إرادة السماء عن طريقة النظام الأخلاقي15. هنا يتمظهر مرة أخرى الثابت في تاريخ الأديان “المقدس والدنيوي” وثالثهما وهو الإنسان الذي اعتبرناه سلفا نقطة تقاطع بينهما. كونه الكائن الوحيد القادر عن التدين، وأما التاوية التي أسسها “لاوتسي” فقد تركت لنا كتابا يحفظ أفكارها وهو “التاو”. كتاب يحاول من خلاله لاوتسي إعطاء الحكمة للإنسان حتى يستطيع فهم متغيرات الوجود. والفهم غير ممكن دون إدراك الأرضية الثابتة التي يحدث عليها المتغير التي بدونها سيتحول التغير إلى فوضى. و على سبيل المثال يمكن فهم تغير الفصول على أرضية النظام الكوني الثابت وهو دوران الأرض على الشمس.
هذه الأرضية الثابتة هي “التاو” وبما أن هذا الأخير هو رمز الثابت كان لابد أن نجد فيه ضالتنا وهي فكرة “المقدس والدنيوي” الثابت في تاريخ الأديان. ثم الإنسان الذي يشكل النقطة الثالثة كي يكتمل المثلث الديني بثنويته الكونية والإنسان. وقد ورد في هذا السياق لفراس السواح النص الآتي : “وبهذه الطريقة يغدو الإنسان مرتبطا بالسماء التي تؤلف عالم الأفكار فوق الحسي، وبالأرض التي تؤلف عالم المادة الحسي ويشكل معهما مثلث قوة.”16، ويقصد فراس السواح بقوله : “وبهذه الطريقة” أي الطريقة التاوية لأن “التاو” يعني أيضا الطريق أو المنهج في الحياة. وقد استعان فراس أيضا بنصوص من كتاب “التاو” وجدنا فيها ما يخدم موضوعنا، وأبرز ما وجدناه الموضوع الآتي :
“هناك شيء بلا شكل
موجود قبل السماء والأرض
صامت وفارغ
قائم بنفسه لا يحول
شأنه الدوران بلا كلل
مؤهل لأمومة هذا العالم
لا أعرف اسمه فأدعوه، التاو
لا أستطيع وصفه فأقول، عظيم17
يتجلى في هذا النص وبشكل واضح تركيز “لاوتسي” في كتاب “التاو” الذي يعتبر النص المرجعي للديانة التاوية على فكرتي المقدس أي التاو والدنيوي أي العالم. فالتاو هو المتحكم في الوجود، المسير له، المتحكم في تغيراته بل هو موجده.
سنختتم هذه الملاحقة بالأديان الشمولية وهي الأديان السماوية الثلاثة (اليهودية والمسيحية والإسلام). فكلها حافظت على الفكرة الثابتة في تاريخ الأديان “المقدس والدنيوي”. فاليهودية نشأت بعقد بين الإله “يهوه” والأب الأول لبني إسرائيل وهو إبراهيم عليه السلام. وأما مضمون العقد فيؤكد استمرار الثابت في هذا الدين الشمولي القائم على التوحيد. فالعقد يلزم إبراهيم بعبادة “يهوه” هو وأولاده أي نسله من بني إسرائيل والمقابل هو مساعدة “يهوه” لبني إسرائيل في استرجاع أرضهم المسلوبة وهي أرض كنعان. فالعقد إذا يتأسس على عهد بين الإنسان والله ومضمون العهد هو الدنيوي وهو الأرض المسلوبة. و قد استعان فراس السواح في شرح العهد بنص من العهد القديم و هو الآتي: “و أقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك في أجيالهم عهدا أبديا، لأكون إلها لك ولنسلك من بعدك، وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك. كل أرض كنعان ملكا أبديا، وأكون إلههم”18
أما المسيحية فلم تخرج عن نفس النظام وهو الثابت الذي يوثق دائما بين الثنوية الكونية “المقدس والدنيوي” وثالثهما الإنسان. ويتجسد هذا الثالوث في وصف فراس السواح لميلاد المسيح عليه السلام بقوله : “وقع الحدث الذي هو بؤرة الزمن، لقد ولدت العذراء ابنا فالتقت هذه السرمدية بالزمن، لأنه إله حقيقي وإنسان حقيقي، وهنا تتابع الأدبيات غير الرسمية وصف الحدث بالطريقة الملحمية المعتادة في الأدبيات الدينية الأخرى. فعند ولادة يسوع هدأت الطبيعة وكأنما سكن نبضها لوهلة وسرى في أرجائها وحي ينبئ كل عناصرها بأن الكلمة قد تجسدت في الزمن وفي التاريخ”19. وفي هذا النص يبرز تعبير فراس السواح عن المقدس والدنيوي في المسيحية وثالثهما الإنسان من خلال وصفه لميلاد المسيح عليه السلام، إذ وصفه بنقطة التقاء السرمدية بالزمن علما أن السرمدية هي دلالة على المقدس الأزلي. والزمن هو دلالة على الدنيوي الذي مآله الفناء، أما الإنسان فهو المسيح عليه السلام الذي أخذ هيئة البشر وهو مخلصهم في نهاية التاريخ بالرواية المسيحية.
أما الإسلام، وهو آخر الأديان السماوية فقد استمرت معه الفكرة نفسها وهي المقدس والدنيوي وقد اعتمد فراس السواح في حديثه عن الإسلام على “الصوفية”. ونظن أن ذلك مرده لسببين الأول هو زخم الثقافة السورية وثراؤها الصوفي، وأما الثاني فهو فرضي فقط نؤجل الحديث فيه للفصل اللاحق النقدي، و هو اللجوء إلى شكل من أشكال العبثية الفكرية. ويركز فراس في تصوراته على أفكار “بن عربي” و”الجيلي” وقد انتهى به المطاف في فهم الصوفية إلى الوقوف على فهمها وتصورها “لله”. فالله هو خالق الكون، و بعد الخلق يكتمل فهمنا للألوهية التي تعني علاقة بين المقدس والدنيوي. والذي يثمن هذه القراءة قول فراس السواح: “فالألوهية والحالة هذه هي برزخ بين الذات الكامنة والخلق الذي يصدر عنها، إنها مرتبة الذات من حيث كونها إلها يعبد ويقدس”20.
ومن خلال هذا النص يظهر أن الإسلام كدين توحيد يقدم تصورا لله على أنه الخالق، العدل، الرحمن، وهي كلها صفات تبرز علاقته جل جلاله بمخلوقاته. أي علاقة المقدس بالدنيوي، التي يجب على الإنسان إدراكها.
وفي آخر هذه الخطوة أردنا أن نثمن كل ما سبق بأسماء الآلهة في تاريخ الأديان وعلاقتها بالدنيوي، الأمر الذي يضيف لتصور فراس السواح المشروعية، وقد ارتأينا أن نصوغ ذلك في الجدول الآتي :
الآلهة (المقدس) |
الدنيوي (المدنس) |
آبسو |
أحد الآلهة الثلاثة البدائية، تنحدر منها جميع الآلهة في الأسطورة البابلية، كما تشكلت منها المادة الأساسية للكون فآبسو هو الماء العذب البدائي. |
تعامة |
زوجة آبسو، وهي إلهة الماء المالح مزج مياهها مع آبسو. |
ممو |
الإله الثالث، وهو إلى الضباب المنبعث من آبسو وتعامة. |
أدونيس |
هو اسم آخر للإله السوري “بعل” إله المطر والسحاب و البرق. وكل مظاهر الخصب الأخرى. |
أنكي |
هو إله المياه الباطنية العذبة عند البابليين وهو قاتل الإله آبسو. |
إنانا |
إلهة الحب والخصب عند السومريين، وبها ارتبطت مظاهر تبدل الطبيعة، فهي التي أشاعت النظام في الطبيعة. |
إيرا |
إله الطاعون و الأوبئة الفتاكة والدمار لدى البابليين. |
إيل |
إله السماء لدى السوريين. |
أوتو |
إله الشمس لدى السومريين وهو ابن القمر “سن” وحفيده “إنليل” الهواء. |
أريشكيجال |
إلهة العالم الأسفل في بلاد الرافدين، كانت من قبل فتاة جميله وإلهة سماوية. ولكن الإله “كور” وحش العالم الأسفل اختطفها لتعيش معه هناك. |
بارات |
إلهة مدينة بيروت الفينيقية، وهي أحد أشكال الإلهة عشتاروت. |
داجون |
والد الإلهة “بعل” وهو في أصله إله زراعي لكنه تحول إلى إله بحري. |
موت |
إله الحرارة والجفاف والعالم الأسفل عند الكنعانيين. |
نتخرساج |
الأرض-الأم لدى البابليين انبثق عنها كل الأحياء من بشر و نبات و حيوان. |
ننورتا |
ابن الإله “انليل” وهو إله الرياح الجنوبية العاصفة. |
ترجال |
زوج “أريشكيجال” يحكم معها مملكة الموتى. |
نيسابا |
إله المحاصيل عند البابليين. |
الله |
رب السماوات و الأرض وما بينهما. |
نستنتج أن المقدس والدنيوي عند فراس السواح مصطلحان متلازمان لا يمكن فهم أي منهما دون الآخر، متداخلان في كل المنظومات الدينية. فالمقدس هو الذي لا يقبل الانتهاك وهو ما جعله الدين موضوع احترام. وقد لا نجد مؤلفا يساعدنا على فهم هذين المصطلحين كالذي قدمه “ميرسيا إلياد” وهو مؤلف “المقدس والمدنس” وفيه يعرف إلياد المقدس بأنه المعارض للمدنس الدنيوي، بمعنى أن المقدس صعب أو عصي على الفهم كمفهوم. ولعل هذا التعريف يستند على فكرة قدمها “رودلف أوتو” (Rodolf. O) ترى أن المقدس المتميز بالمطلقية ينفلت من وعي الإنسان وبما أن اللغة ما هي إلا أداة العقل فهي عاجزة عن الإحاطة بالمقدس21.
لذلك لم يجد ميرسيا إلياد من ملجأ سوى استخدام مفهوم “التجلي”، فالمقدس عظيم لا يمكن لوعي الإنسان أن يحيطه، لكن يستطيع الاتصال به عن طريق الدنيوي الذي يتجلى فيه، ورغم ما يحمله هذا التجلي من تناقض أو تنافر، يبقى المقدس والدنيوي بالنسبة إلينا مفهومين متلازمين ومتعارضين. متلازمين لأن الخالق يفضي بالضرورة إلى المخلوق، ومتعارضين لأن المقدس يناقض الدنيوي كتناقض الحقيقي و اللا حقيقي، أو الحقيقي والمزيف22. أما فراس السواح فيبرز تصوره للمقدس والدنيوي أو المدنس من خلال مؤلفين اخترناهما من بين مؤلفاته كلها وهما “التاو” و”الرحمن والشيطان”.
ففي المؤلف الأول يتجلى تصور فراس السواح لهذين المفهومين من خلال شرحه لمعنى “اليانغ” و”الين”، فهما القوتان المحركتان للعالم أو الوجود البشري خاصة، هما على التوالي الموجب والسالب أو الخير والشر أو النور والظلام أو الحياة والموت أو الذكر و الأنثى أو السماء والأرض. وحتى يتضح هذا المفهوم تم تمثيلهما بصريا على شكل دائرة تحتوي على مساحتين بيضاء وسوداء. قد يبدو لأول وهلة أن المساحة البيضاء هي المقدس والمساحة السوداء هي الدنيوي. لكن هذا الفهم خاطئ لأن فراس السواح قدم قراءة لهذه الصورة. ولم نشأ شرحها بل رأينا عرض النص كما هو ثم نعلق عليه.
“… فالدائرة هي المبدأ الأول قبل ظهور الموجودات، وهي القاع الكلي الثابت قبل ظهور التغيرات. لأنه لابد لكل متغير من مرجعية ثابتة تعمل على إظهاره. وتكون بمثابة الخلفية اليت تنتظم فوقها المظاهر المتحولة، وتتبادل فيما بينها العلائق …”23.
ومنه ففراس السواح يرى أن المقدس هو الدائرة التي تحيط بقطبي الوجود “الخير والشر”، ويعني ذلك أن الدنيوي لا يحب أن ينعت بالمدنس فهو لا يرادفه حسب فراس السواح لأن الدنيوي فيه الخير والشر (الدنيوي هو ما يقع داخل الدائرة الأسود والأبيض)، وفعلا لم نجد في استخدامات فراس السواح سوى مفهوم “الدنيوي” ولا نجد قط مفهوم “المدنس”. و الدنيوي المكون من تعارض قطبين موجب وسالب، فهو نسبي لأن الأبيض به نقطة سوداء، أي أنه ليس بالأبيض الخالص والأسود به نقطة بيضاء لأنه ليس بالأسود الخالص أي أن الدنيوي مهما كان فهو نسبي. تدعى هذه الدائرة “التاو”24.
ما يؤكد هذا التصور – إحاطة المقدس بقطبية الدنيوي – هو مفهوم الثنوية الكونية. أما الفرق بين القطبية و الثنوية فهو الفرق بين التنافر من أجل التكامل والتناقض المفضي للصراع. هذا الأخير هو الذي يتجسد في فكرتي الرحمن والشيطان. وقد يبدو أن الأمر يختلط عند فراس السواح. إذ مفهوم الثنوية الكونية يعيدنا إلى مفهومي المقدس والمدنس لا الدنيوي. لكن الثنوية مفهوم يأخذ أربع دلالات وهي :
الثنوية المطلقة : المبدآن أزليان مستقلان لكل منهما عالمه (المانوية).
الثنوية الجذرية : المبدآن حادثان تولدا عن الإله الأزلي (الزرادشتية).
الثنوية المعتدلة : مبدأ الخير هو من خلق مبدأ الشر (الغنوصية).
الثنوية الأخلاقية : الإنسان هو نقطة التقاطع بينهما (الإسلام والمسيحية).
عندئذ ندرك أن فراس السواح يربط بين المفهوم والمعتقد أي بين مفهوم المقدس والدنيوي وبين المعتقد الذي يتغير من منظومة دينية لأخرى، هنا يجب أن نشير إلى نقطة مهمة وهي أن مفهوم “المقدس” يتضمن معنى المفعول به أي الذي وقع عليه معنى التقديس أما “القدسي” فهو الذي امتلك القداسة بشكل أزلي. عندئذ يجب التمييز بين الله والخير أي “التاو” و”البياض” بالمفهوم الصيني القديم، أما الدنيوي فهو الطبيعة التي يعتبر الإنسان بؤرتها، الذي يقوم بفعل التقديس باعتباره الكائن الوحيد المتدين. وبكل تواضع معرفي سنحاول إبراز هذا التصور في الفصل اللاحق، كفكرة لم نجدها في القراءات السابقة سواء عند فراس أو غيره من الذين اعتمدنا عليهم في فهم زمرتي الوجود “القدسي والدنيوي”.
نستنتج أن “القدسي والدنيوي” فكرة لاحقت الأديان كلها، ورغم اختلاف المعتقدات في تصورها إلا أنها حافظت عليها باعتبارها الثابت في تاريخ كل المنظومات الدينية التي عرفها الإنسان عبر التاريخ كله.
المتغير في تاريخ الأديان :
المتغير في تاريخ الأديان مطلب يختلف كليا عن سابقه وهو الثابت “القدسي والدنيوي”، لأن المتغير هو النسبي المتحول لكن المتغير بالمفرد يضمن الحضور الدائم في أشكال مختلفة. والمتغير في تاريخ الأديان هو حتما ما يميز كل منظومة دينية عن أخرى. فبعد أن توحدت الأديان كلها حول فكرة الثابت وهو تقسيم الوجود لزمرتي القدسي والدنيوي ستختلف لتتمايز، أما ما يميزها فهو حاضر دائما في كل الأديان لكن بشكل مختلف دائما أي أنه المتحول.
وقد يحيلنا هذا المطلب أيضا لدراسة كرونولوجية تحتم علينا ملاحقة الفكر الديني عبر التاريخ والبحث فيه عن دائم الحضور المتغير في شكل حضوره من دين لآخر، فما هو إذا ؟. إن فراس السواح لم يجهر في أي من دراساته بموضوع المتغير في تاريخ الأديان، وقد سبق أن أشرنا في توطئة هذا المطلب –الثابت والمتغير- على أنه غير شاخص في المشروع الفكري لفراس لكن بالتحليل نستطيع إبراز فكرة المتغير في تاريخ الأديان عنده لا محالة ولا يجب أن نخفي للأمانة العلمية والأكاديمية – التي نعتبرها خطوطا حمراء لا يجب تجاوزها – أننا سنلجأ إلى نوع من الاستنطاق لأن نصوص فراس السواح كما سبق وأن قلنا لا يقدم لنا هذا المطلب جاهزا. نقول هذا لأن البحث عن اللامنطوق في نص فراس السواح هو أقرب إلى التلفيق الذي لا نرغب أن ننعت به.
أول النصوص التي أردناها أن تكون البداية هي النص الآتي : “وبعد، لقد كانت السيدة مريم العذراء آخر تجل للألوهة المؤنثة في ضمير الإنسان، ويبدو أنها باقية معه على مر الأزمان”25. كان هذا آخر سطر من مؤلف لغز عشتار، الذي بحث فيه فراس عن الأسطورة الأولى “عشتاروت”، وما يهمنا من هذا النص مقطعه “آخر تجل”، والذي يدل على أن عشتار امتلكت تجليات عدة. حتى قادنا هذا الاستنطاق إلى اكتشاف المتغير في تاريخ الأديان حسب فراس السواح وهو التجلي (AVATAR)، فقررنا أن نتأكد من ذلك بالعودة إلى ميرسيا إلياد في مؤلفه “المقدس والمدنس”. وبدون أدنى صعوبة وقفنا على النص الآتي: “يأخذ الإنسان علمه عن المقدس لأن هذا يظهر ويبدو كشيء مخالف تماما للدنيوي. ولترجمة عمل هذا المظهر للمقدس عرضنا مصطلح التجلي “26.
وفي هذا النص أكد لنا ميريسيا إلياد أن العلاقة بين المقدس والدنيوي قد تأخذ شكل تداخل عن طريق التجلي. و من كل ما سبق أصبح الأمر لا يقبل الشك، ونقصد أن المتغير في تاريخ الأديان هو التجلي الذي يأخذه المقدس في الدنيوي، فالأديان كلها إذا تقسم العالم إلى زمرتي المقدس والدنيوي، لكنها تختلف في تجلي المقدس في الدنيوي، فما المقصود “بالتجلي” ؟.
إن التجلي أو “AVATAR” قريب جدا من مفهوم استخدمناه سابقا وهو “التمثل”، فالتجلي عند لالاند هو لفظ سانسكريتي يعني النزول. وبالمجاز تستخدم للدلالة على التجسد27. وفعلا يلائم هذا المعنى علاقة المقدس بالدنيوي لأن المقدس عندما يتمظهر في الدنيوي يعد ذلك نزولا أو تجليا. لأنه أرفع منه شأنا و قيمة. ولا يجهل أحد قيمة مفهوم التجلي في الفكر الصوفي. وهذا أمر سنعود إليه في خاتمة هذا المطلب، بعد أن نوضح فكرة التجلي من خلال ثلاث جزئيات هي :
التجلي والأسطورة (عشتار نموذجا).
التجلي و الطوطم.
التجلي والخلق.
وسيكون دائما الهدف واحد وهو إبراز تغير التجلي في المعتقدات المختلفة.
التجلي وأسطورة عشتار :
بالنسبة للأسطورة “عشتار” التي عرفت أشكالا عدة في ديانات اتخذت من الأنوثة إله. يعتبر “التجلي” هو مربط الفرس في لغز عشتار فمن يريد فهم قصة عشتار يجب أن يفهم أولا تجلياتها المختلفة أو المتغيرة من منظومة دينية لأخرى. وقد وقع اختيارنا على “عشتار” (المقدس) كنموذج لأنها حسب فراس السواح أول إله عبده الإنسان28. وحتى يسهل علينا الأمر سنلجأ إلى طريقة تلخص موضوع عشتار وتجلياتها في المنظومات الدينية القديمة.
أ- عشتار القمر :
إن عشتار الإله الأول المعبود هي المقدس الذي ما كان الإنسان قادرا على إدراكها دون تجل لها أو نزول في الدنيوي المحسوس. مثلما لا يستطيع الطفل إدراك المجرد الرياضي دون تجسيد مادي محسوس، وقد كان القمر أول تجلياتها حسب فراس السواح، وأما الحضارة التي شهدت هذا التجلي فهي الحضارة “السومرية”، ويتأكد ذلك حسبه في أسطورة هبوط “إنانا” إلى العالم الأسفل تاركة عالمها السماوي. وأسطورة “هبوط إنانا” هي أسطورة سومرية قديمة تعتبر إلى اليوم من أروع الأساطير البشرية على الإطلاق، و “إنانا” هي نفسها عشتار29.
أما أنوثة القمر فذلك أمر يعود إلى علاقة حياة المرأة عموما بالقمر، فالمرأة لها حياة قمرية30. فهي مرتبطة بدورة شهرية معادلة لدورة القمر وهنا قد يسأل القارئ لماذا القمر بالضبط؟ فنقول أن لتجلي الأول أحذ صورة القمر لأن هذا الأخير نقي مضيء بعيد عن دنس الأرض اعتبره الإنسان مناسبا للمقدس المحترم.
ب- عشتار الخضراء :
إن التجلي الثاني لعشتار هو النبات رمز الحياة، لأن الأرض حسب الفكر القديم تموت في الخريف والشتاء لتحيا من جديد في الربيع. وقد اقترن الاعتقاد بالتجلي في الشجرة في الكثير من المنظومات الدينية، “فأدونيس” إلى حسب الأساطير السورية القديمة ولد من شجرة وهذه الشجرة لم تكن سوى عشتار31. كما تجلت عشتار في صورة القمح فالسنبلة تجل آخر لعشتار، وربما يعود ذلك لدور المرأة في اكتشاف الزراعة في المجتمعات الأميسية القديمة.
جـ- عشتار شعلة النار :
إن المعابد تحرص على إبقاء شعلة النار مضيئة وحتى الدهماء عندنا في زيارتها لضريح الولي الصالح تشعل شمعة. ويعود معتقد قداسة الشعلة إلى أسطورة قديمة تحكي أن النار الأولى جاءت من القمر بفضل عشتار32. وربما يعود ذلك إلى الطمأنينة التي كانت تقدمها النار للإنسان القديم. ففي الليل يزداد شعورنا بالخوف الذي يتبدد بمجرد أن توجد نار تمنح الضياء. لذلك كان الإنسان القديم يستأنس بها، وقد وجدنا في النار نصا يؤكد فكرة التجلي مفاده : “وقد بلغ تقديس النار أوجه في الديانة الزرادشتية التي كان أتباعها يعبدون النار باعتبارها التجلي الحقيقي بالآلهة أهورامزدا”33.
د- عشتار الحيوان :
الأفعى أبرز التجليات الحيوانية للأم الكبرى عشتار، إما لهيبة الإنسان من هذا الحيوان وإما لأنه كان يجد في سمها شفاء من المرض القاتل لذلك منحها قداسة فتجلت عشتار في صورة الأفعى34. كما نجد في الطوطمية غالبا تجليا للمقدس في الصورة الحيوانية، نفس الأمر نلمسه في تقديم القرابين الحيوانية تقربا من “قوة الغفلة” المجهولة لاسترضائها وطلب معونتها وتجنبا لغضبها. يركز فراس السواح في العهد الجديد على حادثة البشارة عندما هبط الملاك يبشر مريم بمولودها، فالروح القدس عندما هبط إلى مريم تجلى في صورة الحمامة البيضاء. كما يعتبرها التوراة رمز الحياة بعد أن هدأ الطوفان، فهي التي عادت إلى نوح بغصن الزيتون.
هـ- عشتار الإنسان :
حتى الإنسان كان صورة للتجلي، فالمقدس (عشتار) أخذ أشكال الإنسان ليتجلى فيها كمريم العذراء أو المسيح الابن المخلص، فالأسطورة دائما كانت تخلد الأسلاف حتى أصبحوا بعد عصور أشخاصا مقدسون لينتهوا في الأخير إلى آلهة، وفي كتاب “دين الإنسان” نجد عنوانا يتناول فكرة أصل الآلهة35. وربما يكون ذلك راجع إلى رفض الإنسان لفكرة الموت على أنها النهاية. لأن التجلي هذه المرة يعطي للإنسان الاستمرارية والخلود، كما نجد في الأساطير اليونانية أن “أخيل” المقاتل الرمز هو ابن إلهة المياه التي حملته من عقبيه وأدخلته في النهر المقدس، وتستمر الأسطورة المقدسة للبشر عندما تمنح للفقيه أو الراهب قداسة أو احتراما. ولم تكن هذه التجليات كل الصور التي عبر عنها فراس السواح في كتابه لغز عشتار بل نحن أخذنا البعض منها على سبيل المثال لا الحصر. لنستنتج أن عشتار “المقدس” تغيرت تجلياتها من منظومة دينية لأخرى، فصورتها الدنيوية كانت دائمة التغير، لتؤكد أن علاقة المقدس بالدنيوي هي علاقة تجلي تعبر عن نزول المقدس في الدنيوي بشكل لم تتفق عليه كل المعتقدات والأديان. بل التجلي (Avatar) كان متغيرا من دين لآخر.
التجلي والطوطم :
أكد “لالاند” أن الطوطم يعني الحرام أو المستحرم، كما أكد أن الطوطم اتخذ رمزا للعشيرة أو القبيلة، بمعنى أن الطوطم يتغير من زمرة اجتماعية في شكلها البدائي إلى أخرى36. وهذا ما يؤكد ثانية أن التجلي هو المتغير في تاريخ الأديان، باعتبار الطوطم من أقدم التجليات التي اتخذها المقدس في علاقته بالدنيوي. لكن الخطأ الشائع هو اعتبار الطوطم معبودا اتخذته القبائل فيقال أن القوم يعبدون الحيوان الفلاني أو النبات الفلاني.
لكن فراس السواح يؤكد أن الطوطم لم يعبد يوما، فرغم القداسة التي كانت تمنح للطبيعي (حيوان أو نبات)، إلا أن القداسة لم تكن تتجاوز صورة الطبيعي، مثال ذلك: لو اعتبرنا أن قبيلة اتخذت من الثور طوطما ستكون صورة الثور هي المقدسة والصورة هنا تشير إلى “النوع”. و أما الثور بعينه فيبقى له الاحترام والتبجيل دون التأليه37، ويطرح فراس السواح سؤالا بالغ الأهمية بالنسبة إلينا في مطلبنا هذا مفاده : إلى ماذا تشير صورة الحيوان الطوطمي، وما الذي يعبده الأسترالي من وراء هذه الشارة المقدسة ؟38.
في الحقيقة من خلال الطوطم حسب فراس هو “قوة غفلة”، والمقصود بذلك أن المقدس غير مشخص لا تاريخ له ولا اسم ولا شخصية. يمثل طاقة منبثة في الكون ككل وما الطوطم إلا جزء من كل تم اختياره ليكون تجليا ماديا أي نزولا للمقدس في الدنيوي39. ومنه يظهر لنا أن الفكر الطوطمي يؤكد كل استنتاجاتنا السابقة، إذ أثبت أن المقدس والدنيوي رافقا دين الإنسان منذ خطواته البدائية الأولى. كما أثبت أن العلاقة بينهما هي علاقة تجل (Avatar) وهذا التجلي متغير من مجتمع لآخر، أي استنادا إلى عامل المكان، عكس تجلي عشتار الذي كان استنادا إلى عامل الزمن من حضارة لأخرى.
التجلي و الخلق:
لقد أسهب فراس السواح في حديثه عن الخلق ففي أعماله كلها إلا و نجد فصلا أو بابا أو حتى نصا فقط يشير إلى فكرة الخلق، ففي مؤلفه “مغامرة العقل الأولى” نجد الفصل الأول يتكلم عن “سفر التكوين”، والتكوين هنا يعني الخلق. وقد أكدت كل الأساطير سواء السومرية أو البابلية أو الكنعانية أو حتى التوراتية على أن الحلق يمثل تجليا للمقدس في الدنيوي. أي الخالق في المخلوق، أو اللاهوت في الناسوت. وهنا سنحاول استنطاق نصوص فراس السواح لشرح هذا التصور لأنه كما سبق وأن قلنا تعتبر فكرة التجلي وتغيرها فكرة غير منطوقة في المشروع الفكري لفراس. لكن نعود لنؤكد أن هذا الاستنطاق هو بعيد كل البعد عن التلفيق، وأول نص اخترناه هو الآتي: “تتفق الروايتان على أن خلق الإنسان هو آخر عمل في سلسلة الخلق التي قام بها الإله. كما تتفقان على الأهمية البالغة لهذا العمل ففي بداية اللوح السادس نجد مردوخ وقد حدثته نفسه بخلق أشياء مبدعة. وقد وصف هذا العمل في مكان آخر من اللوح بأنه العمل الذي يسمو على الأفهام، أما أهمية خلق الإنسان في نص التوراة فتظهر في كونه قد خلق على صورة الإله”40. المقصود بالروايتين هنا الرواية البابلية والرواية التوراتية، لكن الأهم في هذا النص أن الرواية التوراتية تؤكد على أن خلق الإنسان يتضمن فكرة التجلي لأن الإنسان خلق على صورة الإله. لكن لم نشأ أن نتسرع الحكم بأن فراس اعتبر الخلق تجسيدا لفكر التجلي. حتى نعثر على نص آخر يذهب في نفس السياق، وقد كان لنا ذلك بعد عناء القراءة المتأملة حينما صادفنا النص الآتي في مؤلف “دين الإنسان” : “عندما تدخل الألوهية طور الخلق نأتي إلى تجلي الرحمانية وهنا تتجلى الألوهة كقدرة خالقة لكل مظاهر الكون”41.
وقد استخدم فراس السواح اسم الرحمن دلالة على الخالق في هذا النص لأن في الخلق رحمة للمخلوق عندما أوجده من نفسه. عندئذ يمكن اللجوء إلى فكرة الفيض عند أفلوطين لفهم ما يقصده فراس الذي استعان في اقتباس هذه الفكرة من “الجيلي عبد الكريم” أحد أقطاب الفكر الصوفي. وقد نفهم أيضا ما أراده فراس السواح بالتجلي في الخلق عن طريق عكس اتجاه النظر أي بالانطلاق من المخلوق إلى الخالق. فالله يطلب منا دائما النظر إلى مخلوقاته “السماء كيف رفعت” و”الجبال كيف نصبت” و”الإبل كيف خلقت”، والغاية هي إدراكه هو من خلال مخلوقاته. وهذا ما يؤكد أن الخلق يتضمن فكرة التجلي (Avatar). و بما أن الخلق أجناس وأنواع لا تحصى ولا تعد فإن ذلك يثمن فكرة التغير في التجلي، فهذا الأخير قد يحمل صورة الرحمن أو صورة الجمال أو البديع أو صورة القوي الجبار المتعال أو صورة العدل إلى غيرها من أسمائه الحسنى وصفات العلى.
أما خلاصة مبحثنا هذا فيمكن حصرها في فكرتين أساسيتين : الأولى مفادها أن كل دين من الأديان مهما كان وضعيا أو سماويا إلا ويقسم الوجد إلى زمرتين وهما المقدس والدنيوي، وذلك هو الثابت في تاريخ الأديان كلها.
أما الثانية فمفادها أن الأديان كلها اتفقت على أن التجلي هو المتغير في المعتقدات كلها منذ بدائية الإسنان المتدين إلى آخر الأديان وهو الإسلام وبه نكون قد وصلنا إلى نهاية هذا المبحث “الثابت والمتغير في تاريخ الأديان”.
الهــــــــامش:
- جميل صليبا، المعجم الفلسفي، الجزء الأول، ص373.
- المرجع نفسه، ص330.
- فراس السواح، دين الإنسان، ص 15.
- المصدر نفسه، ص 26.
- جميل صليبا، المعجم الفلسفي، الجزء الأول، ص 277.
- فراس السواح، دين الإنسان، ص 178.
- فراس السواح، الرحمَن و الشيطان، ص 18.
- المصدر نفسه، ص 21.
- فراس السواح، دين الإنسان، ص 129.
- المصدر نفسه، 137.
- فراس السواح، الرحمَن و الشيطان، ص 3،4 من المقدمة.
- فراس السواح، مغامرة العقل الأولى، ص 180.
- فراس السواح، دين الإنسان، ص 181.
- المصدر نفسه، ص 183.
- المصدر نفسه، ص 237.
- فراس السواح، التــاو، ص20.
- المصدر نفسه، ص 26.
- فراس السواح، الرحمَن والشيطان، ص100.
- المصدر نفسه، ص 251.
- فراس السواح، دين الإنسان، ص 295.
- ميرسيا إلياد، المقدس و المدنس، ص 16.
- المرجع نفسه، ص18.
- فراس السواح، التــاو، ص 10، 11.
- المصدر نفسه، ص 11.
- فراس السواح، لغز عشتار، ص 416.
- ميرسيا إلياد، المقدس والمدنس، ص 16.
- أندريه لالاند، الموسوعة الفلسفية، الجزء الأول، ص 125.
- فراس السواح، لغز عشتار، ص 41.
- فراس السواح، مغامرة العقل الأولى، ص388،389.
- فراس السواح، لغز عشتار، ص88.
- المصدر نفسه، ص 110.
- المصدر نفسه، ص 128.
- المصدر نفسه، ص 132.
- المصدر نفسه، ص 135.
- فراس السواح، دين الإنسان، ص 204.
- أندريه لالاند، الموسوعة الفلسفية، الجزء الثاني ص 1466،1467.
- فراس السواح، دين الإنسان، ص 182.
- المصدر نفسه، ص 183.
- المصدر نفسه، المكان نفسه.
- فراس السواح، مغامرة العقل الأولى، ص 147.
- فراس السواح، دين الإنسان، ص 296.
* فراس السواح مفكر وباحث سوري في الميثولوجيا و تاريخ الأديان ولد بحمص سنة 1949م أبرز مؤلفاته: دين الإنسان – مغامرة العقل الأولى – الرحمن و الشيطان – الوجه الآخر للمسيح – آرام دمشق و إسرائيل – التاو.
* عبد الإلـــه جفال: ماجستير في الفلسفة ( تخصص الدين و المجتمع ) 2012 من جامعة وهران.
اترك رد