الإبداع العاطفي! … جاسم الشمري

د. جاسم الشمري: دكتوراه في السياسة الشرعية – الجامعة الإسلامية العالمية

الإبداع صفة ذوي العقول الصافية المليئة بحب الحياة والعلم والتوّاقة لنشر السعادة والرحمة والطمأنينة في الأرض، وليس صحيحاً أن الإبداع يتناول الجوانب العلمية فقط لأن الحياة لا يمكن أن تستمر أو تتطور إلا بعقول المبدعين وفكرهم وقلوبهم في كافة المجالات المتعلقة بروح الإنسان وفكره وحياته.
الإبداع في العراق بعد العام 2003 امتاز بما يمكن أن نسميه “الإبداع العاطفي” لأن الصور المؤلمة المبثوثة في رحاب الديار العراقية تدفع من يملك ذرة من الرحمة للتفكير من اجل إنهاء المآسي وإنقاذ الأبرياء من كماشات القتل والضياع والعوز والفاقة.
وقبل عشرة أيام تقريباً فاز العراقي هشام الذهبي مع خمسة من صُنَّاع الأمل بلقب “صانع الأمل الأول”، وذلك ضمن وظيفة “المليون درهم” التي أطلقها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي، في حسابه الرسمي على “تويتر”.
الذهبي فاز – ومعه مبدعون في مشاريع أخرى من الكويت، ومصر، وسورية – بعد أن استعرض الجمهور ولجنة التحكيم المشاريع والمبادرات الإنسانية للمرشحين الخمسة الذين بلغوا النهائيات. وقد تبنى الذهبي قضية أطفال الشوارع في العراق فآواهم في بيت خصصه لرعايتهم، مقدماً لهم الرعاية النفسية والصحية والتربوية والتعليمية.
سبق للذهبي أن أوضح في بداية العام 2015 أنه يعمل ” مع الأطفال المشردين والأيتام منذ 11 سنة، واستطعت أن أحول 33 يتيماً ومشرداً إلى أشهر أطفال في العراق والعالم بعد أن حصلوا على 27 جائزة عالمية بالتمثيل السينمائي والفن التشكيلي، وحالياً أفكر بتوسيع المشروع بعد أن زاد أعداد الأطفال الفقراء والأيتام والمشردين والنازحين أضعاف أعدادهم السابقة، لذا فكرت وحلمت أن يمنحوني – الحكومة- بناية سوق المستنصرية المركزي لترميمها وتأهيلها لاستقبال جميع المشردين والمتسولين والأيتام الذين بدون مأوى، وسنعمل على تنمية مواهبهم وصقلها وتوجيهها للطريق الصحيح، وأتعهد بأنني – ومن معي- سوف نحولهم إلى أفضل أطفال بالعراق، وسوف يحصدون جوائز عربية ومحلية وعالمية، ومعي في هذا المشروع المايسترو كريم وصفي، والمخرج عطية الدراجي، والدكتورة عذراء عبد الأمير ومجموعة كبيرة من الأطباء والشباب المتطوعين للعمل بالمشروع”.
اليوم هؤلاء الأطفال – وبفضل جهود الذهبي وفريقه- ينطلقون في عالم الإبداع من اجل خدمة بلدهم بعد أن أوفى الذهبي بعهده في رعايتهم حتى وصلوا لمرحلة الإبداع نتيجة مشاركتهم بهمومهم وأحزانهم وأفراحهم وتعويضهم عن حنان الآباء والأمهات الذي فقدوه نتيجة سنوات العنف التي حصدت أرواح ملايين العراقيين وآمالهم.
الإبداع العاطفي الذي مثله فريق الذهبي – وليس أي مؤسسة حكومية- يمكن أن يكون صورة حية تؤكد روح العطف والإخاء والرحمة في المجتمع العراقي الذي حاول الغرباء أن ينحروا فيه روح التراحم والتعاطف لأنهم يكرهون العراقيين – وإن كانوا يحملون هويات عراقية- لأن الذي يحب المواطنين ينبغي أن يكون محباً لهم بالفعل لا باللسان فقط، والفعل يتطلب العطف على الصغير، والرفق بالكبير، والشفقة على العاجزين، والعناية بالمرضى والفقراء، وغالبية هذه الحالات غير موجودة في مؤسسات الدولة التي صارت باباً للنهب المشروع، أو السرقة الرسمية.
الإبداع الإنساني لا يحصل – في الغالب- إلا في الأجواء الصحية، ولهذا فان الحكومات القائمة على السياسات الإنسانية في تعاملها مع المواطنين تنتج جيلاً من المبدعين، والحكومات منزوعة الرحمة والإنسانية تخلِّف وراءها أجيالاً لا علاقة لهم بأسباب الإبداع والنمو والتطور؛ ولهذا تبقى السياسة من أكبر العوامل المؤثرة في إنتاج الإبداع، ولذلك نلحظ أن الإبداع – في الغالب- هو في الدول التي يشعر فيها المواطنون بإنسانيتهم.
الإبداع في فنون الرقي بالإنسان من أروع ما يمكن أن يقدمه المبدعون لأمتهم. صحيح أن الإبداع يكون في الآداب والفنون والقطاعات الصناعية والتقنية، لكن الأروع من كل ذلك هو الإبداع العاطفي الذي ينقذ الإنسان من روح اليأس والفقر والعوز، ويضعه على سِكّة الأمل والبناء والعطاء، لأن الإنسان هو أساس الوجود البشري على هذا الكوكب المليء بالحب والعطاء والتسامح.


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

اترك رد