توصيات ندوة الاستثمار الوقفي

احتضنت الرباط مؤخرا، ندوة دولية حول الاستثمار في الأوقاف الإسلامية، نظمتها الأمانة العامة للأوقاف بدولة الكويت، بشراكة مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، والبنك الإسلامي للتنمية، ومؤسسة دار الحديث الحسنية.

وسعت الندوة، إلى تسليط الضوء على إشكالية الاستثمارات الوقفية وطبيعتها الفقهية والقانونية، علاوة على عرض مجموعة من التجارب العملية الغربية منها والإسلامية للاستثمارات الوقفية، بهدف ربط الجوانب النظرية والعملية حول الاستثمارات الوقفية. وناقش المشاركون في الندوة على مدى يومين عددا من المواضيع حول الضوابط الشرعية لاستثمار الأوقاف، والضمانات القانونية لاستثمار الأوقاف على ضوء مدونة الأوقاف المغربية والمحددات الاقتصادية للاستثمار الوقفي والإطار العام لاستراتيجية استثمارية للمؤسسات الوقفية والخيرية. وتطرق المشاركون أيضا، إلى دور المؤسسات المالية في تدبير الأوقاف وإدارة واستثمار موارد الأوقاف والتجارب المغربية والكويتية وتجربة البنك الإسلامي للتنمية في الاستثمارات الوقفية والأساليب الحديثة لتطبيقات (trust) في مجال الاستثمارات الوقفية.

نحو استراتيجية متكاملة

الدكتور طارق عبد الله، الأستاذ الجامعي بمعهد دراسات العالم الإسلامي بجامعة زايد بالإمارات العربية المتحدة، قال في مداخلة له تحت عنوان، “نحو استراتيجية متكاملة للاستثمارت الوقفية: مقاربة اجتماعية”، إن “التجربة الوقفية الغربية قدمت نماذج عملية عن تطبيق المسؤولية الاجتماعية للاستثمار، وفي مقدمتها تجربة الولايات المتحدة الأمريكية”، يضيف الأكاديمي، “التي تعد نموذجا متفردا يستوجب التوقف عنده ورصد أهم ملامحه”، مشيرا إلى جامعة هارفارد، التي قال عنها أنها “عملت على إذكاء روح التنافس في ما بين المؤسسات الوقفية الأمريكية، حول تحقيق عدة مؤشرات كمية ونوعية”، وتشير المعطيات التي قدمها الأكاديمي الإماراتي، إلى أن 90 بالمائة من الجامعات الغربية تدعم كليا أو جزئيا بأموال الوقف، ويبلغ حجم الوقف في مؤسسات التعليم العالي في أميركا 118.6 مليار دولار، ويكفي العائد من الأوقاف في مجال التعليم بالولايات المتحدة الأمريكية، لتغطية ثلث نفقات تشغيل الجامعة، أي أكثر من 1.1 مليار دولار، ويخصص العائد من الأوقاف إلى منح مالية للطلاب، ولدفع رواتب أعضاء هيئة التدريس، وصيانة المرافق.

المتحدث نفسه، أشار إلى أن وقف جامعة هارفارد تأسس في شتنبر 1636، وفي عام 1870 تحولت إلى جامعة خاصة تعتمد على الأوقاف الخاصة، ووصلت أصول أوقافها إلى 34.9 مليار دولار، مكونة من 11 ألف وقف، وأكد أن الجامعات الأمريكية، استطاعت أن تمول العديد من الكراسي العلمية من واقفين أجانب، لإنشاء كراسي علمية ذات العلاقة بالإسلام.

دور تنموي للوقف

خلال الجلسة الافتتاحية للندوة الدولية، قال أحمد توفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، “إن الوقف كان وسيظل محل اهتمام بالغ، وموضع عناية فائقة النظير من المسلمين في كل مكان وحين”، وذكر أنه منذ عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعبر العصور المتوالية، ظل المسلمون، على مختلف مستوياتهم الاجتماعية، يحرصون على الوقف والتسابق إلى تحبيس شيء من ممتلكاتهم في سبيل الله، من أجل الصرف من ريعها ومدخولها المالي على مختلف وجوه البر والإحسان، وفي مقدمتها خدمة مصالح الدين وتحقيق المنفعة للمسلمين، معتبرين ذلك من الأعمال الصالحة التي تقرب إلى الله، ومن الصدقة الجارية التي شرعها الإسلام ورغب فيها الرسول الكريم، والتي يبقى أجرها خالدا وثوابها مستمرا بعد حياة الإنسان، يضيف الوزير، مصداقا لقوله تعالى، “لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون”، وقوله صلى الله عليه وسلم، “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”.

ويرى الوزير أن المملكة المغربية، كسائر الدول الإسلامية، منذ أن عرفت الوقف مع الفتوحات الإسلامية الأولى، أولت أهمية خاصة للحفاظ على استمراريته وتطوير استثماره، اعتبارا للخصوصية التي تميزه جغرافيا ومذهبيا وتاريخيا. مؤكدا أنه إذا كان الأسلاف الأماجد تنافسوا في سبيل وقف ما تيسر من أموالهم وأحبها إلى نفوسهم، حتى تكونت بذلك هذه الثروة الوقفية، فإن هناك اليوم حاجة ملحة للنهوض بالدور التنموي للوقف، ليلعب دوره في مختلف مناحي التنمية البشرية في بلداننا، وفاء لميراث الأجداد، وقياما بواجب الأمانة الملقاة على عاتق الأجيال الحاضرة.

إنجازات الأمانة العامة

وفي سياق متصل، قال عبد المحسن الخرافي، أمين عام الأمانة العامة للأوقاف، إنه ومنذ تكليف دولة الكويت بدور الدولة المنسقة لجهود الدول الإسلامية في مجال الوقف تم إنجاز 12 مشروعا وقفيا على مستوى العالم الإسلامي، مضيفا أن مجلة (أوقاف)، أحد أهم واجهات مشاريع “الدولة المنسقة” للوقف في العالم الإسلامي باعتبارها الدورية العربية المحكمة الأولى والوحيدة المتخصصة في موضوع الوقف والعمل الخيري، ويرى الخرافي أن مجلة أوقاف التي أصدرت عددها الأول سنة 2001 انطلقت من “قناعات فكرية بأن الوقف باعتباره مفهوما وتجربة له إمكانات تؤهله للمساهمة الفعالة في إدارة حاضر المجتمعات الإسلامية ومجابهة التحديات التي تواجهها، وذكر أن أهداف إصدار المجلة تتمثل في إحياء ثقافة الوقف وتكثيف النقاش حول الإمكانات العملية للوقف في المجتمعات المعاصرة واستثمار المشاريع الوقفية الحالية وتحويلها إلى منتج ثقافي فكري يتم عرضه علمياً بين المختصين بالإضافة إلى إثراء المكتبة العربية، مشيرا إلى ما تم إنجازه من أهداف قيمة مكنت المجلة من إصدار 25 عدداً حتى نوفمبر 2013 وتدشين الموقع الإلكتروني للمجلة على شبكة الانترنت بالإضافة إلى عقد ندوتين دوليتين لمجلة أوقاف الأولى بدولة الكويت عام 2008 والثانية بدولة الإمارات العربية المتحدة عام 2011، وتحدث الخرافي عن التعاون بين دولة الكويت والمملكة المغربية في مجال الأوقاف لاسيما من خلال مساهمة الباحثين المغاربة في مؤتمرات وندوات الأمانة العامة للأوقاف وملتقياتها وتأليف أبحاث مجلة أوقاف وتحكيم كثير من أبحاثه.

تثمير الأوقاف

عبد الرحمان الحلو، الخبير الاقتصادي ومدير مكتب أبواب للاستثمارات، توقف في مداخلة له حول “دور المؤسسات المالية في تثمير الأوقاف”، عند المخاطر التي تهدد الاستثمارات الوقفية، وقال ” تدبير المشاريع الوقفية لا يخلو من مخاطر، منها المخاطر القانونية والتجارية ثم التمويلية وكذا التشغيلية”، وتتمثل المخاطر القانونية،ـ حسب الخبير الاقتصادي، في “إمكانية إثارة تناقضات بين مدونة الوقف وبعض التأويلات الجبائية وتنفيذ إجراءاتها العقارية أو المتعلقة بالإعداد الترابي”، أما المخاطر التجارية فتتعلق بتقلبات السوق، حيث تنشط فيها الإدارة باستغلال عقاراتها وبالمنافسة فيها، بينما المخاطر التدبيرية تهم كفاءة الطاقم المسير للمشاريع الوقفية، ومدى اعتماده على خطة متماسكة واستراتيجية منسجمة مع الغاية، يضيف الحلو، “بينما المخاطر التمويلية تتعلق بتغلب كلفة التمويل على الطاقة الإيرادية للمشروع، وخاصة لما يطرأ التأخير في سداد الأقساط التمويلية إذا كان البنك يعمل بالغرامات الردعية عن التأخير”، ليختم الخبير الاقتصادي والناشط في الجمعية المغربية للاقتصاد الإسلامي بالمخاطر التشغيلية، والمتعلقة بالممارسة اليومية للأنشطة، وتتجلى هذه المخاطر في الوظائف الاستغلالية والإدارية والإعلامية والكوارث الطبيعية، والتي تؤثر خاصة على الأنشطة الفلاحية.

الأسس والمحددات

وعرفت الندوة الدولية، تقديم مداخلة للعياشي الصادق فداد، الباحث بقسم الاقتصاد الإسلامي والتنمية والتعاون الاقتصادي، بالمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية، وتوقف الباحث في البداية عند استثمار المال الموقوف وعلاقته بالتنمية والتمويل، وذكر أن الاستثمار بالوقف عرف شرعا بأنه تنمية للأموال الموقوفة وزيادتها، سواء أكانت أصولا أم ريعا بوسائل استثمارية مباحة شرعا، يضيف الصادق فداد، “الشريعة الإسلامية أولت أهمية بالغة لعملية الاستثمار، لأنها لا تحافظ على الموارد المالية والبشرية القائمة فحسب، وإنما تضيف إليها أصولا مالية وبشرية أخرى”، مؤكدا أن الوقف بحكم التعريف يرمي إلى التنمية بما يحدثه من بناء للثروة الإنتاجية.

وعند مقاربته للموضوع مقاربة شرعية، قال الصادق فداد، “استثمار المال مقصد من مقاصد الشريعة لحفظ الأموال، ومقصد حفظ المال يكون من جهة وجوده بكل ما يؤدي إلى وضوحه، ورواجه وتداوله وثباته والعدل فيه، أما الوضوح فباستقرار الأموال وعدم الغش فيها، وأما الرواج فبتداولها وعدم كنزها واحتكارها”. ويذكر الباحث أن “الفقهاء استنبطوا من المقاصد الكلية قواعد خاصة في تصرفات الأئمة والولاة والأوصياء أنها منوطة بالمصلحة”، كما قعد الفقهاء قواعد كلية للإفتاء في مسائل الوقف، فقالوا بجواز مخالفة شرط الواقف لمصلحة الوقف، ويرى الباحث، أن كثيرا من الفقهاء يخولون للناظر عمل ما تمليه مصلحة المستفيدين حتى وإن أدى ذلك إلى تغيير في ملامح الوقف بغية زيادة النفع لهم وتحقيقا لمصلحة الوقف.

إشكالات وتحديات

وشهدت الندوة الدولية أيضا، تقديم دراسة لعبد الرزاق الصبيحي، الكاتب العام للمجلس الأعلى لمراقبة مالية الأوقاف العامة، حول إشكالات وتحديات الاستثمار الوقفي. واستعرض الصبيحي ما اعتبره إشكالات وتحديات إدارة الموارد الوقفية، كما توقفت دراسته، عند تحديات الاستثمارات الوقفية. وقال إن “استئثار إدارة الأوقاف، بإدارة الاستثمار ضمن العمليات والأنشطة المرتبطة بتدبير الوقف، أضر بهذا الاستثمار، ومنعه من تحقيق النتائج المرجوة”، مضيفا، “كون الأوقاف قطاعا اجتماعيا، لا يمنع من إخضاع الاستثمارات المتعلقة بمواردها لنفس معايير تقييم الاستثمار بشكل عام، مع مراعاة ما تقتضيه خصوصية الأوقاف من حيث مجالات الاستثمار وأولوياته، وأسجل أن هناك إشكال متعلق بموقع الاستثمار ضمن مهام الناظر، فمهام ومهام الناظر ظلت محصورة في مهمة التسيير العادي للوقف، وفق ما اشترطه الواقف من حيث إدارته وقبض مستفاداته وإيصالها إلى مستحقيها”.

واستعرض الصبيحي ما ذهب إليه البعض، من إنكارهم على الناظر أي حق في تخصيص أي جزء من إيرادات الوقف لإنماء رأس ماله ما لم يشترط الواقف نفسه ذلك، أو موافقة الموقوف عليهم، بينما صاحب الدراسة يرى أن “الاستثمار من صميم مهام الناظر على الوقف، لأنه من جملة مقاصد الواقف مادام يترتب عنه دوام صدقته والزيادة فيها، وتحقيق نفع أكبر للموقوف عليهم، فضلا عن تحقيق المصلحة العامة التي ترتبط بالتنمية والاستثمار”.

ويوصي صاحب الدراسة أخيرا، بـ”الحرص على تغيير مفهوم النظارة على الوقف من إدارة للتسيير إلى إدارة للتدبير، كشرط للتفاعل الإيجابي مع متطلبات الواقع بما يخدم تحقيق أهداف المؤسسة الوقفية”، ثم “السعي إلى التوفيق بين متطلبات الاستثمار من حيث ضرورة تجميع الموارد الوقفية، وبين متطلبات الحفاظ على سمعة المؤسسة الوقفية من حيث احترام إرادة الواقفين”.

توصيات الندوة الدولية

خلصت الندوة الدولية الثالثة لمجلة «أوقاف» في ختام أعمالها إلى إصدار توصيات هامة، نذكر منها “ضرورة ربط المشاكل المثارة في مجال الاستثمار الوقفي بالمشكل العام المتعلق بمراجعة الاجتهادات الفقهية”، ثم “دعوة مراكز البحوث لدراسة التجارب العملية لاستثمار الأوقاف وتقويمها”، كما دعوا إلى “المزج بين العائد الاجتماعي وتعظيم منافع الوقف”، وكذا الحث على “إيجاد تشريعات وتنظيمات تلبي الاحتياجات المتعددة للواقفين، تحت إشراف مؤسسات تتمتع بالشفافية ومعايير الرقابة”، وشددت التوصيات على الحاجة إلى “تأمين الاستثمار الوقفي من المخاطر عبر تعزيز ضماناته التوثيقية وتحصين وضعيته القانونية”.

ومن التوصيات أيضا التي أوصى بها المشاركون في الندوة الدولية، “الدعوة إلى التوسع في أنواع الأعيان الموقوتة ومجالات الاستثمار المرتبطة بها، بما يضمن تغيير الصورة النمطية المغلوطة عن الاستثمار الوقفي”، والمطالب بتحسين سمعة الأوقاف بما يخدم تنميتها وبتفعيل النصوص القانونية المكرسة للحوكمة الجيدة، سواء كانت مرتبطة بمالية الأوقاف العامة أم مراقبتها، مع إخضاع الاستثمارات الوقفية للتحليل الاستباقي، وتحبير المخاطر وتعميق المقاربات الاستراتيجية والتخطيط في مجال الاستثمار الوقفي”.

المصدر


نشر منذ

في

من طرف

الآراء

  1. الصورة الرمزية لـ عبد الكريم
    عبد الكريم

    ما اهمية استثمار اموال الوقف العلمي في جامعة هارفارد

اترك رد