لا عبثية السلبي

كل مخلوق في الكون سواء كان ماديا أو إيجابيا ، كبيرا أو ضخما ، أو حتى صغيرا بحجم النواة ، فلا بد و أن فيه حكمة من خلقه تبدو لكل نبيه، بدءا بسعة الكون اللا متناهي حيث يبلغ نصف قطر الكون بحساب أينشتاين 35 بليون سنة ضوئية . أما بذرة المادة الأصلية التي نشأ منها الكون المرئي في الفضاء السحيق ، فتغطي مسافة 64 مليار تريليون كيلومتر (أي الرقم 64 وأمامه21 صفراً) وعمرها الوسطي 15 مليار سنة . وظهرت في الوجود بعد 300 ألف سنة من الدويّ أو الانفجار العظيم الذي رافق خلق الكون 1.
فهذا الفضاء اللا متناهي لا بد و أن فيه حكمة بليغة ، فمن الحكم التي تظهر للوهلة الأولى و بدون غوص في التأمل هو ذلك الشره نحو المعرفة و العلم بعد الدهشة التي تبعث لدى كل إنسان لما يطلع على المسافات الهائلة بين الكواكب و النجوم و أحجامها.
لنأخذ مثالا آخر ، يقول فرانز ويلشتاينر- وهو احد عباقرة البيئة العاملين بالمركز الأمريكي لأبحاث الطوارئ الذرية “إن الصراصير مخلوقات مثيرة للحيرة. فقد ظلت هذه الحشرات تنتشر في كل البيوت منذ اكثر من 280 مليون عام، أي منذ العصر الكربوني و من الفوائد الطريفة التي يمكن أن نستقيها من وجود هذا الكائن الذي يتقزز منه الكثيرون أن وجوده في البيت ينبهنا إلى انه هناك زوايا في الحائط تحتاج إلى إغلاق بالاسمنت 2.
الادمان لا يخرج أيضا عن هاته القاعدة ، حيث أن الكثير من الناس قد يربطه بكل ما هو سلبي من أفعال إجرامية و كحوليات و مخدرات ، لكن إذا كان الادمان هو تكرار فعل ما بشكل مصحوب بشعور اضطراري للعود إليه، فإن ذلك يمكن أن يتقاطع مع الشعور بالعطش ، فكل إنسان يشعر بالعطش الى شيء ما ، و ما ينبغى فعله فقط هو توجيه العطش الى ما هو إيجابي ، فحين يشعر الانسان بالعطش الى الماء فإنه يمكن أن يسد عطشه بزجاجة من الليمونادا إذا لم يتوفر أمامه ماء كما يمكن أن يسده بزجاجة من الكحول ، فكذلك الأمر مع الادمان أو المحبة المتوهجة في القلب ، فمن حصل له العطش الى رؤية المصطفى صلى الله عليه وسلك تجد لسانه لا يفتر عن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ومن حصل له العطش الى المال تجده مدمنا على لعب القمار من أجل فوز موهوم ، و من حصل له عطش إلى ألحان جميلة تجده إما مدمنا على مواويل رائعة بأصوات جميلة في معان دينية راقية أو العكس مدمنا على أغان بكلام ساقط لا فائدة منه.
يقول تعالى “ونبلوكم بالشر و الخير فتنة و إلينا ترجعون” بمعنى أنه لا عبثية في الوجود سواء كان ما في هذا الوجود حسنة أم سيئة ، نعمة أم نقمة، جلال أم جمال ، و إنما هاته التجليات هي بمقياس البشر في حين أن الكل إيجابي بمقياس الحق، فلا يعرف النور الا بوجود الظلمة ، و لا الجمال إلا بوجود الجلال ، و لا الغنى الا بالفقر و لا الصحة الا بعد السقم ، ولا الهدى الا بعد الضلال ، و بهذا يعرف الله ، عن ابن عباس – رضي الله عنهما – في قوله : ونبلوكم بالشر والخير قال : أي نبتليكم بالشر والخير فتنة بالشدة ، والرخاء ، والصحة ، والسقم ، والغنى ، والفقر ، والحلال ، والحرام ، والطاعة ، والمعصية ، والهدى ، والضلال.

1ـ انظر ، مقال الوحدة الفلكية ، موقع وزارة التعليم العالي للسلطة الفلسطينية “قلقيلية”
2ـ انظر مقال: اذا حدث انفجار نووى ستموت كل الكائنات الحية إلا كائن واحد فقط ، مجلة صدى الحقيقة الإلكترونية.


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

  1. الصورة الرمزية لـ بوريب خديجة
    بوريب خديجة

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
    تحليل رائع و مثير للتفكير حقا، من منطلق ما كتبت أستاد يمكن القول أن الكون ظاهرة مركية، هده الظاهرة المركبة تمزج بين الأضداد و اللاأضداد في المسارات القيمية للظواهر بمختلف أشكالها، و المركب في هده الظواهر المختلفة هو الحس التفكيكي للقيم المشكلة للظاهرة في حد داتها، السؤال الدي يمكن طرحة هو من يمتلك الحس التفكيكي للظاهرة ؟ كل إنسان في هدا الكون و لم أقل الأرض لانه فرق كبير بين الأرض و الكون، نحن جزء من الكون و الأرض جزء من الكون ، المشكلة أن الكثير من البشر يحسون أنهم جزء من الأرض و ليس من الكون و بالتالي يصبح الحس التفكيكي للظواهر في المسارات القيمية مختل و ناقص و غير فعال ، و يختفي مؤشر التأمل في كل القيم التي تحدثت عنها الحلال و الحرام، الشر، الخير، الحب،الكره، الطاععة،المعصية، كلها ظواهر مركبة متكاملة و مكملة لبعضها البعض، لنتساءل لمادا لا يتوب المجرم عن إجرامه ، لانه فاقد للحس التفكيكي للقيم الكونية و مبعثر في جزئية صغيرة جدا هي إنتمائه للأرض فقط كائن بشري أرضي و ليس كائن بشري كوني يشمل على التفكير الروحي و بالتالي علاقة ربانية مستمرة و ليس علاقة بشرية أرضية.

اترك رد