الشباب عمود نهضة الأمة الإسلامية

إنَّ الشباب في كلّ أمّة هم عماد حياتها ، وقوّة نهضتها ، وصنّاع حضَارتها ، هم أملُ الحَاضِر ، وعدّة المستقبل ، بل كلّ المستقبل ، هُم قادة الغد وحكّامه وقضاته ومعلموا أجياله ، وهم طلائع الخير ، بشرط أن نوفّر لهم النَّاصح الأمين .

وتتميّز هذه الفترة في حياة الإنسان بأنَّها أحفل مراحل العمر ؛ لأنَّها مليئة بالمشاعر الحارة ، والعواطف الفيَّاضة ، والقوَّة والفتوّة ، والتوقّد الذهنى ، والعطاء الفكرى ، فالإنسان يتمتَّع فيها بكامل قواهُ الجسديَّة ، فهو قد تعدَّى مرحلة الصّعود ( الطّفولة ) ولم يبدأ مرحلة الانحدار ( الشَّيْخُوخة ) ، فالشباب نماء وقوة – كما قال ابن فارس – الشين والباء أصل واحد يدل على نماء الشئ وقوّته ، ويقابل هذا الاسم كلمة ” فتى ” في القرآن الكريم والمقصود به الشاب ، قال تعالى : ( قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ” ( الأنبياء /60 ) ، وقال تعالى : ” إنهم فتية آمنوا بربهم ” ( الكهف / 13 ) أى شبابا .

فالحياة ليست إلا سعيًا نحو مرحلة الشَّباب ، واستمتاعًا بخير الشَّباب وقوَّته ومباهجه ، أو ركونًا إلى جميل ذكريات الشَّباب وقطفًا لثمارِ خيْراته ، وهُم عصب كلّ أمّة وموضع آمالها وبنَات مستقْبَلهَا .

ولما كانت مرحلة الشباب هى مرحلة العنفوان والقوّة ، والطّموح والفتوة ، كانت هى أخطر مراحل عمر الإنسان إن لم توجه التَّوجيه الصحيح ، فقد تستغل هذه القوّة والطَّاقة في سبيل الشَّر والرذيلة فتعود بالضَّرر على الفرد نفسه والمجتمع من حوله .

لذا خص الإسلام هذه المرحلة بمزيد عناية ، وجعل السؤال عنها يوم القيامة خاصًّا – أيضًا – فعن ابن مسعود – رضى الله عنه – قال : عن النبى – صلى الله عليه وسلم – قال : ” لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربّه حتى يسأل عن خمس عن عمره فيم أفناهُ وعن شبابه فيم أبلاه وماله من أين اكتسبهُ وفيم أنفقه ، وماذا عمل فيما علِم ” (أخرجه الترمذى أبواب صفة الجنة ) .

وقد أوصى النبى – صلى الله عليه وسلم – باغتنام هذه المرحلة المهمّة من مراحل عمر الإنسان ، فقال : صلى الله عليه وسلم : ” اغتنم خمسًا قبل خمس : شبَابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك ” (أخرجه الحاكم في المستدرك ) .

فالشباب هم رجال الغد ، وآباء المستقبل ، وعليهم مهمَّة تربية الأجيال القادمة ، وإليهم تؤول قيادة الأمَّة في جميع مجالاتها، فشريحة الشباب في هرمنا السكانى في المنطقة العربية أكثر من نصف المجتمع ، ولا شكّ أنّ هذا العدد يستحق من يخاطبه، ويحادثه، ويتعرض لقضاياه بصورة خاصة ، ويوجّهه التوجيه الصحيح ، ويأخذ بيديه إلى الطريق المستقيم .

لذا فإن ضعف العقيدة ، والجهل بالدين الإسلامى ، وغياب القدوة الحسنة ، والهزيمة النفسية لجيل الشباب في الحرب الجديدة عبر المخططات الأجنبيّة متمثلة في أفكار ضالة تبث عبر وسائل التواصل الاجتماعى المختلفة ، وتحدث بلبلة ، وإحباطًا في الشباب ، وكذا استخدام الاقتصاد في هذه الحرب – أيضًا – ، وكلّها عوائق تقف أمَام الشَّبَاب المسلم اليوم ، علمًا بأنّ صَلاح الشّباب صَلاح للأمّة ، وفى فسادهم فساد لها؛ لأنَّهم هم القوَّة الفاعلة في المجتمع .

ونجدُ أعداء الأمّة يركِّزون على توجيه الشباب لتدمير نفسهِ ووطنه ؛ لأنّ الشباب محل تغيير ، ولم يكتمل نضجهم المعرفىّ بعد ؛ لذا فهو قابلٌ للتشكّل والتَّغَيّر ، ويجب علينا أن نعمل على توجيه شبابنا إلى الخير لينفع نفسه ووطنه وأمّته .

وقد كثرت المغريات والفتن والاضطرابات مع بداية هذه الألفيّة بشكل مخيف ومروعٍ ، حتى وصل الظنّ أنّ هذه الثورات والقلاقل والاضطرابات في بعض البلدان العربية كسوريا وليبيا أصبحت شيئا من المسلّمات ، وضربًا من المباحات ، فانتشرت القنوات الهادمة ، ومواقع التواصل الاجتماعى ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة نحو توجيه الشباب لخراب بلادهم ، وقتل إخوانهم ، ولو تأمل الشابّ قليلا لعرف أنّ من يحرّض على خرابِ بلده ، لا يجرؤ أن ينبس ببنت شفة في بلد غربىّ أو ينقد بمجرد الكلام ، عملا – كما سيقال – بدستور هذه البلاد ، إذن هو الحقد الدفين والعمل على إفساد شباب المصريين والمسلمين ، وأنّ هدم مصلحة أو حرق منشأت عامة سيدفع هو ثمنها ، فهم ” يخربون بيوتهم بأيديهم ” ، فما بالنا الأمم تتقدّم ونحن نتأخر .

إذن فالشابّ في مجتمعه أداة تغيير نحو الخير أو الشرّ ، فهو إمّا أداة بناء في صرح هذهِ الأُمّة أو معول هَدمٍ في جدرانهَا ، وعنصر إفسَاد لأخلاقهَا وقيمهَا .

ولو أمعنَّا النَّظر في تاريخ الحضَارات وواقع الشّعوب والمجتمعات ، وقادة الفكر والثّورات ، ورواد العلم والصّناعات ، سنجد أنّ أغلبهم من الشبَاب ؛ لأنّهم سخّروا طاقاتهم وقدراتهم في مصلَحة شعُوبهم ومجتمعاتِهم .

وبالمقابلِ نجد قادة الفتن والانحرافات والجرائم والمنكرات من الشَّباب ؛ حيث استغلتهم أيدى خبيثة ونفوس مَاكرة ، فسخَّرت قواهم العقلية والجسديّة في سبيل الشَّرّ ، فللإنسان طاقة وقوّة إن لم تسخّر في الخير سخّرت في الشّرّ .

إنّ الشبَاب المؤمَّل نفعه المرجو خيره هو من تمسك بدينه ، وأحبَّ وطنه ، فصفا فكره واستنار بالحقّ صدره ، فاستقام عمله وظهر خيره وعمّ نفعه ،

وعلينا أن نهيئ البيئة المناسبة لتنشئة الشباب ، وإفراغ طاقاتهم ، والأخذ بأيديهم ، ودفعهم للأمام ، مع النَّصيحة بالحسنى من ذوى الخبرة والدُّربة ، وألا نتركهم في مهبِّ الرِّيح ، لأنَّ طاقة الشباب إنما تعطى عطاءَها إذا أحسنَ وضعها في المناخ الطبعى ، وهيئ لها أن تجرى في قنوات لا تصطدم مع الفطرة ، ولا تجفو الحريّة وإنسانيّة الإنسَان ، كما لا تتجاهل معها طبيعة المرحلة التى يمرّ بها الشباب .

وعلينا أن نؤهل الشّباب تربويًّا في مدارسنا وجامعاتنا ومراكز شبابنا ، وعبر وسائل إعلامنا المختلفة ، فالشّاب إذا لم يلق توجيهًا تربويًّا يقوم على دعائم الفضيلة والتمسك بآداب الدين فإنه سيذهب بكل عمل نعمله ويهدم كل بناء نبنيه .

ولقد تعرض القرآن لنماذج من الشباب من خلال القصص القرآنى ، ليكونوا عبرة وعظة للناس ، فيقتدى بهم أهل الخير والرشاد ،وعالجت السنة مع القرآن – أيضًا – كثيرا من قضاياهم ، فوجدنا القصص القرآنى يحدثنا عن إبراهيم – عليه السلام – في مرحلة الشباب وتحطيمه للأصنام ، وإسماعيل – عليه أفضل الصلاة والتسليم – يسارع إلى الاستجابة لأبيه ، كما سارع الخليل إلى طاعة ربّه فيما أمر ، وفى قصة إسماعيل مع والده إبراهيم – عليهما السلام – دلالة عظيمة على أن هذه الثمرة من طاعته لله وطاعته لأبيه ومعاونة أبيه على طاعة الله متجاوزًا كل عقبات الاستمساك بالحياة وما تفرضه غريزة حبّ البقاء إنَّما كانت بتوفيق من الله مع مجموعة من العناصر المؤثرة من تربية سليمَة وصحيحة ، وبناء متكامل في العقل والقلب والمشاعر ،

إنَّ الأنموذج الذى نراهُ في قصة إسماعيل : تضحية وثباتًا وتفانيًا في الطَّاعة وضبط النَّفس ، مضمُومًا إلى ذلك قوة جسميّة وقدرة على الرَّمى ، وركُوب الخيل والفصاحة والبلاغة ، كل أولئك جدير بأن يحفّز الرواد المؤتمنين على التَّربية هنا وهناك في حياة الأمَّة وأن يحسنوا رحلتهم مع الشَّباب ، حتى يمكنُوهم وقد تكاملت بنية الواحد منهم في شتَّى الجوانب من العطاء .

ونجدُ يوسف – عليه السلام – في مرحلة الشّباب يلجأ إلى ربِّه ، ويستعين بخالقه ، ولا يغترّ بعمله ، ولا يركن إلى نفسه ، ويستعين بالله في رفع الفتن وصرف المحن … فيخرج من السجن ويتولى وزير الاقتصاد في مصر ، ويكون سببًا في نجاة مصر وأهلها بل والمنطقة كلّها من كارثة اقتصادية ومجاعة محدقة ، وموسى الكليم – عليه السلام – في مرحلة الشباب يقف مع الحق ، وينتصر للضَّعيف ، فيخرج خائفًا مترقبًا ، ويراعى الأمانة وهو في ذروة شبابه وقوته فيسقى للمرأتين دون التعرض لهمَا أو أخذ أجرَة .

وفى الختام نقرر أنّ الحديث عن الشباب ، والتَّوغّل في همُومه وقضاياه في غاية الأَهميّة ، فالشباب عالم يحتاج الدخول فيه، وإكثار الحديث عنه ؛ لأنَّ طموحه ليس له حدود وهمُومه لا تنقضى ، ومشاكله تتجدد .


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

  1. الصورة الرمزية لـ مهنا
    مهنا

    الشباب منحة لامة ناهضة و نقمة لامة ساقطة

اترك رد