نظّم فريق البحث في الفلسفة الإسلاميّة (كلّية الآداب، جامعة محمّد الأوّل) بتعاون مع ولاية الجهة الشرقيّة-عمالة وجدة أنجاد ندوة علميّة في موضوع “أعلام ‘مغمورون’ ونصوص ‘نادرة’، سيرة وفهرسة وتحقيق (أعمال مهداة إلى روح محمد ألوزاد)” يومي 28-29 ماي 2015 بقاعة نداء السلام بكلّية الآداب والعلوم الإنسانيّة بوجدة.
وقد رامت الندوة بالأساس المساهمة في تحقيق نصوص في المنطق والكلام والفلسفة والتصوّف والحساب وأصول الفقه والتفسير والطبّ وغيرها، ألّفها أعلام قدامى أو محدثون، مسلمون وغير مسلمين، سنيّون وغير سنّيين، ساهموا في إثراء الساحة الفكريّة الإسلاميّة بشكل أو بآخر. ولا يخفى أنّ التراث العلميّ والفلسفيّ والمنطقيّ في الإسلام يحبل بكنوز لم تنشر وبأعلام غطّى عليهم آخرون ممّن كان لهم نصيب أكبر من الشهرة بسبب توافر ظروف ربّما لم تتح لغيرهم مثل المناصب التي تقلّدوها في زمنهم أو أنّهم تركوا تلامذة ساهموا في التعريف بأعمالهم، أو أنّ أعمالهم حظيت باهتمام أكبر فحُفظت في نسخ كثيرة وغير ذلك. وهذا الأمر الأخير لم يتح لنصوص كثيرة ظلّت مفقودة إلى حين، أو مغمورة في مخطوط وحيد أو ضمن مجموع في ركن ما من أركان خزانة خاصّة أو عموميّة. والنماذج كثيرة جدّا من النصوص التي لم تُنشر بعد والتي تقبع في مختلف خزانات العالم شرقا وغربا.
ولعلّه من النافل التذكير بما تزخر به خزانات مغربيّة ومشرقيّة كثيرة من أعمال غير منشورة في المنطق والأصول والطبّ والتصوّف والتفسير والفقه وغيرها. وإنّ مجرّد التعريف بمخطوط ما -عنوانه ومؤلّفه ولغته وخطّه وجملته الافتتاحيّة والختاميّة ووصفه وصفا خارجيّا وداخليّا- وبعض مضامينه والكشف عن أهمّيته في حقل تخصّصه لهو كفيل بأن يسدي خدمة كبرى للبحث العلميّ وأهله، ناهيك عن إخراجه إخراجا علميّا يجعل فائدته في متناول الدارسين. والأمر ينطبق على أعلام الفكر أيضا، من خلال دراسة سيرهم بما يعنيه ذلك من تتبّع مراحل حياتهم وسند تكوينهم وتعليمهم ومدارسهم ووضع فهرسة مؤلّفاتهم والكشف عمّا احتُفظ منها وغير ذلك. ومن المؤكّد أنّ من شأن كلّ ذلك إنارة جوانب قد تكون ظلّت غامضة في عصر من العصور أو في قضية من القضايا، بل وقد يساهم في إعادة النظر في بعض الأحكام السائرة غير المؤسّسة. إنّ الغرض، إذاً، يتجاوز التعريف البسيط إلى محاولة تسليط أضواء جديدة على سير بعض أهل العلم المغمورين ووضع كرونولوجيا مؤلّفاتهم وتحقيق نصوصهم. والغاية القصوى من هذه الندوة هي المساهمة في الكشف عن جوانب خفيّة ومهمّة من تراثنا العلميّ والفلسفيّ والعقديّ بالخصوص، ومن ثمّ المساهمة في تقدّم البحث العلميّ في جوانب من تاريخ الحضارة الإسلاميّة وخاصّة في حقل تاريخ الفلسفة والمنطق والعلوم في الإسلام.
وقد استهدفت الندوة أيضا استقطاب الباحثين المتخصّصين، الشباب منهم بالخصوص، وتشجيعهم على المضيّ قدما في إنجاز أبحاث جديدة تتناول موضوعات ومسائل غير مكرّرة، أو على الأقلّ لم تكن محطّ دراسات وافية في لغات العلم الحديثة وعلى رأسها الإنجليزيّة والألمانيّة والفرنسيّة والإسبانيّة والتركيّة والفارسيّة والعربيّة وغيرها أو أنّها تحتاج إلى تطوير وإعادة نظر في ضوء توافر معطيات جديدة أتاحها تقدّم البحث. فكان هذا اللقاء العلميّ بالأساس فرصة أمام الدارسين الذين يشتغلون على علم من أعلام العلم أن ناقشوا نتائج أبحاثهم مع غيرهم، وكانت مناسبة أيضا في تحقيق سبق علميّ في التعريف بأعلام مغمورين ونصوص نادرة ومخطوطات ثمينة دراسة وتحقيقا وفهرسة؛ وذلك اعتمادا على مناهج علميّة معاصرة، مركّزين في كلّ ذلك على النصّ المخطوط بالدرجة الأولى، أو نصوص منشورة ذات أهميّة خاصّة ولم يُنتبه إليها كثيرا في مختلف اللغات. ومن المؤكّد أنّ مداخلات هذه الندوة لا تندرج في إطار الاهتمام الثقافيّ العامّ أو العقديّ أو السياسيّ بقدر ما رامت الدراسة العلميّة أوّلا وأخيرا من خلال الكشف عن نصوص وأعلام وقضايا بعينها مدعومة بشواهد نصيّة غير متداولة بتصوّر علميّ يشترط الأصالة والجدّة والموضوعيّة. وقد كانت الندوة مفتوحة أيضا أمام الطلبة الباحثين الذي يهيّئون أعمالا أكاديميّة حول شخصيّة علميّة غير معروفة كثيرا، مع اشتراط المنهج العلميّ والتدقيق التاريخيّ بعيدا عن العرض السطحيّ الذي تزخر به كثير من الكتابات التي قد تنقل معلومات غير مؤكّدة وحكايات صيغت في سياقات لا تصمد أمام النقد. وفي العزم الأكيد نشر أعمال الندوة وترتيب سلسة لقاءات أخرى في الموضوع نفسه ضمن أنشطة الفريق العلميّة المقبلة.
اترك رد