صناعة نفسية العالم

تجتهد اليوم دوائر القرار السياسي والاقتصادي العولمي في رسم صورة لكل طرف في معادلة الصراع الدائر حاليا بين المتدافعين والمتخاصمين والمتزاحمين على خيرات ومصادر الطاقة في عالمنا المعاصر.

ولسنا نقصد بالصورة معناها الأيقوني المختزل، وإنما كل الأشكال التي يمكن أن تكون حاملة لملامح الكائن ومحددة لسماته الوجودية والوظيفية، فتكون الصورة عندنا على أشكال لا منتهية بسبب تعدد الحوامل وإن توحدت في الغائية من مخاطبة العقل والخيال وانطباع الصورة فيه حتى تشكل تصورا يرتقي إلى مرتبة التصديق.

وطبيعة الصورة التي يرسمها كل طرف عن الأطراف الأخرى تتحكم فيها عوامل معقدة تعكس في النهاية الموقف الوجودي والمسافة الفاصلة وطبيعة العلاقة أو التقاطع القائم بين الأطراف التي ترغب في فرض هيمنتها على الآخرين وتسخيرهم.

وفي كل الأحوال تلعب الصورة ومجال الصورة دورا محوريا في عمليات الاستقطاب والتعبئة والهجوم والمناورة والخداع والضبط والتحكم بما تحمله طبيعة الصورة من إمكانات لاختراق عالم الحقيقة إلى عوالم المجاز، وتجاوز عالم الواقع إلى عوالم المتخيل، وقد لا يخفى على المتتبع أننا تعمدنا الإشارة إلى عالم الحقيقة والواقع بالإفراد في مقابل عوالم المجاز والمتخيل بالجمع اللامتناهي، وذلك راجع لما نعتقده من أن أشرس الحروب وأخطرها تلك التي تدور بآليات مخترعة ومن وحي الخيال والكذب والاختلاق وهي بطبيعتها متعددة ،منتقلة من واقع ظالم تحوله بسحرها إلى واقع مظلوم، فينقلب حينئذ سلم القيم رأسا على عقب.

وإذا ظهر ما للصورة التي يرسمها اليوم كل طرف عن الآخر في عالمنا ، خصوصا الأطراف المتغلبة، ظهر معها ما تقصد إليه هذه الصور من عمل متواصل لصناعة ما نسميه نفسية العالم التي أصبحت رهانا إستراتيجيا من أجل المزيد من استلاب الإنسان وسلخه عن إنسانيته لينتهي وعاء فارغا تملأه هذه القوى الأفعوانية بما تعده من سموم الخطط وبرامج التزييف.

إن أي صورة لاشك تحمل مدلولا قد يكون مرادا لصانعها أو مرادا غيره من المجازات مما يتفنن فيه الأخصائيون والخبراء والكتاب وتتفاوت قدراتهم في تطريزه وتثقيفه حتى يفعل فعله السحري في جمهور المخاطبين به.


نشر منذ

في

من طرف

الآراء

اترك رد