* الدكتور محماد بن محمد رفيع:
أستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة بجامعة محمد بن عبد الله، المغرب
عندما يعجل الظلم بالتغيير:
إن الحق سبحانه حين خلق هذا الفضاء الكوني إطارا مكانيا وزمانيا لحياة الإنسان لأداء وظيفة الاستخلاف في الأرض خلقه سبحانه على أساس العدل لا الظلم، قال سبحانه ” وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما إلا بالحق”( سورة الحجر ) ، وقال سبحانه: ” وما خلقنا السماء والارض وما بينهما باطلا” ( سورة ص ) وقال: ” والسماء رفعها ووضع الميزان” ( سورة الرحمن )، وأنزل كلمته إلى رسله بالعدل ونفي الظلم، فقال سبحانه: “” لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ” ( الحديد ).
وهكذا قامت الشريعتان التكوينية والتشريعية على مبدأ ثابت مطرد لا يتخلف وهو العدل ونفي الظلم، وكل من سعى لإقامة مظهر من مظاهر الظلم كان في حالة تناقض صارخ مع قصد الله الكوني والشرعي معا، وهو ما يستدعي حلول عقاب الهلاك بالظالمين والتمكين للمظلومين، قال تعالى” فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولسكننكم الأرض من بعدهم ” ( سورة إبراهيم ). لذلك فلا يستقيم بناء علاقة اجتماعية إيجابية في مجتمع انتفت فيه العدالة وحل محلها الاستداد القائم على الاحتكار والجبر والقهر، لأن ذلك مؤذن بالصراع بين طوائف المجتمع وموجب للفساد والخراب في المجتمع، فالاستبداد في نظر الحكيم النورسي ” هو الذي أوقع العالم الإسلامي في المذلّة.. وهو الذي أيقظ الأغراض والخصومات.. وهو الذي سرى سمّه في أعصاب العالم الإسلامي.. وهو الذي أوقع الاختلافات المدهشة” (النورسي، سعيد، سيرة ذاتية، ص75 ).
وفي هذا السياق التشريعي النظري وفي سياق ما يجري في واقع المجتمعات العربية خصوصا من استفحال الاستبداد المنتج لصنوف الظلم وجب فهم الانتفاضات الشعبية المباركة التي أشرقت في الوطن العربي في هذه الأيام من أيام الله المباركات بعد أن بلغ الظلم والاستبداد مداه في هذه الأوطان، في وقت تطورت الأفكار في العالم ووسائل التواصل على نحو مذهل بحيث أصبح ما يجري في العالم بين يدي كل واحد منا، وأصبح الواحد يتابع بدقة وتفصيل وبالصوت والصورة دروس التجارب الإنسانية المنتنوعة الغنية في مختلف أنحاء الأرض، لكن أنظمة الظلم العربية العبثية الجاثمة على صدر الأمة تبدو غبية أكثر من الأغبياء في استيعاب الدرس ولو في إنقاذ نفسها من لعنة شعوبها التي حلت بها، وكأنها تعيش في قبو بعيد عن كل ما يجري، لكن لا عجب حين نتذكر مقتضى مقدمة هذا الكلام السابقة في موضوع قانون الأخذ بالذنب الذي حل بالقوم الظالمين الجاثمين على صدر الأمة منذ سنين كما حل بسلفهم من عاد وثمود وقارون وفرعون وهامن، قال تعالى: ” وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين وقارون وفرعون وهامن ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض زما كانوا سابقين فكلا أخذنا بذنبه” ( سورة العنكبوت )، فنسأل الله رب العرش الكريم أن يحفظ هذه الأمة من فتنة الظالمين وأن يعجل بنهاية المستبدين ويمكن للمستضعفين من هذه الأمة، وكل ذلك إنما هو مقدمات قدرية ابتدات من فلسطين وتسري تباعا لنصر الله المبين لهذه الأمة القادم، فلنكن أهلا لهذا النصر اليقيني القادم حتى لا يستبدلنا الله بغيرنا، فلنحسن التوبة والصلح مع الله في أحوالنا وأهلنا، والله الموفق.
اترك رد