المدخل إلى علوم التربية: مقاربة تاريخية …. محمد بنعمر

-تقديم أولي

اتفقت الدراسات والبحوث المنجزة في مجال العلوم التربوية على أن التربية عملية معقدة، ومتشابكة، ومتداخلة بين عدد من العناصر، بحيث تتداخل فيها عدة مستويات، و تشترك معها عدة مكونات، و تتقاسمها مجموعة من العلوم، وتتكامل معها عدد من التخصصات المعرفية…….

و هذه المعطيات والمكونات التي تتداخل مع علوم التربية، هي التي جعلت من تعريف التربية إشكالية معرفية بسبب تداخل عدد من التخصصات، والمقاربات التي تشتغل على التربية في عدد من مجالاتها،وجوانبها، وهذه المجالات منها ما هو بيداغوجي وجداني .ومنها سيكلوجي نفسي، ومنها ما هو ثقافي اجتماعي .

هذا الاعتبار العلمي والمنهجي يملي علينا القول بأن الإشكال الابستمولوجي في التربية يكمن أساسا في إشكالية التعريف والتحديد،بحيث اختلفت التحديدات، وتعددت التعريفات لمصطلح التربية تبعا للمدارس التربوية في نزوعها نحو مقاربتها للظاهرة التربوية،وتبعا للامتداد التاريخي الذي مرت منه التربية.

وهذا الإشكال المعرفي المتعلق في تحديد مفهوم التربية من حيث الدلالة المصطلحية والمفهومية له صلة مباشرة بتعدد المقاربات، كما له صلة بتدخل مجموعة من العلوم التي تشتغل على الفعل التربوي…..

وعليه فان الظاهرة التربوية في أي مجال وجدت فيه سواء في الأسرة، أو المدرسة، أو في المجتمع أو في الإعلام. فهي ظاهرة مركبة، من عدد من التخصصات، وهو ما يلزم عنه استحضار قبلي لهذه الجوانب في مقاربة الفعل التربوي من حيث التحديد، والموضوع، والهدف، والامتدادات.

ومن أبرز العلوم الخادمة لعلوم التربية، العلوم الإنسانية، بحيث إن العلوم الإنسانية، حاولت مقاربة الظاهرة الإنسانية من جميع الجوانب والمستويات -فمن أهم الجوانب المعرفية التي تحضر فيها العلوم الإنسانية في استحضارها ومقاربتها للفعل التربوي في شخصية الإنسان الجانب السيكلوجي، والاجتماعي، والاقتصادي والتاريخي.

وعليه نقول ما قاله الدكتور محمد جسوس لا توجد علوم تربوية،و إنما توجد علوم إنسانية تشتغل على المجالات الكبرى في التربية.

وهذا يعني أن الظاهرة التربوية من حيث الامتدادات، ظاهرة مركبة،من عدد من العناصر، والمكونات والمستويات، بحيث يتداخل فيها ماهر بيولوجي بما هو سيكولوجي، وما هو سيكلوجي، بما هو اجتماعي، وما هو اقتصادي بما هو ثقافي.

وبصيغة مختصرة وموجزة، يتصل بالظاهرة التربوية كل ما له علاقة، أوصلة بشخصية الإنسان، في جميع مكوناته، وأبعاده، ومستوياته بحكم تتأثر هذه المستويات بالمحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه ذلك الإنسان….وهذا يعني أن الأنظمة التربوية تتأثر بشكل مباشر بالأنظمة الاجتماعية …

وهذا بعني إن الرهان الذي أخذ تتجه إليه التربية اليوم، يتحدد في ثنائية التربية والتنمية. فهذا الرابط هو الذي يجعل من التربية وسيلة ومعبرا لتحقيق التنمية والتقدم في المجتمع.

– الامتداد التاريخي لعلوم التربية

إن المسار العلمي الطويل الذي قطعته هذه العلوم التي لها صلة مباشرة بالتربية، سواء في مرحلتها الأولى من حيث كونها علوما ظلت محتضنة، من لدن الفلسفة، أو في مرحلتها الثانية في استقلالها وانفصالها عن الفلسفة، والإدماج الكلي مع العلوم الإنسانية، علما أن اندماج التربية مع العلوم الإنسانية شكلت المرحلة الذهبية في المسار التاريخي الذي قطعته ومرت منه علوم التربية ….فالعلوم الإنسانية من أبرز الروافد التي ساهمت في تطور علوم التربية–

بحيث قاربت هذه العلوم الإنسانية، واستحضرت عددا كبيرا من القضايا ذات القرابة القوية مع الفعل التربوي والتعليمي ، خاصة علم النفس وعلم الاجتماع،وعلم الاقتصاد،وعلم اللسانيات … فعلم النفس غير كثيرا من النظريات المتصلة بالتعلم، خاصة ما اتصل بالمراحل العمرية عند المتعلم-و مدى تأثير هذه المراحل في اكتساب التعلمات الأساسية –فقد غيرت نظريات التعلم، بتأثير، وتدخل علم النفس المعرفي في منحاه التربوي اتجاهاتنا نحو موضوع التعلم والتعليم، بحيث وضعت مشكلة التعلم ضمن صلب الإشكاليات، والاهتمامات الكبرى التي يجب استحضارها وعدم تغييبها في تعليمية المواد الدراسية خاصة على مستوى المهارات المعرفية والوجدانية، وذلك “الانتقال مما يقوله المعلم إلى ما يقوم به المتعلم—

كما أن علم الاجتماع قد طرح هو الأخر مجموعة من المشاكل التربوية من بينها العلاقة المتبادلة بين المدرسة والمجتمع في أبعادها المتعددة، و ظاهرة العنف المدرسي، والتنشئة الاجتماعية للطفل في العالم القروي، ثم العلاقة التبادلية بين المدرسة ومحل سكنى المتعلم، ومدى أثر هذه العلاقة على التحصيل المدرسي –

كما آن اللسانيات اليوم اشتغلت على طرائق اكتساب اللغة،من حيث بيان أنجع الطرق في هذا الاكتساب..

أما المرحلة الأخيرة التي قطعتها علوم التربية ، هي المرحلة التي فيها انفصلت عن العلوم الإنسانية و استقلت بموضوعها، و انفردت بمنهجها، و اختصت بجهازها المفاهيمي، والمصطلحي. ………

ومن هنا فان استحضار، أو دراسة أي ظاهرة تربوية،يقتضي استحضار هده الجوانب المتدخلة في الفعل التربوي بشكل مباشر، وهو ما يعرف بمبدأ تداخل المعارف وتكاملها في العلوم التربية—

و هذه العلوم المعروفة بعلوم التربية، عرفت في السنوات الأخيرة، تطورا ملحوظا،بسبب حاجة الأنظمة التعليمية إلى نتائجها، من حيث استثمار بحوثها النظرية والميدانية في إعداد برامجها، أو من أجل البحث عن الإجابات للمشاكل اليومية، وعلى الأسئلة التربوية الكبيرة والمصيرية، بسبب التحولات السريعة ….

كما أن هذه العلوم نساعد الأسر في تفهم سلوكات أبنائهم،وتعينهم في مواكبةنمدرسهم…

إن البيداغوجيات الجديدة التي تستمد أسسها من علم النفس، تسعى جاهدة إلى حل هذه المعادلة الصعبة، وهي مساعدة المتعلمين الذي يعانون من التعثر في قدراتهم المعرفية، انطلاقا من أحد أبرز شعارات التربية المعاصرة، وهي تحقيق تكافؤ الفرص لجميع المتعلمين، ومساعدة المتعثرين .وهذا الرهان الصعب لا يتيسر إلا باستحضار المستجدات، و المقاربات الجديدة التي تطرأ في عالم التربية.وهو المسعى الذي عبر عليه كثير من المربين اليوم .


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

اترك رد