ندوة التسامح الديني وثقافة الاختلاف

نجاة ذويب: كليّة الآداب – جامعة القيروان – تونس

عقد مركز البحوث والدراسات في حوار الحضارات والأديان المقارنة بسوسة ندوة علميّة دوليّة تحت عنوان “التسامح الديني وثقافة الاختلاف” بنـزل تاج مرحبا بسوسة يومي 5و6أكتوبر 2016. شارك فيها ثلّة من الأساتذة الباحثين المهتمين بالموضوع من داخل الوطن و خارجه. وقد تضمّن هذا النشاط العلميّ سبعا وأربعين مداخلة وُزّعت على ثماني جلسات علميّة.

اُفتتحت الندوة يوم الأربعاء بنزل تاج مرحبا بسوسة/تونس، الساعة التاسعة صباحا، بكلمة فضيلة الدكتور حرّاث بوعلاقي، رئيس مركز البحوث والدراسات في حوار الحضارات والأديان المقارنة بسوسة كلمة رحّب من خلالها بالحضور والأساتذة المشاركين، وتحدّث عن إشكالات هذه الندوة التي تسعى إلى الإجابة عنها بناء على مداخلات المشاركين.

وقد قامت الندوة على ستّة محاور هي كالتالي:

المحور الأوّل: التسامح الديني : جذوره العقديّة ومرجعياته الفكريّة

افتتح الأستاذ محمد الشتيوي (المعهد العالي لأصول الدين:تونس) الجلسة العلميّة الأولى التي اهتمّت بالمحور الأوّل للندوة. وقد تكوّنت من السادة الأساتذة نصر الجويلي وفادي ضو وعز الدين عناية ومنجيّة السوايحي ومحمد العربي البوعزيزي.

قام الأستاذ نصر الجويلي (جامعة الزيتونة /تونس) بتقديم ورقة علميّة تحت عنوان “التعدّية وحق الاختلاف في المنظور الإسلامي” وقد بيّن لنا من خلالها أنّ المجتمع الإسلامي كغيره من المجتمعات الإنسانيّة يحوي تعدّديات وتنوّعات مختلفة. وأنّ هذه التعدّديات بمختلف مشاربها وتوجّهاتها العقديّة والسياسيّة والثقافيّة إذا استطاع التعامل معها وفق قيم الاحترام والتعايش السلمي فإنّها لا شكّ ستتحوّل إلى عامل إثراء وحيويّة لمجتمعنا ووطننا.

وما دام التنوّع حقيقة ثابتة في المجتمع والطبيعة والكون برمّته فقد دعا الأستاذ الشتيوي إلى ضرورة القبول بها. وهو ما يترّتب عنه عدم تطابق وجهات والرؤية في كلّ شيء لأنّه من حق كلّ طرف في المجتمع أن يختلف في رؤيته ونظرته للأشياء عن الطرف المقابل.

وقد دعا الباحث إلى ضرورة التخلّص من الرأي الواحد لصالح الآراء المتعدّدة في الوقت الحاضر. وقد قام بتحديد مفاهيم كلّ من التعدّدية والاختلاف مبيّنا تأكيد الإسلام على سنّة الاختلاف معتبرا الحوار أهمّ دعائمه وشروط نجاحه. كما أكّد الجويلي في مداخلته على ما رسمته الشريعة الإسلاميّة من أسس تجمع ولا تفرق وتقرّب ولا تبعّد بين أفراد المجتمع الواحد.

وقدّم الأستاذ فادي ضو (رئيس مؤسسة أديان لبنان) ورقة علميّة بعنوان ” من التسامح والانصهار إلى التضامن والشراكة، في ظلّ مواطنة حاضنة للتنوّع” عالج من خلالها مسألة القيم المرتبطة بالتنوّع الثقافي والديني وتبيان نتائج الاعتراف بالاختلاف الذي يدعو إلى الانتقال من موقف انصهاري يرغب في ذوبان الخصوصيات في بوتقة واحدة، تكون في النهاية على شكل الأقوى والأكثر تأثيرا وتُفقد المجتمع فرصة التفاعل والتكامل المبدع بين مكوّناته، إلى موقف منفتح على الاختلاف غير خائف منه، متحرّر من الفوقيّة إلى الذميّة يسعى إلى تطوير المجتمع عبر الشراكة بين مختلف مكوّناته والاعتراف بإرثه الثقافي المتعدّد. كما بيّن الباحث بأنّ المواطنة الحاضنة للتنوّع، كمفهوم جديد تمّ تطويره للاستجابة لهذه التحدّيات، الإطار الناظم لهذا الموقف القيمي والثقافي والسياسي وحتى الرومي.

أمّا الأستاذ عز الدين عناية (جامعة روما) فقد قدّم ورقة علميّة بعنوان “أزمة التعدّدية الثقافيّة في أوروبا في ضوء سوسيولوجيا الهجرة” عالج من خلالها مسألة الهجرة في أوروبا المعاصرة وما تشكّله من تعقيدا الأمر الذي أملى على العديد من البلدان اتخاذ سياسات اندماج متنوّعة كشفت مع توالي السنين عن جملة من النقائص. كما بيّن الباحث ما تعانيه الجالية المسلمة من أزمات بفعل الأزمات المتنوّعة التي باتت تعصف بالقارة العجوز. ويرى عناية أنّ مسألة الاندماج تبدو أحيانا واقعيّة وأخرى مختلفة تتراوح بين حدّي الدمج القسري والاندماج الطوعي. وهو ما يجعل أوروبا ليست وحدها أمام الاختبار الحضاري، في استيعاب “الدخيل” وهضمه، بل الجموع المسلمة المتواجدة داخلها أيضا، فهي شريك في هذا التحدّي.

وشاركت الأستاذة منجية السوايحي (المعهد العالي لأصول الدين/ تونس) بورقة علميّة وسمتها بـ”العلاقات الإنسانيّة في الإسلام: التعايش الاجتماعي والتسامح الديني” بيّنت من خلالها الحيّز المهم الذي تحتلّه قضيّة التسامح والتعايش الاجتماعي بين البشر بمختلف القوميات والعقائد والثقافات في النصوص التأسيسيّة قرآنا وسنّة ولدى العلماء والباحثين ودعاة السلم الاجتماعي. وعالجت الباحثة أيضا من خلال هذه الورقة قضيّة العنف والإرهاب بما هي تهم قد ألصقت بالإسلام لتبيّن مدى صحّة هذا التهمة الخطيرة. وبيّنت السوايحي أيضا دور الأديان في نسج مجتمعات آمنة عمادها التعايش السلمي في ظلّ تفشي مظاهر العنف، وكانت قد اخصّت دراستها بالإسلام ودوره في التسامح الديني والتعايش الاجتماعي فعالجت من خلال ذلك دلالة التعايش والصورة المشوّهة عن الأديان وحقيقة التعايش الاجتماعي في الإسلام وأنواعه مؤكّدة على قيمة التسامح الديني. أمّا الأستاذ محمد العربي البوعزيزي فقد شارك بورقة بحثيّة عنوانها “التسامح والتواصل مع الآخر في الإسلام” عالج من خلالها قضيّة التسامح وقضيّة الاختلاف بما هما قضيّتان جديرتان بالدرس والتحليل في كل الأديان والثقافات والحضارات. وقد بيّن أن هذه القضيّة تبقى دائما في حاجة إلى البحث والمساءلة إذ تستمدّ دوما جذورها البعيدة من النصوص المؤسّسة وخاصّة في الإسلام الذي انبنى فكره على التسامح والتواصل مع الآخر والانفتاح عليه مع عدم إكراهه على التخلّي عن غيره. وقد سعى الباحث في هذه الورقة العلميّة إلى ضبط المفهوم الدلالي للتسامح والتواصل مع الآخر مبيّنة المسار التاريخي لهذه المسألة. وبحث البوعزيزي عن التسامح في النصوص التأسيسيّة من قرآن وسنّة ثم ضبط صورا من التسامح والتواصل مع الآخر في الإسلام راسما لنا ملامح التسامح المنشود وسبل ترسيخه.

المحور الثاني: التسامح والاختلاف في الإسلام والمسيحيّة: دراسات مقارنة”

ترأس الأستاذ نصر الجويلي الجلسة العلميّة الثانية التي مدارها المحور الثاني الموسوم بـ التسامح والاختلاف في الإسلام والمسيحيّة: دراسات مقارنة”. وقد شارك فيها كلّ من الأستاذ محمد الشتيوي والأستاذ الحبيب بن عبد الله والأستاذة منية علمي.

قدّم الأستاذ محمد الشتيوي (المعهد العالي لأصول الدين/تونس) ورقة علميّة بعنوان ” رؤية مسيحيّة في الإسلام هرقل نموذجا”. سعى من خلالها إلى بيان موقف النصارى الذين عاصروا بعثة الرسول، فمنهم من بشّر به قبل بعثه ومنهم من آمن به ومنهم من عبّر عن إعجابه وإن لم يؤمن به. وقد ركّز الباحث على موقف هرقل حاكم الروم من الرسول. وقد قصد الشتيوي من خلال هذه المداخلة بيان أنّ خوف الكثيرين من الإسلام سببه الصورة المشوّهة التي يحملونها عنه خاصّة من قبل المسلمين الذين لا يحسنون عرض الإسلام ويتبنّون مواقف متشدّدة تحرّف صورة الإسلام كما جسّدها الرسول ومن بعده.

أمّا الأستاذ الحبيب بن عبد الله (المعهد العالي لأصول الدين/تونس) فقد ساهم بورقة علميّة عنوانها ” الضمير الإيماني والتسامح الديني من النص إلى الأنسنة: دراسة نقديّة في علاقة العقل بالنص المقدّس” رصد من خلالها اللحظات التاريخيّة للصراع بين العقل والدين في عصر الأنوار إلى المجتمع ما بعد الحداثة، وقد بحث من خلال هذه المداخلة في الخلفيّة الفكريّة لعقيدة الضمير (في عصر الأنوار) ثمّ بيّن لنا انكفاء حريّة الضمير تحت سلطان الدولة الحديثة.

وقدّمت الأستاذة منية علمي (المعهد العالي لأصول الدين/ تونس)ورقة عنوانها ” وعي التسامح بين الأنا والآخر: قراءة في جدل النصوص والواقع في المسيحيّة والإسلام”، قاربت من خلالها وعي التسامح الإنيّ والغيري تنظيرا وممارسة، وركّزت في طرحها لهذه المسألة على النصوص الدينيّة بما انّ قيمة التسامح تنسجم مع قيمة التوحيد في الأديان كلّها وتنصهر ضمن سيادة الإنسان في الوجود. وقد قامت الباحثة بضبط مدخل تمهيدي مفاهيمي حول دلالات التسامح بين التبسيط والتعقيد ودرست مسألة الإنيّة والغيريّة في علاقتها بوعي التسامح، ثم رصدت لنا وعي التسامح من خلال النص القرىني.

المحور الثالث: التسامح والاختلاف من خلال النصوص الدينيّة والفكريّة

لقد عُقدت جلسة علميّة اهتمّ خلالها الباحثون بمسائل تدور حول المحور الثالث من الندوة والموسوم بـ” والاختلاف من خلال النصوص الدينيّة والفكريّة”. وقد ترأّست الأستاذة منجيّة السوايحي هذه الجلسة العلميّة التي شارك فيها كلّ من الأساتذة محسن التليلي وعائشة عبّاش وصلاح الدين بوجلال ونسريّة كحلول وفريد عقاب.

وقد ساهم الأستاذ محسن التليلي (جامعة سوسة،تونس) بورقة عنوانها ” في تنسيب المعرفة الدينيّة: مفهوما ومنهجا” بيّن من خلالها أهميّة مسألة تنسيب المعرفة الدينيّة بما هي لازمة من لوازم الثقافة الإنسانيّة المعاصرة. وهي مسألة في غاية الأهميّة بالنسبة إلى الباحثين المشتغلين بالفكر الديني ممّن يقع في الخلط بين شروط البحث العلمي وما تقتضيه من حياد وتجرّد ومقتضيات الانتماء وما تقتضيه من تعاطف قد يبلغ حدّ التعصّب والانحياز.

في حين قرأت الأستاذة عائشة عبّاش (جامعة الجزائر) ورقة علميّة موسومة بـ”إشكاليّة قيم التسامح والاختلاف في ظلّ مفاهيم العولمة الثقافيّة”، عالجت من خلالها مسألة التسامح والاختلاف في ظلّ مفاهيم العولمة الثقافيّة. وبحثت في سبل تأسيس ثقافة الاختلاف واحترام الآخر في نطاق مبادئ حوار الحضارات. وقرأ الأستاذ صلاح الدين بوجلال (الجزائر) ورقة علميّة بعنوان ” شرعيّة الاختلاف في اتفاقية اليونسكو حول تنوّع أشكال التعبير الثقافي: تداخل القانون والسياسة والاقتصاد”. وقد بيّن من خلالها الباحث مدى استطاعة اتفاقيّة اليونسكو أن تؤسّس مفهوما قانونيا مبدأ ” شرعيّة الاختلاف” المرتبط بأشكال التعبير الثقافي. ودرس الباحث أوج التأسيس لمفهوم “شرعيّة الاختلاف” في اتفاقيّة اليونسكو، ليرسم لنا بعد ذلك أدوار السياسة والاقتصاد في ضبط مفهوم وأدوات وأشكال التعبير الثقافي. وشاركت الأستاذة نسريّة كحلول (المعهد العالي للحضارة الإسلاميّة/تونس) بورقة علميّة عنوانها ” التسامح والتعايش في المسيحيّة الإسلام” حاولت من خلالها معالجة مسألة التعايش في المسيحيّة والإسلام بالرجوع إلى النصوص التأسيسيّة للديانتين والواقع العملي للمجتمعين. وقد خُتمت هذه الجلسة العلميّة بمداخلة الأستاذ فريد عقاب (المعهد العالي لفنون الملتيميديا/تونس) وعنوانها ” التسامح الديني واحترام غيريّة الآخر احد ثوابت الفكر الإصلاحي التونسي بين النصف الثاني للقرن التاسع عشر الميلادي والنصف الاوّل من القرن العشرين”. وقد بحث فيها عن الدلالات المختلفة لغيريّة الآخر وأهم المرجعيات المؤسّسة لثقافة احترام غيريّة الآخر. كما بحث عقاب في المرجعيات المؤسّسة لثقافة احترام غيريّة الآخر للتوجّه الوسطي المعتدل لدى النخب الإصلاحيّة التونسيّة (مرجعيات عقديّة ومرجعيات سياسيّة ومرجعيات قانونيّة). وعالج الباحث أهمّ المواقف المعلنة للنخب في إطار تأييد التسامح الديني واحترام غيريّة الآخر.

المحور الرابع: البعد التربوي والفكري للتسامح

عقدت جليتان علميتان دارت أشغالهما حول المحور الرابع لهذه الندوة العلميّة. أمّا الجلسة الأولى فقد ترأّسها الأستاذ محمد العربي البوعزيزي وشارك فيها كلّ من الأساتذة استبرق مجيد علي ويحي بن حمود الشهيمي والمنصف حامدي وكوثر السويسي ومحمد كريفة.

قدّم الأستاذ يحي بن حمود الشهيمي(عمان)، بالاشتراك مع الأستاذة استبرق مجيد علي (العراق)، مداخلة عنوانها ” قيم التسامح في كتب القراءة للصفوف الثلاثة الأولى من التعليم الأساسي في سلطة عمان”، وقد عملا من خلال هذه المداخلة على التعرّف على قيمة التسامح التي تتضمّنها كتب القراءة المقرّرة على الصفوف الثلاثة الأولى من التعليم الاساسي في مدارس سلطنة عمان سعيا منهما إلى معرفة مدى تكرار هذه القيمة من خلال وسائل عرضها إمّا كعناوين رئيسيّة أو من خلال مضامين الدروس أو الصور والرسومات الواردة فيها. وقد توصّلا في هذا البحث إلى أنّ مدى أهميّة قيم التسامح لدى الناشئة .

وقد شارك الأستاذ المنصف حامدي (المعهد العالي لأصول الدين) بمداخلة عنوانها ” التسامح من منظور إسلامي” أجاب من خلالها على جملة من الأسئلة تدور حول ماهية التسامح ومدى قبول الإسلام فكرة التسامح. أمّا الأستاذة كوثر السوسي (مركز البحوث في حوار الحضارات والأديان المقارنة بسوسة) فقد شاركت في هذه الجلسة العلميّة بورقة بحثيّة وسمتها بـ”la tolérance religieuse dans la presse écrite tunisienne” تحدّث فيها عن أهميّة التسامح ومظاهره. في حين قدّم الأستاذ محمد كريفة (جامعة القيروان) ورقة بعنوان “دين الحب عند الشيخ محي الدين بن عربي في الزمن الصعب”. اهتمّ فيها بفكر ابن عربي وتقبّله للديانات بمختلف أنواعها. وقد سلّط الضوء في بحثه على بعض المفاهيم المركزيّة في فكر ابن عربي من قبيل الوحدة والوجود والحب الإلهي وفلسفة المعرفة العقليّة مقابل المعرفة العرفانيّة.

أمّا الجلسة العلميّة الثانية التي انعقدت حول هذا المحور من الندوة فقد ترأسها الأستاذ علي العشي وشارك فيها كلّ من السادة الباحثين فاطمة المومني وإسماعيل وأمال الرياحي وعفاف المحضي ومحسنة مصدّق ونادية الربيع وبثينة بوقرة وزعرة عواني.

فساهمت الباحثة فاطمة المومني (تونس) بورقة عنوانها “ما حيلتنا اليوم أن نسأل عن ثقافة التسامح” أجبت من خلالها على عدّة أسئلة من قبيل: أي علاقة تربط الإنسان بالقيم؟ وأي إنسان هذا الذي تقوم حياته على أساس قيمي؟ هل الإنسان الفاعل المريد أم الإنسان الخاضع التابع؟ هل هو الإنسان في جوهره كما يجب أن يكون أم الإنسان المتواجد في التاريخ بتنويعاته وتناقضاته؟ وهل أنّ السؤال عن الأوّل يلغي السؤال عن الثاني أم يستلزم ويعقد وجوده ويطرح رهان تحرّره مما هو كائن؟

وقدّم الباحث إسماعيل العسري (جامعة محمد الخامس/المغرب) مداخلة وسمها بـ”التسامح والاختلاف بين القيم الدينيّة والعولمة والرأسماليّة” درس فيها مفهوم التسامح، باعتباره إتيقا وموقفا إنسانيا، وتناول مفهوم الاختلاف باعتباره سنّة الله في خلقه ولمساهمته الكبيرة في التخلّص من التعصّب الديني ونبذ الصراعات الطائفيّة وإحلاله مبدأ السلام وقبول الآخر مكان الدعوة إلى الحروب ورفض الآخر. أمّا الباحثة أمال الرياحي (جامعة منوبة/تونس) فقد ساهمت في هذه الجلسة العلميّة بورقة علميّة عنوانها ” الهويّة التونسيّة وثقافة الاختلاف” قدّمت من خلالها بعض الحقب التاريخيّة في تونس التي كانت مثالا للاختلاف والتسامح الديني وأبرزت أنّ الثورات التاريخيّة التي قامت باسم الدين لم تكن سوى لأسباب سياسيّة بحتة وكانت غايتها إثبات هويّة ثقافيّة أخرى مختلفة عن الثقافات الأخرى.

وقدّمت الباحثة عفاف المحضي (المعهد العالي لأصول الدين/تونس) مداخلة بعنوان “قراءة في كتاب التسامح ومنابع اللاتسامح فرص التعايش بين الأديان والثقافات لماجد الغرباوي” بيّنت من خلالها انّ ما يعيشه العالم اليوم من خواء روحي يطبق على العالم في عنف ويساهم في اضطراب الأمم يتطلّب منّا جميعا الوعي جيّدا بثقافة التسامح لبلوغ غايتها ونيل شرف مرتبتها وقطف ثمارها. وقد بحثت عن مفهوم للتسامح وعن مدى عيشنا لهذه القيمة الإنسانيّة فعلا في مجتمعاتنا اليوم. وساهمت الباحثة حسنة مصدّق (تونس) بمداخلتها عنوانها “التطرّف الديني: انعكاساته على وحدة المجتمع ومسار التنمية في الوطن العربي الإسلامي” تعرّضت فيها إلى ظاهرة التطرّف الديني وانعكاساتها على مسار التنمية وأثرها على حريّة التعبير وتمسّكها بالخطاب الديني باعتباره المجيب الوحيد القادر على فكّ قضايا المجتمع الاقتصاديّة والسياسيّة والأخلاقيّة . وألقت الباحثة نادية الربيع (المعهد العالي للحضارة الإسلاميّة /تونس) على أسماعنا ورقة بعنوان “حوار الحضارات والتسويق لخطاب التسامح بين الأديان” عالجت من خلالها مشكليّة مفادها مدى وجوب الحوار والتسامح مع المخالف. ونظرت في كيفيّة التسويق لخطاب التسامح مع هذا المخالف. وقدّمت الباحثة زعرة عواني (جامعة القيروان/تونس) ورقة بعنوان ” سؤال التسامح في الثقافة الدينيّة صياغة وممارسة” بحثت من خلالها عن كيفيّة البحث عن استراتيجيات جديدة لتحويل ديانتنا وثقافتنا إلى منابع للحب والحوار البناء بين الشعوب. ورسمت من خلالها مدى حاجتنا اليوم إلى ثقافة كونيّة تشترك فيها كلّ الأديان والثقافات والشعوب. وساهمت الباحثة بثينة بوقرة (جامعة سوسة/ تونس) بورقة موسومة بـ”التسامح والاختلاف: الوصل والفصل” عالجت من خلالها مسألة التسامح والاختلاف في الدستور التونسي الجديد.

المحور الخامس: التسامح والاختلاف التفاعلات والممارسات

دارت جلسة علميّة واحدة حول المحور الخامس لهذه الندوة العلميّة. وقد انعقدت صبيحة اليوم الثاني من أشغال الندوة برئاسة الأستاذ عز الدين عناية وشارك فيها كلّ من السادة الأساتذة المنصف ونّاس وبيّة السلطاني ومنية الماجري والأستاذ علي العشي.

قرأت الأستاذة بيّة سلطاني (المعهد العالي للحضارة الإسلاميّة) ورقة علميّة عنوانها ” قيم التسامح والاختلاف بين الفطرة والاكتساب” طرحت من خلالها سؤال التسامح وفنّ إدارة الاختلاف في ضوء إشكاليّة مركّبة يفرزها الواقع تتمثّل في وجود هوّة كبيرة بين دلالة مفهوم التسامح معجميا وشرعيا وبين تجسّده في سلوك البشر. وبحثت في التأصيل الديني لقيم التسامح والاختلاف وآليات الاكتساب الفعّال لهما. أمّا الأستاذ منصف ونّاس (جامعة تونس) فقد ساهم بورقة عنوانها “ثقافة الاختلاف ضمانة للعيش المشترك” تحدّث فيها عن أهميّة ثقافة الاختلاف ودورها في تحقيق وحدة مشتركة والعيش السليم. وقدّمت الأستاذة منية الماجري (المعهد العالي للحضارة الإسلامية/ تونس) ورقة عنوانها “التسامح والاختلاف: اتصال أم انفضال” طرحت من خلالها حدود الوصل والفصل داخل مربّع التسامح مبيّنة دلالات الوصل القيميّة ودورها في بناء جسر من المناويل السلوكيّة على المستوى الذاتي. أمّا الأستاذ علي العشي (المعهد العالي لأصول الدين/تونس) فقد قرأ ورقة عنوانها” سؤال الاختلاف: بين التسامح والتعصّب الفكري” عالج من خلالها مسألة الاختلاف ودورها في تحقيق التعصّب والتسامح الفكري.

المحور السادس: التسامح والاختلاف: نماذج معيشيّة وتطبيقيّة

قام المحور السادس من هذه الندوة على جلستين علميتين اثنتين. دارت الأولى برئاسة الأستاذ محسن التليلي وساهم فيها كل من الأساتذة حكيم غريب وسارة الجويلي وعمر عبد اللاوي وأحمد الربابعة. أما الجلسة العلمية الثانية فقد ترأسها الأستاذ حبيب بن عبد الله وشارك فيها كلّ من بدر الدين الهوشاتي ونجاة ذويب وهاجر بوسفة ومنجي البراهمي وخامسة رويهم ومحمد الصادق بوعلاقي.

أمّا بالنسبة للجلسة العلميّة الأولى فقد تدخّل فيها الأستاذ حكيم غريب (الجزائر) بورقة علميّة عنوانها “مقاربة جديدة حول مفهوم الاختلاف في التراث الجزائري” عالج فيها مفهوم الاختلاف بالرجوع إلى التراث الجزائري. وساهمت الأستاذة سارة الجويلي(المعهد العالي لأصول الدين/تونس) بورقة عنوانها ” سؤال الاختلاف بين التسامح والتعصّب الفكري” تناولت من خلالها مسألة الاختلاف ودورها في توليد التعصب الفكري والتسامح. في حين تدخّل الأستاذ عمر عبد اللاوي (مركز البحوث في حوار الحضارات والأديان المقارنة بسوسة) بورقة عليمّة عنوانها ” اشكاليّة التسامح في فلسفة الأنوار” بيّن لنا فيها مكانة قيمة التسامح في فلسفة الأنوار عند كل من فولتير وروسو ومونتسكيو وديدرو بما قيمة سمحة ارتقت إلى درجة السماح بالتعدّدية الدينيّة اعتقادا منهم بأنّ التجانس الديني هو مصدر وحدة المجتمع وقوّة الدولة. في حين شارك الأستاذ أحمد الربابعة (الأردن) بورقة وسمها بـ”البناء المقاصدي وأثره في تعزيز قيم التسامح”.

أمّ الجلسة العلمية الثانية التي انعقدت حول هذا المحور فقد ترأسها الأستاذ الحبيب بن عبد الله، وتدخّل فيها الباحث بدر الدين هوشاتي (جامعة قفصة) بورقة عنوانها “مفهوم التسامح ضبطا وتأصيلا في الحضارتين الغربيّة والعربيّة”، تتبّع من خلالها المسار الذي عرفه مفهوم التسامح تأصيلا وضبطا باعتباره جوهرا إنسانيا مهما تباينت وتفاقمت الصراعات. وساهمت الباحثة نجاة ذويب (آداب القيروان/تونس) بورقة علميّة عنوانها “في شروط اللقاء الحضاري” تناولت من خلالها أهميّة اللقاء الحضاري بما هو خيار استراتيجي يؤدي بالإنسان إلى الاستقرار والعيش في أمن وسلام. وبحثت في شروط هذا القاء الحضاري مبرزة أهميّته اليوم، وبيّنت الباحثة من خلال هذه المداخلة أهم السبل الكفيلة بتحقيق هذا اللقاء الحضاري وضمان استمراريّته ونجاعته في عصرنا الراهن. وساهمت الباحثة خامسة رويهم(المعهد العالي لأصول الدين/تونس) بورقتة موسومة بـ” التعايش بين الأديان بلاد الهند أنموذجا” بيّنت من خلالها أهميّة ظاهرة التعايش بين الأديان وفائدتها بالنسبة إلى الفرد والجماعة وقد تخيّرت بلاد الهند نموذجا عالجت من خلاله هذه الظاهرة معتبرة إياه نموذجا يحتذى به في التسامح الديني والثقافي. وشارك الباحث محمد الصادق بوعلاقي(تونس) بورقة وسمها بـ”حوار الأديان واختلاف الثقافات وفي المقاربة الأكاديميّة التونسيّة: المرتكزات، الأهداف، الحدود”. بيّن من خلالها سعي المقاربة الأكاديميّة إلى تجديد النظر في العلاقة بين الأديان الكتابيّة من خلال رتق وفتق ما غلب على الرؤية التراثيّة والمعاصرة من تنافر بين الأديان. أمّا الباحثة هاجر بوسفّة (تونس) فقد ساهمت بورقة عنوانها ” تطويع الدين لخدمة مآرب العولمة” تناولت من خلالها مسألة توظيف العولمة للدين مستعرضة أهم أشكال هذا التوظيف. وأفردت الباحثة جزء من محاضرتها بحث فيه عن الحلول التي يجب أن تتبع للخلاص من هذا التوظيف وخاصّة منها التوعية بمخاطر العولمة وتفعيل الفصل الفعلي بين الدين والسياسة حتى لا يكون الدين أداة للدعاية إلى جانب التحرّر من الاحكام المسبقة حول الأديان ونشر ثقافة التسامح الديني وقبول المختلف بعيدا عن التعصّب والتطرّف.

وساهم الباحث منجي البراهمي (تونس) بورقة موسومة بـ “الطائفيّة من سجال الخلاف إلى راهنيّة الحوار” وقد تناول فيها علاقة المذهب السنّي بالمذهب الشيعي لاحتداد التوتّر بينها والصراعات الدينيّة والسياسيّة بينها في داخل الوطن الواحد. وقد تناول هذه القضيّة من خلال كتاب “الشيعة اليوم إشكاليات الهويّة والاندماج” لمحمد محفوظ.

وقد حقّقت هذه الندوة العلميّة نجاحا كبيرا على مختلف جلساتها العلميّة المنعقدة طيلة يومي 5و6 أكتوبر 2016، كما يعتبر الموضوع المطروح ذو أهميّة كبيرة كبيرة اليوم رغم المنابر العلمية والسياسية والفكرية التي عقدت له سابقا إلا أنه مازال لنا فيه ما نقول خاصة في ظل ما يمر به العالم اليوم من صراعات. فمشروع التسامح والاختلاف الديني و اللقاء الحضاري مشروع سامي يحتاج منّا مزيد بذل الجهد والوقت، لذلك فنحن لا نزعم أنّ هذا الموضوع المشكل قد استوفى حقّه من الدرس سواء بانعقاد هذا المنبر العلمي او غيره من المنابر إنّما هو موضوع متجدّد في ظلّ ما يشهد العالم اليوم من اضطرابات.


نشر منذ

في

,

من طرف

الآراء

اترك رد