الدكتورة وهيبة بن حدو – الجزائر
يزخر تاريخنا الإسلامي بشخصيات أثْرَت مكتبتنا العربية وبذلت جهدا خصبا في وضع أصول النحو العربي وقواعده وجمع تراثنا اللّغوي، ومن بينها شخصية محمد ين يزيد الثمالي الأزدي البصري المعروف بالمبرّد والمتوفى سنة 286ﻫ.
وإذا كان المبرّد آخر أئمة المدرسة البصرية لتأثره الكبير بسيبويه والمازني ولتأليفه كتاب المقتضب، إلاّ أنّ إسهاماته في البلاغة والنقد كان لها شأن كبير خاصة إذا عرفنا أنّه تتلمذ على يد الجاحظ (225ﻫ) وعاصر ابن قتيبة (276ﻫ).
ومن إسهاماته البلاغية المعروف بها دراسته للتشبيه حيث أنّه أوّل من خصص له بابا مستقلا في الكامل جمع فيه نصوصا قيّمة استفاد منها من جاء بعده من علماء البيان والتفسير وغيرهم.
هذا التنوّع في المعارف كان سببه انتقال المبرّد إلى بغداد وحياته فيها بعد الثلث الأوّل من القرن الثالث للهجرة(1 )، ممّا جعله يعيش في وسط ثقافي متسع الآفاق، فهو قادم من البصرة حاملا النحو و ممثلا لمنهج البصريين. و في بغداد و سامراء التقى بالأدباء سواء في حلقات درسه أو في مجالس الخلفاء والأمراء والعلماء، وفي وسطهم صراع حول قضايا الأدب والنقد وما كان يدور بين القديم والمحدث ثمّ ما دار حول المحدثين من النقد كما كان حول أبي نواس ومسلم بن الوليد وأبي تمام والبحتري وغيرهم(2 ).
كان هذا الصراع يثير في نفس المبرّد إحساس الشاعر وما عهده في نظمه وتجربته، لكن الدرس النحوي واللّغوي الذي غلب عليه لم يطفئ ذلك الإحساس. ففي نفسه وفكره تنازع منهجان:
أولا: المنهج النحوي:
كان يفرض عليه التزامه بأسسه وقواعده في السماع و القياس و التعليل.
أ) السماع : لقد اعتمد المبرّد – كغيره من علماء عصره- في تأصيله قواعد النحو ووضع أسسه على السّماع؛ فالسّماع عندهم يعني النّقل المباشر عن القراء والرّواة، وعلماء اللغة العرب الذين يوثق بفصاحتهم، وكان المبرّد ينقل شواهده عن الأعراب بطريقتين:
أ- عن طريق شيوخه الذين نقل عنهم اللغة: كالجرمي، والمازني، و السّجستاني، فأحيانا كان يصرّح باسم الشّيخ الذي ينقل عنه(3) ، وأحيانا لم يكن يصرّح بذلك(4) .
اترك رد