حديث النفس ولغة الجسد .. حسن محمد أحمد محمد

د. حسن محمد أحمد محمد: جامعة أم درمان الإسلامية – كلية الآداب – قسم علم النفس

لقد استخدم القرآن العظيم العديد من التعبيرات الجسدية (لغة الجسد) للكشف والتعبير عن الكثير من خبايا وأسرار النفس البشرية (الحالات النفسية)؛ مما لا يريد الإنسان البوح به أو اظهاره أمام الآخرين؛ وبجانب هذا وذاك فهو، جل وعلا، العليم بجميع أحوال النفس البشرية، والخبير بدقائق القلوب وكل ما اشتملت عليه الصدور، ويتجلى لنا ذلك في بعض الآيات نحو قوله تعالى:
(أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الملك: 14
(وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) آل عمران: 154
لقد وصف القرآن العظيم المنافقين بالخشب المسندة؛ وذلك لما كان يميز بعضهم من أجسام جميلة فارعة الطول، وحديث جذاب، بيد أن نفوسهم تكاد تتفق فرقًا وخوفًا من كل شئ:
(وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) المنافقون: 4.
ولا شك في أن هناك جملة من الأسباب قد تمنع الشخص عن التعبير عن مكنونات نفسه وخفاياها، ولسنا هنا بصدد الحديث عنها بقدر ما نريد الحديث عما ينبئ عنه الجسد من مشاعر وأحسيس مخفية، من خلال آي القرآن العظيم.
(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر:23.
والشعور بالقشعريرة التى تعتري الجسد هو دلالة وتعبير جسدي ينبئ عن حالة نفسية وهي الخوف كشفت عن قشعريرة الجلد، وقد ورد في تفسير الإمام البغوي (معالم التنزيل ص: 115) “والاقشعرار تغير في جلد الإنسان عند الوجل والخوف”. قال زيد بن أسلم : قرأ أبي كعب عند النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه فرقوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أغتنموا الدعاء عند الرقة فإنها رحمة)، وعن العباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا اقشعر جلد المؤمن من مخافة الله تحاتت عنه خطاياه كما يتحات عن الشجرة البالية ورقها)، وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما اقشعر جلد عبد من خشية الله إلا حرمه االله على النار)، وعن شهر بن حوشب عن أم الدرداء قالت: إنما الوجل في قلب الرجل كاحتراق السعفة أما تجد إلا قشعريرة؟ قلت: بلى قالت : فادع الله فإن الدعاء عند ذلك مستجاب، وعن ثابت البناني قال قال فلان: إني لأعلم متى يستجاب لي قالوا: ومن أين تعلم ذلك؟ قال: إذا اقشعر جلدي ووجل قلبي وفاضت عيناي وفذلك حين يستجاب لي يقال: اقشعر جلد قشعريرة وقال امرؤ القيس:
فبت أكابد ليل التمام … والقلب من خشية مقشعرر
وقيل: إن القرآن لما كان في غاية الجزالة والبلاغة فكانوا إذا رأوا عجزهم عن معارضته اقشعرت الجلود منه إعظاما له وتعجبا من حسن ترصيعه وتهيبا لما فيه. تفسير القرطبي (جزء 15- صفحة 217).
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا) النساء: 56.
(حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فصلت: 21-22
تنقل لنا هذه الآية صورة حسية لحالة نفسية مؤلمة ومريرة سيعاني منها الكافر في الآخرة، وهي الألم، لاسيما وأن الجلد هو أحد الحواس التي تنقل الحس بواسطة الأعصاب إلى الخلاية العصبية في الدماغ، حيث يتم تفسير الشعور بالألم أو الرراحة والسرور.
وأود منك‘قائي الكريم، أن تتأمل معي وتنظر إلى هذه الآيات الكريمة التي تنبئنا عن واحد من أهم وأبرز الأعضاء في جسم الإنسان، ألا وهو الوجه، ولا يخفى علينا ما تحمله وجوهنا من تعابير مباينة ومختلفة، وهي في ذات الوقت صادقة ولا تعرف الكذب والمداهنة مهما بذلنا من جهد لنخفي ما يعتمل في صدورنا من مشاعر وأحاسيس، تكشف عن حالتنا النفسية.
(تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيم) المطففين24.
وهي، بلا شك، تعبير عن حالة الفرح والسرور، التي تعلو وجوه المؤمنين فرحًا بما آتاهم الله تعالى من نعيم لا يبلى ولا ينفد. وقد أعرب يعقوب، عليه السلام، عما في نفسه من الفرح؛ حينما جاءته البشرى فأشرق وجهه بالفرح وامتلأ بالسرور.
(فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) يوسف: ٩٦
ويستخدم القرآن العظيم اللونين الأبيض والأسود ليرسم لنا صورة تراها أعيننا وتعيها قلوبنا؛ وذلك حين يحدثنا عن خبايا نفوس المؤمنين والكافرين وما تخفيه صدورهم، إلا أنه يبدو بوضوح شديد في الوجوه التي لا تعرف الكذب:
(يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) آل عمران: 106-107.
(وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) يونس: 27.
ولنقرأ مع ابن كثير تفسيره لهذه الآية، مع التركيز على صورة الوجه ما تعبر عنه من رضا نفسي. يقول ابن كثير في تفسير الآية السابقة: (ولا يرهق وجوههم قتر) أي قتام وسواد في عرصات المحشر كما يعتري وجوه الكفرة الفجرة من القترة والغبرة (ولا ذلة) أي هوان وصغار أي لا يحصل لهم إهانة في الباطن ولا في الظاهر بل هم كما قال تعالى في حقهم: (فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا) أي نضرة في وجوههم وسرورا في قلوبهم. تفسير ابن كثير (جزء 2- صفحة545). وسيجد المتتبع لآي القرآن الحكيم العديد من الأوصاف المزلة والمهينة التي يسم بها الله تعالى وجوه الكافرين، لدلالة على ما في صدورهم من سوء، وانعكاس لما في نفوسهم المريضة:
(وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) يونس: 27.
(وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا) الإسراء: 97.
(لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) الأنبياء:39.
(تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ) المؤمنون: 104.
(الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا) الفرقان: 34.
(وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) النمل: 90.
(يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) الأحزاب: 66.
(وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ) الزمر:٦٠.
(فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ) محمد: 27.
ﭧ ﭨ ﭽﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﮍ ﭼ الفتح:٢٩.
(يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) القمر:٤٨.
(يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) النحل:٥٨.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)الحج:١١.
وتتعمق آيات القرآن العظيم أكثر وأكثر حينما لا تقف عند حد الوجه، وإنما تتجاوزه وتتعداه إلى احديث عن أعضاء الوجه نفسه، ونعني بحديثنا هذا العين، وهي أبرز أعضاء الوجه، وفي ذات الآن، تعتبر العين بمثابة المرآة العاكسة لكل ما يدور في النفس البشرية، من خير أو شر. ومن المؤكد أن آي القرآن العظيم لا يمكنها أن تهمل الحديث عن هذا العضو المهم أو أن تتجاوزه دون أن توليه ما يستحقه من الذكر والحديث عنه؛ ولذلك سنورد بعضًا من الآيات الكريمة التي ذكرت فيها العين للدلالة على اظهار ما تخفيه الأنفس البشرية من مشاعر متباينة ومخلفة.
(وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) القصص:٩.
(فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) مريم: ٢٦
(وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) المائدة: ٨٣.
(وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) الأنفال: ٤٤.
(1الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا) الكهف: ١٠١
وفي الأعين تجلى غريزة الخوف الشديد والرعب، لاسيما في لحظات الموت، وهو خوف غريزي، ولكن المؤمنين حقًا لا يجزعون منه؛ لأن نفوسهم مطمئنة بالإيمان وقلوبهم عامرة بذكر الله تعالى؛ لذلك لا تجدهم يطربون عند الموت وإنما يلاقونه بابتسامة الرضا والقبول:
(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي) الفجر:٢٧–٣٠.
وترسم لنا الآيتان التاليتان صورة ناطقة ومعبرة عن حالة النفس البشرية وقد املأت بالرعب والخوف الشديد، وكأنها تطلب النجاة من ذلك الموقف الرهيب الذي تتمنى الفكاك منه.
(وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ) محمد: ٢٠.
(أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) الأحزاب:١٩.
(وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) يس:٦٥.
والآن ننهي هذا الحديث بتفسير في غاية الروعة والجمال؛ من كتاب (الجامع لأحكام القرآن) للإمام القرطبي لقوله تعالى:
قوله تعالى: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) وفي صحيح مسلم (عن أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال: هل تدرون مم أضحك ؟ – قلنا والله ورسوله أعلم قال – من مخاطبة العبد ربه يقول يارب ألم تجرني من الظلم قال يقول بلى فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني قال فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا قال فيختم على فيه فيقال لأركانه انطقي قال فتنطق بأعماله قال ثم يخلي بينه وبين الكلام فيقول: بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل) … ثم يقال له الآن نبعث شاهدنا عليك ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد علي فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي يسخط الله عليه …، وأشار بيده إلى الشام فقال : من ها هنا إلى ها هنا تحشرون ركبانا ومشاة وتجرون على وجوهكم يوم القيامة على أفواهكم الفدام توفون سبعين أمة أنتم خيرهم وأكرمهم على الله وإن أول ما يعرب عن أحدكم فخذه) وفي رواية أخرى (فخذه وكفه)، الفدام مصفاة الكوز والإبريق قاله الليث قال أبو عبيد: يعني أنهم منعوا الكلام حتى تكلم أفخاذهم، فشبه ذلك بالفدام الذي يجعل على الإبريق، ثم قيل في سبب الختم أربعة أوجه: أحدها؛ لأنهم قالوا: (والله ربنا ما كنا مشركين) الأنعام:23 فختم الله على أفواههم حتى نطقت جوارحهم. قاله أبو موسى الأشعري. الثاني؛ ليعرفهم أهل الموقف فيتميزون منهم. قاله ابن زياد الثالث؛ لأن إقرار غير الناطق أبلغ في الحجة من إقرار الناطق لخروجه مخرج الإعجاز، وإن كان يوما لا يحتاج إلى إعجاز، الرابع، ليعلم أن أعضاءه التي كانت أعوانا في حق نفسه صارت عليه شهودا في حق ربه فإن قيل: لم قال (وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم) فجعل ما كان من اليد كلاما وما كان من الرجل شهادة؟ قيل: إن اليد مباشرة لعمله والرجل حاضرة وقول الحاضر على غيره شهادة وقول الفاعل على نفسه إقرار بما قال أو فعل فلذلك عبر عما صدر من الأيدي بالقول وعما صدر من الأرجل بالشهادة وقد روي عن (عقبة بن عامر) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أول عظم من الإنسان يتكلم يوم يختم على الأفواه فخذه من الرجل اليسرى) ذكره الماوردي و المهدوي وقال أبو موسى الأشعري: إني لأحسب أن أول ما ينطق منه فخذه اليمنى ذكره المهدوي أيضا قال الماوردي: فاحتمل أن يكون تقدم الفخذ بالكلام على سائر الأعضاء لأن لذة معاصيه يدركها بحواسه التي هي في الشطر الأسفل منها الفخذ فجاز لقربه منها أن يتقدم في الشهادة عليها قال: وتقدمت اليسرى لأن الشهوة في ميامن الأعضاء أقوى منها في مياسرها فلذلك تقدمت اليسرى على اليمنى لقلة شهوتها. تفسير القرطبي (جزء 15- صفحة 45).
(وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) يوسف:٥٣.
(وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى) النازعات:٤٠.
(فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء:٦٥.
(فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) المائدة:٥٢.
(وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة:١١٨.
(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) التغابن:١٦.
(فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى) طه:٦٧.
(وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الحشر:٩.
(وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) النساء:١٢٨.
(يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) الزخرف:٧١.
(إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى) النجم:٢٣.
(وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) المنافقون:٤.


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

اترك رد