شاي الأمس …فايسبوك اليوم

أكثيري بوجمعة: باحث بمركز الدكتوراه مختبر المسرح وفنون العرض – كلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن طفيل

بحديثك عن البراد والصينية والكؤوس باختلاف أحجامها وأنواعها، و”المقراج”: (وهو عبارة عن إبريق من الحجم الكبير يستعمل لغلي الماء)، و”الربايع”: (عبارة عن عبوات مربعة الشكل مكونة من عنصرين مختلفي الحجم الأولى كبيرة توضع لحفظ السكر، والثانية أصغر شيئا ما لحفظ الشاي)، و”الرابوز”: (ويستعمل لنفخ الفح)، والمجمر (مصنوع من الطين)، والعلك/ اللبان: (مادة تستخرج من لب شجرة الطلح، معروفة بفوائدها الجمالية والعلاجية تضيف رغوة للشاي)، فأنت بالضرورة تتحدث عن المغرب وعن أهم الطقوس المزاولة فيه بشكل يومي من شرقه إلى غربه ومن جنوبه إلى شماله. قد يبدو اثنوغرافيا من مظهرها البراني بحكم المعتاد أنها ليست بما قد يستحق أن يكتب عنه، بما أنها تتكرر كطقس بشكل يومي مع تسجيل –طبعا- بعض الاختلافات والتفاوتات من مكان إلى الآخر، وذلك بحسب طرق التعامل مع الشاي كنسق من الأنساق المنظمة لكل ثقافة من الثقافات التي تؤثث المشهد المغربي.
بمعنى أن طقس جلسة الشاي، هي وسيلة لنقل المعنى بالتعبير الأنثربولوجي عن البنية الثقافية والتعبير عن تصوراتها وتمثلاتها، فطقس الشاي بالشمال المغربي، ليس نفسه في الجنوب المغربي المعروف بطبيعته الصحراوية؛ أي أن الشاي هنا، يضع تلك الحدود الرمزية بين مختلف الثقافات الفرعية المكونة للثقافة المغربية الأم. ليغدو بذلك وسيلة سوسيومجالية وسوسيوتاريخية للتحديد والتعريف بالهوية الاجتماعية والثقافية والأيديولوجية.
وبالعودة إلى عنوان النص من حيث ربطنا فيه بين الشاي وإحدى وسائل التواصل الاجتماعي “فايس بوك”، فذاك طرح نريد من خلاله أن نعيد النظر بقليل من الحفر الفكري في هذا الطقس، وذلك تفاديا لتلك الرؤية السطحية المؤسسة بحكم المعتاد، بكونه طقس لتزجية الوقت وضياعه دون طائل، بحكم طول مدة التحضير؛ غير أن هذا مردود عنه، خصوصا باستحضارنا لطقس شاي المناطق الجنوبية الصحراوية والتي تعرف فيها طقوس الشاي أبعادا رمزية تشي بالغنى التصوراتي والقيمي، فمن حيث الجلسة كمكون سميوطيقي تبرز لك القيادة والزعامة والمنزلة من خلال متسيد الجلسة المسمى “القيّام”، أي ذاك الذي يشرع في إعداد الشاي، كما يحضر عامل الزمن، والذي كثيرا ما يتم التفكه والتندر به بحكم طول إعداد الشاي، وهذا له تفسير لا يحضر ممن لا يمتلك ناصية البحث والتنقيب في خفايا الأمور وسيروراتها، فالزمن هنا ليس زمن التحضير فقط، بل زمن التواصل في ضوء زمن التحضير، بما مفاده أن زمن الشاي زمن طقوسي تواصلي يتم فيه تناول القضايا والمشاكل التي يعيشها الأشخاص داخل مجتمعهم، ويسمى بطقس “الجر” ومعناه إطالة مدة تحضير الشاي، ابتغاء إتاحة الفرصة للجماعة في مناقشة مشاغلهم واهتماماتهم وهمومهم وطموحاتهم بروية دون تسرع. ولعل هذا ما يفسر تفضيل أهل الصحراء بالمغرب على إعداد شايهم على الجمر، وذلك طلبا للوقت. وفي الوقت ذاته يعطي أهمية لمبدأ لهم يقول: بأن الشاي يقوم على ثلاث “جيمات”: (ج) الأولى تحيل على الجماعة، و(ج) تحيل على “الجر” جر الوقت وإطالته، و(ج) تحيل على الجمر ومدى أهميته في إعداد الشاي.
ليتأكد بالملموس أن الزمن في طقس الشاي زمن تواصلي، هدفه الإحاطة بالأحوال الاجتماعية للجماعة والتداول فيها، بالإضافة إلى معرفة آخر أخبار وأحدثها عند الجماعة المتواصلة بالشاي. بما معناه أن شاي الأمس في رمزيته وفلسفته كان بمثابة “فايسبوك” اليوم في شقه التواصلي الاجتماعي، غير أن هذا الأخير- أقصد الفايس بوك- يعلوه تقنية، بينما الشاي يعلوه طقوسية فياضة بحرارة التواصل والكرم والضيافة.


نشر منذ

في

من طرف

الآراء

اترك رد