“الويكيز” من التحرير الحر إلى كتابة التاريخ … عبوب محمد أمين

عبوب محمد أمين: كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية شعبة علوم الاعلام والاتصال بجامعة حسيبة بن بوعلي (الجزائر)

مواقع الويكي (Wiki’s) أو التحرير الحر هو صنف من مواقع الويب الجديد (الويب 2.0) التي يشارك في إنتاج وتعديل مضامينها المستخدمون، وهم يشكلون بالتالي نوعا من المجتمعات الافتراضية المتعاونة والتي تقوم بإنتاج معرفة جماعية، وتمثل موسوعة (Wikipedia) النموذج الأشهر والأكثر استخداما لهذا الصنف من المواقع، وتتميز هذه المواقع كذلك بتعدد اللغات التي تُنشر بها المعلومات والعديد منها يتكلم بأكثر من 50 لغة عالمية، وهذا ما يسمح الاستفادة من هذه المعلومات من طرف كل البشرية.
وتسمح هذه المواقع للمستخدمين بإنشاء أو تعديل أي صفحة على الموقع، والمثير في الامر أن الموقع يشجع على الاستخدام الديمقراطي للويب ويعزز تكوين محتوى من قبل المستخدمين العاديين، حيث يستعين التحرير الحر بما يسمى بالذكاء الجمعي (Intelligence Collective) والذي يساهم فيه الأفراد أو (المستخدمون)، فَتُمكن هذه المواقع المستخدم من التعليق على المعلومات ونقدها وتكملتها أو إثرائها أو الإعلان عنها أو التحذير منها والذي يسبب حذفها أو تجاهلها.
إلا أن مواقع الويكيز تعاني من توتر ومشاكل مرتبطة بانفتاح النظام التحريري الذي يعتبر في نفس الوقت من أهم ميزاتها، وكذا أنظمة المراجعة والمراقبة التحريرية للمحتوى، والضعف الواضح في ميكانيزمات التحقق من مصدر ونوعية المعلومات ومصداقيتها، وهذا ما يخلق تساؤلات حول الفرص التي تخلقها هذه المواقع والمخاطر المنجرة عن استخدامها.
بعد الطفرة الاعلامية التي تزامنت مع حرب الخليج الاولى بانطلاق الاعلام الفضائي وازدهار القنوات العامة والمتخصصة على الساحة الاعلامية، تعتبر ملفات الويكيليكس (Wikileaks) من أهم المواضيع الاعلامية التي ميزت الدوائر الاعلامية في الآونة الأخير، والتي لاقت اهتمام كبيرا من طرف الأوساط السياسية والاجتماعية، والتي مازالت تُلقِي بظلالها على المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي لدول العالم قاطبة، قد كانت بداية ظاهرة الويكيليكس -الذي قام جوليان أسانج (Julian Assange) بإنشائه سنة 2006- بمقاطع الفيديو التي تُّظهر أفراد من فرقة طيران بالجيش الأمريكي العاملة بالعراق يطلقون النار على مدنيين عزل وعلى صحفيين عاملين بوكالة رويترز والتي سُرِبتْ سنة 2010 (موقع ويكيليكس، تاريخ الادراج 05 أفريل 2010، https://collateralmurder. wikileaks.org/، تاريخ الزيارة 07/07/2016) وانتهاءً بوثائق بنما (Panama Papers) التي تم الكشف من خلالها عن صفقات مشبوهة للعديد من قادة وزعماء العالم.
يَعتمِدُ موقع الويكيليكس -على غرار مواقع الويكيز الأخرى- على معلومات ووثائق يقوم مستخدمو الأنترنت عامة مهما كانت صفتهم (مستخدمي أنترنت عاديين، جمعيات غير حكومية، مجتمع مدني، صحفيين، قراصنة معلومات )أشهرهم مجموعة الأنونيموس Anonymous) أو ناشطين في مختلف المجالات…الخ) بتزويد الموقع بمعلومات سرية ذات طابع عام أو خاص تمس شخصيات عامة (رؤساء دول، ملوك، رجال سياسة وأعامل…الخ) ويكون هذا العمل تطوعيا دون مقابل مادي (عادةً)، وتُعتبَرُ هذه الملفات والمعلومات نتاج جهد جماعي يقوم الموقع بنشرها فيما بعد، ويكون الهدف الظاهر منها هو كشف الحقائق حول قضايا سياسية كبيرة تمس الأمن العالمي وكذا صفقات اقتصادية مشبوهة وقضايا أخلاقية بشكلٍ مُوَثَقٍ، ومع أن البعض يؤكد أن هذا النوع من الإعلام المسمى بصحافة البيانات هي قرصنة للمعلومات، والهدف منها هو تشويه صورة بعض الشخصيات العامة وإثارة الفتن وكذا زعزعة استقرار بعض الدول وذلك باستعمال ما أصبح يصطلح عليه شعبيا وإعلاميا ب(التسريبات)، ويرى آخرون أن هؤلاء الناشطين هم مواطنون يريدون نشر الحقيقة وكشف ما يريد المسؤولون المحليون والاقليميون ستره عن الرأي العام المحلي والعالمي، ومع تعرض موقع الويكيليكس والطاقم القائم عليه لضغوطات إلا أنه يواصل عمله الذي يعتبره البعض بطوليا.
والملاحظ على الساحة الإعلامية مدى ثقة الجمهور بصدقية هذه الوثائق مع أنها غير معروفة المصدر وغير موثوقة المصداقية، وكذا مدى اعتماد وسائل الاعلام الجماهيرية عليها كمصدر للمعلومات الحصرية بما في ذلك الجرائد العالمية والمجلات العامة وكذا القنوات الفضائية ذات السمعة العالمية، وهذا ما يطرح تساؤل حول العمل الإعلامي المهني ومدى تحريه الصدق والمصداقية بعيدا عن الإثارة والجري وراء السبق الصحفي على حساب أهم أخلاقيات مهنة الإعلام.
ومع كل هذه التناقضات والاختلاف في الآراء حول حقيقة الويكيليكس ومن يقف وراءه وما هو الهدف من وجوده، انتقلت مواقع الويكي من التحرير الحر وتقاسم المعلومات وتطوير الثقافة الشخصية للمستخدمين إلى كتابة التاريخ الانساني، والمساهمة في التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مجتمعات العالم بأسره وتشكيل رأي عام عالمي حول ما تريد وفي الظرف الذي تريد.


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

اترك رد