الفيزياء مشهد الإنسان إزاء الوجود .. مؤيد عزيز العبيدي

د. مؤيد عزيز العبيدي: قسم الفيزياء – كلية العلوم – جامعة الموصل

المقدمة
حينما خلق الله الإنسان ومنحه العقل ثم علمه الأسماء كلها جعل منه مخلوقا مميزا ومتفوقا على مخلوقاته الاخرى . وقد تجلى تفوقه هذا في قدرته على طرح الأسئلة واقتراح إجابات لها . وليست الفيزياء عبر كل مراحل تطورها وتباين محتواها وصياغتها سوى مشهد يعرض الأسئلة وإجاباتها . ومن ثم فان الفيزياء هي مشهد الإنسان إزاء الوجود ، الذي تشكل بفعل السؤالين الكبيرين لماذا ؟ وكيف ؟ وإجاباتها.
أن مجموع الإجابات عن لماذا هو ما يشكل النظام السببي الذي وضعه الإنسان لفهم الظواهر الطبيعية ابتداء من نزول المطر وحتى النشاط الإشعاعي وتمدد الكون . وباقتران إجابات لماذا ؟ وكيف ؟ وتراكمهما وتبادل التأثير بينهما وتكاملهما ولد ما يعرف اليوم بعلم الفيزياء بكل فروعه وتشعباته وشموله للموجدات من الإلكترون وحتى النجوم العملاقة .
وفي هذه المحاضرة سنسعى إلى بيان تطور النظام ألسببي وتباين الصور التي قدمها للوجود –أشياء وظواهر- وتباين الصياغات الرياضية له . وتباين المفاهيم العامة التي قام عليها . وما أدت إليه هذه التباينات من ولادة أكثر من فيزياء كل فيزياء تختلف عن الأخرى ، إما في حدود الكتل التي تتعامل معها أو في السرع والطاقات التي تصح فيها أو في هندسة الفضاء المقترنة بها . كما سنسعى إلى بيان ما اعتقده البعض اختلالا في الأنظمة السببية التي تمثلها الفيزياء الكلاسيكية والنسبية والكمية والى التفسيرات المتباينة لبعض الظواهر الكونية ثم إلى مشكلات مازالت تبحث عن حل . ولم يفتنا في النهاية أن نتطرق إلى مسألة لم تغادر ذهن الإنسان وهي ما علاقة كل هذا الوجود ومقترحاتنا لتفسير ظواهره بإيماننا بوجود الله وقيومته.
1- تطور النظام ألسببي
أن امتلاك الإنسان للعقل ووجوده في طبيعة تؤثر موجوداتها وظواهرها في حياته وأمنه جعله يبحث عن تفسيرات لما يجري حوله من أحداث وتغيرات فنسب هذه الأحداث إلى أسباب اعتقدها هي المؤدية الى هذه الظواهر فكان النظام ألسببي نتاجا لتفاعل العقل مع الظواهر .
الظواهر الطبيعية + العقل السببية
هذه السببية كانت تعتمد على الملاحظة ثم كشف العلاقات بين الظواهر المعينة باستخدام العقل ومنطقه فمثلت مرحلة كانت فيها الفيزياء متداخلة مع الفلسفة .
ولم يكن هذا النظام ألسببي بقادر على أن يصف العلاقات المتحكمة بالظواهر بطريقة يمكن بواسطتها تعميم العلاقات واستخدامها في تفسير ظواهر أخرى إلا بعد أن تمكن من تقنين المنطق بلغة خاصة هي الرياضيات, ومن ثم استخدامها في التعبير عن تناسب النتائج مع الأسباب المؤدية إليها .وعن تغير هذه الأسباب ونتائجها مع الزمن . وبذلك اتاحت التعبيرات الرياضية عن السببية إمكانية التوقع المستقبلي للحالة المعينة وماضيها . وبذلك صار ممكنا اختبار صحة العلاقة السببية من اختبار صحة توقعاتها.
وهنا بدأ دور المختبر وعمليات القياس في الفيزياء . اذ يتم نقل الظاهرة إلى المختبر وتكرارها والتحكم بمتغيراتها وحساب نتائج هذه التغيرات ومقارنتها مع النتائج التي تتوقعها الصياغات النظرية الرياضية. وهذا ما جعل عمليات القياس ونمذجة الظواهر جزءا أساسيا من علم الفيزياء. ونستطيع التعبير عن علم الفيزياء الآن بالعلاقات
السببية + الرياضيات نظريات فيزياء
نظريات فيزياء + مختبر علم الفيزياء
إذن يقوم علم الفيزياء على دعامتين . الأولى ، الصياغات الرياضية للعلاقات السببية . والثانية ، التجربة المختبرية الكاشفة للبنية السببية المبينة لصحة الصياغات الرياضية لها . ومن ثم فان تطوره محكوم بهاتين الدعامتين اللتين أدى تقدمهما إلى تعدد صور الوجود وتعدد الأبنية السببية.
2- تعدد الصياغات الرياضية وهندسة الفضاء
حتى نهاية القرن التاسع عشر كانت الصياغات الرياضية تعتمد على رياضيات التفاضل والتكامل وجبر المتجهات . وكانت هندسة الفضاء خلفية تُمثَّل عليها المتجهات ولكنها مستقلة عن الأحداث وسهم الزمان الذي يسير إلى الأمام هو الآخر مستقلا عن الحدث والمكان .
وقبل بداية القرن العشرين بسنوات قليلة اثبت ماخ أن الخلفية ليست مستقلة عن الحدث وان كتلة الكون ستكون صفرا عند غياب الخلفية . وبذلك أحدث أول تغير في صورة الوجود ترتبط فيه المادة بالهندسة .
ثم جاءت التحولات الكبرى في الصياغات الرياضية عندما بدأ البحث في العوالم غير المرئية – الذرية وما دونها – وما فوق الشمسية . ففي العوالم غير المرئية لم يعد ممكنا التعبير عن المتغيرات بمتجهات حقيقية بل صارت المنظومة كلها موصوفة بمتجه معقد لا معنى له بحد ذاته يمثل في فضاء لا نهائي الأبعاد هو فضاء هلبرت ويتم التعامل مع صيغ رياضية إحصائية أما في عوالم الطاقات العالية والكتل فوق الشمسية فقد تم اقتران الزمان بالمكان واقترانهما معا بالحدث في فضاء رباعي تمثل فيه المتغيرات بمتجهات رباعية وطورت النسبية العامة هذا الفضاء فقرنته بالمجال ألجذبي الذي يؤدي إلى تحدب أبعاده . وتمثل فيه المتغيرات بممتدات بدلا من المتجهات وتخضع لتفاضل هو غير التفاضل الاعتيادي.
لقد أدى تباين الصياغات الرياضية وهندسات الفضاء إلى نظامين سببين احدهما يرتبط بالمتجهات والممتدات الحقيقية هو النظام ألسببي الأحادي الاتجاه – الحتمي – والآخر نظام سببي متعدد الاتجاه – الاحتمالي – يتمثل الأول بفيزياء ألحتم والاتصال. والثاني بفيزياء الاحتمال والانفصال .
الحتم والاتصال
يعني مفهوم الحتم الصياغات الرياضية التي تؤدي فيها تغيرات معينة إلى تغيرات معلومة مؤكدة . أما الاتصال فيعني أن مقادير التغير غير محدودة القيم تبدأ من الصفر و إلى المالانهاية وتمثل فيها مسارات التغير بخطوط ناتجة عن عدد لانهائي من النقاط المتصلة ببعضها . ويضم هذا النظام السببي الفيزياء الكلاسيكية والنسبيتين الخاصة والعامة .
الاحتمال والانفصال
يعني مفهوم الاحتمال ,الصياغات الرياضية التي تؤدي فيها تغيرات معينة إلى تغيرات محتملة تتفاوت في درجة احتماليتها . أما الانفصال فيعني أن مقادير التغير محددة بمقدار معين او بمضاعفاته ومن ثم فان مسارات التغير تمثل بنقاط منفصلة وليس خطوطا . ومن ثم فان الفضاء شبكة من نقاط وليس خطوطا متعامدة .ويضم هذا النظام, الفيزياء الكمية التي تعبر عن التغيرات والهندسات بأرقام .
ومن الطريف أن نذكر انه في احد ردود ابن رشد على الغزالي في كتابه( تهافت التهافت) حول مسألة اختلاف أعداد الجوهر الفرد في تكوين الأجسام قوله: انه لو كان الأمر كذلك فان علم الهندسة سيكون علم العدد بعينه. و نذكر أيضا أن إبراهيم النظام_ وهو من علماء الكلام في بغداد_ رفض أن يكون الخط عددا لا نهائيا من النقاط. و قال: كيف يحوي ما هو متناهي – يقصد الخط -على ما هو غير متناهي – يقصد النقاط . و على هذا الأساس قال بمبدأ الطفرة في الحركة .. و هو المبدأ نفسه الذي نستخدمه الان في تفسير إنتقال الألكترونات بين مستويات الطاقة.
تعدد صور الوجود
جسيم و موجة
إذا ما كانت الرياضيات قد قادت إلى تعدد صيغ تمثيل المتغيرات, فإن المختبر قاد إلى نوع آخر من التعدد هو تعدد صور الموجودات . إذ بينت تفسيرات تجارب مختبرية متعددة أن الجسيم يتصرف أحيانا و كأنه موجة و أن الموجة تتصرف احيانا و كأنها جسيما. و من ثم فان الموجة جسيم ، و الجسيم موجة ، و معلوم أن هذا التعدد يمثل العماد الذي يقوم عليه الميكانيك ألموجي.
كتلة و تحدب
حينما قرن ماخ الكتلة القصورية بالخلفية المكانية فانه كان يقرن المادة بالهندسة . ذلك الاقتران الذي أوقد فكرة النسبية العامة- نظرية اينشتاين في الجذب التي تفترض أن وجود تحدب في الزمكان يعني وجود الكتلة وان وجود الكتلة يعني وجود التحدب ومن ثم فانه بالا مكان دراسة الكتل الهائلة من خلال التحدبات التي تحدثها في الزمكان ، مثلما يمكن دراسة حركة كرة حديدية موضوعة على شبكة صياد موترة من أطرافها الأربعة من دراسة التقعر الذي تحدثه الكرة في الشبكة . ومن هذه الصورة المزدوجة للوجود انبثقت نظرية الانفجار الهائل التي تقول أن الكون ولد من تحدب هائل في الزمكان الذي كان مسطحا قبل ولادة الكون .
تعدد المفاهيم
إن الوجود أشياء و مواضع و تأثيرات متبادلة تفسرها الفيزياء. و من ثم فان المفاهيم الأساسية في الفيزياء هي المكان و الزمان الكتلة
المكان و الزمان .. و الزمكان
المكان في الفيزياء الكلاسيكية والكمية غير النسبية موضع في الفراغ يكتسب تعريفه من تموضع الأشياء فيه ومن النظام ألإحداثي الذي نفترضه . و من ثم فانه مطلق لا تؤثر فيه مقادير الكتل أو الأزمان . و لكن الحركة لا معنى لها من دونه . إذ أن تغيره لأي جسم أو مجال في فاصلة زمنية محددة هو ما يمنح الحركة معناها .
و لم يعد معناه كذلك في الفيزياء النسبية إذ اقترن بالزمان فما عادت الفواصل في الفضاء مكانية خالصة بل مكانية و زمنية في آن معا, فهي زمكان ،كما انه لم يعد هناك نقاطا بل احداثا و صارت الفواصل الفضائية -بين الأحداث و ليس بين النقاط- تتأثر بوجود الكتل و نمط توزيعها . الأمر الذي جعل الفضاء فضاءات .
الكتلة ( قصورية و جذبية و منفعلة )
اما الكتلة فقد تعددت مفاهيمها إلى الكتلة القصورية و هي المقاومة التي يبديها الجسم ضد الحركة – و هي كتلة قانون نيوتن الثاني (F = ma ). والكتلة الجذبية التي هي كمية المادة المولدة للمجال ألجذبي بحسب( = g) والكتلة المنفعلة و هي التي تستجيب لتأثير المجال ألجذبي و لكنها لا تولد مجالا جذبيا كما هو حال الفوتون الذي يملك كتلة منفعلة مقدارها( E/c2 )لكنه لا يملك كتلة قصورية وجذبية -التي نسميها كتلة السكون- . و هكذا لم تعد المعادلة F = ma (القوة تساوي الكتلة في التعجيل) مكافئة للمعادلة F = mg (القوة تساوي الكتلة في شدة المجال الجذبي) إلا إذا تساوت الكتلة القصورية بالكتلة الجذبية .
الزمان ..
لا يقل مفهوم الزمن ارتباكا عن مفهومي المكان و الكتلة، فهو يدخل في كل القوانين الأساسية للفيزياء و هو في الوقت نفسه ليس خاصية جوهرية في المادة . لا بل يذهب البعض إلى انه ليس جزءا من الوجود بل ابتكارا ذهنيا لتميز القبل والبعد – هذا قول الغزالي في تهافت الفلاسفة-. وتوضيح الفاصلة بين السبب والنتيجة . ومن الطريف أن نتذكر أن موقف باحثي القرن الحادي و العشرين من الزمن تطابق مع موقف الغزالي الذي عد الزمن ابتكارا ذهنيا لتميز ماكان وما هو كائن وما سيكون .
5- تكافؤات وثوابت كونية . .
لقد وضعت الفيزياء المعاصرة حدا لتصاعد الفعل فجعلته مساويا لثابت بلانك بدلا من صفر . وحدا لسرعة انتشار التفاعل الفيزيائي فجعلته بسرعة الضوء بدلا من اللانهاية . وهما الثوابت الكونية التي بني على اساسها نظام الوحدات الطبيعية في الفيزياء الحديثة . ولقد بيّنت اكثر من علاقة أن صور الوجود تتكافأ بواسطة احد هذين الثابتين او كليهما .. مثل تكافؤ الكتلة والطاقة ، والتردد والطاقة هذا فضلا عن تكافؤات تحققها ثوابت اخرى مثل الكتلة الكلاسيكية في قوانين التسارع والجذب حيث يكافؤ التعجيل شدة المجال .. وشحنة الالكترون وكتلته مثل قانون لامور الذي يكافؤ دوران الشحنة بشدة المجال المغناطيسي .
6- فيزياء واحدة ام فيزياء متعددة
إن تباين مديات اشتغال قوانين الفيزياء جعل من الفيزياء فيزياء متعددة. فبحسب الكتل التي تتعامل معها, هناك الفيزياء الكمية مع الكتل الجزئية وما دونها والفيزياء الكلاسيكية مع الكتل فوق الجزئية والشمسية والفيزياء النسبية مع الكتل فوق الشمسية . وهناك فيزياء السرع العالية القريبة من سرعة الضوء وفيزياء السرع الواطئة مقارنة بسعة الضوء وهناك فيزياء الفضاء المسطح وفيزياء الفضاء المحدب.
7-التناقضات الظاهرية
1- الفيزياء الكلاسيكية – سهم الفضاء
وهو تناقض بين المفهوم السببي وصياغته الرياضية . حيث يقوم المفهوم السببي على أن الزمن يتحرك دائما الى الامام فهو موجب دائما في الفيزياء الكلاسيكية ولكن الصياغة الرياضية لا تميز بين الاتجاه الموجب والاتجاه السالب للزمن فتقبل الاتجاهين الموجب والسالب لانها معادلة تفاضلية من الدرجة الثانية بالنسبة للزمن.
2 – الفيزياء النسبية – مشكلة التوائم
معلوم أن التحويل المرجعي في النسبية الخاصة يقوم على عامل لورنز ومن ثم فهو لا يميز الاتجاهات المتعاكسة للسرعة . فلو فرضنا أن توأمين احدهما يتحرك في مركبة بسرعة (V) قريبة من سرعة الضوء والاخر يراقبه من الارض ، فان المراقب سيرى اخاه اصغر منه سنا بعد عودته من الرحلة ، واذا مانظر الاخر الى اخيه الذي المحطة فأنه سيراه يتحرك بسرعة (V-) ومن ثم فهو اصغر منه سنا
3- الفيزياء الكمية – قطة شرودنكر
في تجربة القطة اذا وضعنا قطة في صندوق مغلق مع صاعق وذرة تنحلل اشعاعيا فتقدح الصاعق الذي يقتل القطة ، اذا ما تركنا القطة لزمن يساوي عمر النصف فان الذرة ستنحل بأحتمال 50 % ومن ثم فان القطة ستكون حية بنسبة 50% مميتة بنسبة 50% بحسب نظرية الكم ويعد هذا لبسا مفاهيميا سببه الصياغات الاحتمالية.
8-تفسيرات متباينة
أن تعدد الانظمة السببية في الفيزياء افضى الى تفسيرات متباينة للظاهرة الواحدة . كما في الثقوب السوداء التي تفسر بحسب قوانين الجذب على أن سببها هو شدة المجال الجذبي الذي يمنع الضوء من الانفلات فلا ترى النجم ، وتفسره النسبية العامة أن الزمن يستطيل الى المالانهاية فلا يكتمل التردد وممن ثم لانرى الضوء .
وظاهرة خلق الجسيمات تفسر استنادا الى طاقة الفراغ بحسب تأثير كازمير و تفسر إستنادا إلى أن هندسة الفضاء تجعل إجراء الفناء على الحالة الصفرية لا يساوي صفرا و من ثم تولد الجسيمات من الفراغ بسبب تحدب الفضاء .
و قد وصل تعدد تفسيرات ظاهرة الإنحراف الأحمر إلى ما يهدد نظرية تمدد الكون إذ بدا بعض العلماء بتفسير هذه الظاهرة إستنادا إلى نظرية إنبعاث الفوتونات الثانوية و ليس إستنادا إلى تباعد المجرات .
9- مشكلات تبحث عن حل
إن كل التطورات الهائلة في الصياغات الرياضية و التجارب المختبرية لم تصل بعد إلى رسم صورة متكاملة للوجود فما زالت هناك مشكلات اساسية لم تجد حلا و يعتقد العلماء أن حلها هو الذي سيعطي الصورة الواضحة للوجود و تطوره و هذه المشاكل هي تكميم المجال الجذبي و تكميم الطرف الأيسر من معادلة اينشتاين أي الجزء الهندسي . و هناك مشكلة تكميم الزمن و الوصول إلى مفهوم واضح له . و هناك المشكلة الأكبر التي هي وحدة المجالات في صيغة رياضية واحدة .
10 – جكمة الفيزياء
أن اولى الحكمة التي تقدمها الفيزياء كما رأيناها في تعدد مقترحاتها لصور الوجود وانظمة السببية هي أن (الله لا اله الا هو الحي القيوم ) والتي تعني انه على الرغم من ادراكنا لوجود قوانين وسنن تحكم حركة الكون وعلاقات أشيائه الا أن هذه القوانين تعمل في الكون ليس بطريقة الاله المنضبطة التي صممها مخترع ثم شغلها فبدأت بالشتغال وما عادت في حاجة الى تدخله بشكل مستمر في عملها . وهي ما يعرف بنظرية الاله المستقيل الذي وضع قوانين الكون واعطاها الدفعة الاولى وما عاد له من عمل (حاشاه ).
فالحقيقة كما بينتها الفيزياء بنظرياتها الكبرى هي غير ذلك تماما . فنحن نتحدث عن مبدأ الفعل الاقل Least action Principle في تحديد مسارات الحركة بفعل القوة او بغيابها . ولو تساءلنا كيف يعرف الجسيم أن هذا المسار المعين هو صاحب الفعل الأقل فليس لنا الا أن نقول أن للاجسام ذكاء تحدد بواسطته مسار الفعل الأقل. او أن هناك من يقودها الى هذا المسار . واذا ما تساءلنا لماذا تنحل هذه النواة بفعل النشاط الاشعاعي ولا تنحل النواة المجاورة لها وتنوجد في الظروف نفسها ؟ فليس لنا ان نجيب الا بان للنواة ذاكرة تدرك بها ان اوان تحللها قد وصل .او ان هناك من يوعز لها بان تتحلل .
ومن ثم فان حضور هذا الفاعل قائم في كل حركة يتحركها جسم في الكون سواء كان هذا الجسم صغيرا ام كبيرا.وان تدخله هذا قائم بالفعلية نفسها منذ اوجد الكون سواء بانفجار هائل ام بطريقة لا ندركها اليوم لان ايا من قوانين الكون لم يتعطل (لا تاخذه سنة ولا نوم).
اما ثاني حكمة فيزياء :فان لقوانين الفيزياء حدودا للاشتغال بدقة وانه كلما ابتعدنا عن هذه الحدود لم تعد هذه القوانين بالدقة نفسها .كما ان للتصاغر حدودا وللتزايد حدودا . واذا ما تسائلنا :لماذا تعمل هذه القوانين عند هذه الحدود؟ فسوف لانستطيع الاجابة ,الاباننا لانعرف الان وربما نعرف غدا .(لا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء)
اما ثالثة حكمة الفيزياء,فهي ان العلم تراكمي وتكاملي ساهمت فيه وتساهم كل امم الارض ,وانه كلما اعتقدنا اننا وصلنا الى المعرفة الكاملة ظهر ما ينبهنا :ان معرفتنا ما زالت ناقصة.


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

اترك رد