إصدارات الدورة الثانية من ربيع العلوم الاجتماعية 2022


شكل النجاح المتميز والمثمر الذي حققته ربيع العلوم الاجتماعية في دورتها الأولى حول موضوع “العلوم الاجتماعية والتحولات المجتمعية” لحظة تأسيساتية لتقليد علمي سنوي بأفكار وتجارب منفتحة تراهن في البدء والختام على فعل الانكتاب وتحرير النصوص، فالأثر لا يموت ولا ينمحي. لذلك شكلت تجربة توزيع منجزات الأعمال لحظة فعاليات الندوة، فكرة فائقة تنتصر لمبدأ حكمة البقاء للأثر، وتضع الباحثين في نفس الآن في مواجهة “ورطة” الكتابة، والدعوة نحو المزيد من الإنتاج في محراب البحث العلمي.
وعلى ذات المنوال، ارتفع سقف الانكتاب في الدورة الثانية لربيع العلوم الاجتماعية لهذه السنة المنعقدة يوم 26 مارس 2022 بمركز التكوينات التابع لجامعة الأخوين بإفران، حيث أقيم حفل تقديم ومناقشة منجزات هذه الدورة ويتعلق الأمر بثلاثة كتب التي تحتفل بالرباط عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي 2022:
1. أنطولوجيا السوسيولوجيا المغربية نصوص مختارة.
2. الهجرة والعلوم الاجتماعية: الديناميات الهجروية وتحديات التعددية الثقافية”
3. الطقوس والممارسات الفلاحية إثنوغرافيات التراث المادي.
تخلل هذا الحفل كلمات للسادة الأساتذة منسقي هذه الإصدارات العلمية: الأستاذ الدكتور عبد الكريم مرزوق، الأستاذ الدكتور أحمد شراك، الأستاذ الدكتور جمال بوطيب، الأستاذ الدكتور عبد الرحيم العطري.
نبذة عن إصدارات ربيع العلوم الاجتماعية:
الكتاب الأول: الهجرة والعلوم الاجتماعية: الديناميات الهجروية وتحديات التعددية الثقافية”
يأتي هذا الكتاب خلاصة لأشغال الدورة الثانية من الندوة العلمية الدولية لربيع العلوم الاجتماعية بجامعة الاخوين بإفران يومي 26 – 27 مارس 2022، يقع في 542 صفحة من الحجم المتوسط، صادر عن مؤسسة مقاربات بفاس- المغرب لسنة 2022 لمجموعة من المؤلفين (36 باحثا) من مختلف الجامعات المغربية، والموسوم ﺑ ” الهجرة والعلوم الاجتماعية: الديناميات الهجروية وتحديات التعددية الثقافية” في طبعته الأولى، وبالنظر للأهمية الحيوية التي ينطوي عليها موضوع الهجرة؛ إذ ليس من المبالغة في شيء إذا ما اعتبرنا أن مستقبل العالم ستكتبه الهجرة بكل تحولاتها وتأثيراتها وتداعياتها على العلاقات الدولية وعلى العيش المشترك المأمول، فإن رهان هذا المنجز ينحو منحى التفكير في قضايا الهجرة بوصفها مجالا خصبا للعلوم الاجتماعية التي تعد قاعدة أساسية لكل سياسة عمومية تتوخى النجاعة.
ولعل أبرز ما يميز الهجرة اليوم هو كونها هجرة معولمة، إذ أن مغاربة العالم اليوم يتواجدون في أزيد من 80 بلدا حول العالم. الأمر الذي ينتج عنه اختلاف حاجيات هذه الفئة المجتمعية داخل تلك الدول المستقبلة ودول الأصل أيضا. ومن ضمن التحولات التي شهدتها الهجرة أيضا هو أن المغرب لم يعد بلدا مصدرا للهجرة فحسب، بل مستقبلا أيضا، ذلك أنه بات يستقبل هجرة دول جنوب الصحراء، فضلا عن الوافدين من دول الشمال في إطار الإقامة أو الاستثمار. ناهيك عن كونه بلد عبور أيضا، يحتضن مئات المهاجرين من دول الجنوب قبل أن يجدوا فرصة للمرور إلى أوروبا.
وبالتالي تضعنا هذه الدينامية الهجروية أمام تعددية ثقافية داخل البلد الواحد. وتستحيل في هذه اللحظة أداة ناقلة للثقافة والحضارة وللمهارات، وهي بذلك تتجاوز البعد الاجتماعي لتحيل على بعد ثقافي وحضاري من شأنه إغناء التراث الإنساني. إن الغاية التي ينشدها هذا المنتج الجماعي هو التفكير في بلورة خارطة طريق تمتلك من الشرعية العلمية والمعرفية والعملية لحل إشكالات التعددية الثقافية التي أنتجتها الديناميات الهجروية، وبالتالي امتلاك تصورا للمواطنة العالمية.
إن مفهوم الهجرة اليوم يحتاج إلى إعادة النظر عبر تطوير مقاربات جديدة لا تجعل الهجرة مسألة اجتماعية فحسب بل حضارية أيضا. وبالتالي يشدد المؤلف على الانفتاح على كل الحقول والتخصصات العلمية، فضلا عن مختلف التجارب الدولية التي سبقتنا في قضايا الهجرة لفهم الانوجاد الاجتماعي في أبعاده الإنسانية الرحبة.
الكتاب الثاني: أنطولوجيا السوسيولوجيا المغربية نصوص مختارة
صدر كتاب أنطولوجيا السوسيولوجيا المغربية نصوص مختارة عن منشورات مؤسسة مقاربات للنشر والصناعات الثقافية بمدينة فاس-المغرب، في مارس 2022، وهو من الحجم المتوسط، يقع في 456 صفحة من الحجم الكبير، يشمل جانبا من أشغال فعاليات ربيع العلوم الاجتماعية في دورته الثانية، الذي نظم يومي 26 و27 مارس 2022 بإفران من طرف جامعة الأخوين بإفران، ومجلس الجالية المغربية بالخارج، وجامعة محمد الخامس بالرباط، ومركز ابن خلدون لدراسات الهجرة والمواطنة. يتضمن الكتاب مساهمات علمية لمجموعة من الدكاترة والأساتذة الجامعيين في تخصصات العلوم الاجتماعية، وهو عبارة عن كتاب توثيقي لمجموعة من أعمال الباحثين الاجتماعيين.
إن هذا الكتاب يضع أمام القارئ والمهتم أرضية خصبة وتوجيهية وبيبليوغرافية بخصوص الأبحاث والدراسات العلمية التي أنجزت في حقل العلوم الاجتماعية، وهو في نفس الوقت يتنصر لثقافة الاعتراف من خلال توطين مجهودات وإنجازات الباحثين الذي يعود لهم الفضل في شق طريق العمل البحثي العلمي الجاد، كما يؤصل لأسس البحث الاجتماعي من حيث الموضوع والمنهج، وأيضا التأسيس لأهمية المعرفة العلمية التكاملية في العلوم الاجتماعية. وبالتالي، يمكن اعتباره منجزا طليعيا بامتياز، ووثيقة علمية تاريخية توثق لما أنجز في حقل السوسيولوجيا المغربية، وبهذا ينزع نحو التأسيس لعلم اجتماع مغربي بقواعد وخصوصيات وأساليب مغربية خاصة بعيدا عن النمطية والتبعية للمألوف.
فالدراسات والأبحاث التي أنجزت من داخل السوسيولوجيا، والتي ركزت بالأساس على قضايا وإشكالات المجتمع المغربي منذ بزوغ فجر هذا العلم عرفت تحولات عميقة في سياقات مغربية مختلفة ومتنوعة، بين الأخذ والجذب مع البراديغمات الغربية، لذلك يأتي هذا الكتاب لتفكيك وتحليل الأعمال والمنجزات السابقة وتأطيرها في سياقها المغربي الخاص، وذلك من أجل البحث والتنقيب عن الجذور والأسس العلمية للسوسيولوجيا المغربية بطريقة توثيقة. إنه عمل يحاول أن يكون وفيا للأعمال البحثية العلمية الرصينة، وللباحثين الاجتماعية الذين رسموا محطات تاريخية للسوسيولوجيا المغربية بكل أمانة وعلمية، كما يمكن اعتبار هذا الكتاب عبارة عن خارطة طريق للموضوعات والأبحاث المستقبلة، وكذلك شعلة لانطلاق شرارة البحث الاجتماعي بخصوصيات مغربية محضة. فإن كتاب أنطولوجيا السوسيولوجيا القروية يعتبر دليلا مرجعيا لكل باحث في العلوم الاجتماعية.
الكتاب الثالث: الطقوس والممارسات الفلاحية إثنوغرافيات التراث المادي
يأتي الكتاب حصيلة لتظافر مجموعة من الجهود التي بدلتها جامعة الأخوين بتنسيق من السيد الدكتور عبد الكريم مرزوق، والسيد الدكتور عبد الرحيم العطري، وهو كتاب صادر عن مؤسسة مقاربات بفاس- المغرب لسنة 2022 لمجموعة من المؤلفين (36 باحثا) يقع في 466 صفحة من الحجم الكبير، شارك فيه مجموعة من الباحثين في مختلف حقول العلوم الاجتماعية (السوسيولوجيا، الأنثروبولوجيا، التاريخ، الجغرافيا، الثقافة الشعبية…).
يتناول هذا الكتاب مختلف الطقوس والممارسات الفلاحية بالمجتمع المغربي، طرحها مجموعة من الباحثين وصفا وتحليلا، منطلقين مما أكدتها عدد كبير من الأبحاث على أن المغرب هو فعلا “جنة الأنثروبولوجيين” الشيء الذي انتج حصيلة معرفية راهنت على مسائلة جغرافيات الثقافة الشعبية المغربية عبر مدخل الفعل الطقوسي الفلاحي الذي يعرف حضورا قويا بالمجال القروي، فهو فعل يحيل على عمق تاريخي وامتداد مجتمعي مسنود برمزية دالة يضفيها عليه الأفراد والجماعات.
جاء بين دفتي هذا الكتاب المهم عددا لا محدود من الموضوعات اللامفكر فيها في رحاب الثقافة الشعبية عموما، وفي سجل الطقوس الفلاحية تحديدا، حيث تطرق الباحثين إلى وقائع طقوسي في الزمن الفلاحي، من قبيل طقس يناير وتغنجا اللذين يجددان امتداد كبيرا لهما في مجتمعات شمال افريقيا تحديدا، وعادات السقي والحرث والزراعة والحصاد، تربية النحل والرعي، العادات الغدائية، وتأبير النخل، وصناعة الزرابي…كلها مواضيع جعلت من هذا الكتاب ينفرد بهذا العمل، باعتباره أول منجز يفكر في الطقوس والممارسات الفلاحية كموضوع يتم العمل من خلال النظر إلى الكيفيات التي يتفاوض ويدبر به الأفراد والجماعات حياتهم اليومية، بل ويعكس بشكل كبير نظرتهم إلى الكون بتعبير ماكس فيبر.
إنما يراهن عليه كتاب الطقوس الفلاحية في البدء والختام، هو الانتصار للموضوعات التي تعتبر خطأ، غير مهمة أو هامشية في رحاب العلوم الاجتماعية، الشيء الذي جعله منه عملا متميزا يفتح نوافذ البحث على قارة بحثية خصبة تحتاج لمزيد من الجرد والتحليل والتفكيك، ذلك أن الانصات لصوت المحلي المتخم بالطقوسي والرمزي سيعمل حتما على صناعة الامتياز داخل العلولمي.


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

اترك رد