الهجرة والهوية والتعددية الثقافية

ترأس الجلسة الدكتور أحمد شراك، وهو أستاذ باحث بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، الذي رحب بالمشاركين والحاضرين، وشكر جميع المؤسسات الحاضنة والشريكة في هذا اللقاء العلمي، مؤكدا على أهمية موضوع الهوية والتعددية الثقافية بخصوص المهاجرين المغاربة، وما يطرحه من إشكالات عميقة وجوهرية أمام تحقيق الاندماج والاستيعاب وتحقيق التكيف لجميع النازحين والمهاجرين على اختلاف ثقافاتهم وانتماءاتهم.
وقد ركزت الدكتورة سعاد كعب، وهي أستاذة باحثة بجامعة محمد الخامس بالرباط، في المداخلة الأولى على موضوع: “نظرية التعددية الدينية ومفهوم الدين كمقاربة”. حيث طرحت في البداية السؤال التالي: هل من مجيب على التعددية الدينية في ظل التعددية الثقافية؟ وافترضت أن الجواب على هذا السؤال يقتضي تحديد العلاقة بين الدين والثقافة. وعززت ذلك بنماذج نظرية علمية من تصور إميل دوركايم وماكس فيبر وغيرها للدين، إذ ترى الدكتورة أن سؤال الدين يجب مقاربته بإشكالات عميقة تبعا للتحولات الاجتماعية، وأكدت أن الدين يحتوي الثقافة. وفي حديثها عن العلاقة بين الأديان، ترى أنه يجب البحث عن الصيغة التي تقرب بين الأديان، وتفادي الصراع والاحتكاك بينها لفتح أفق للتسامح والحوار والتفاعل الإيجابي من أجل إيجاد حل لكل الإشكالات التي تطرحها مسألة التعددية الثقافية بصدد الهجرة.
أما المداخلة الثانية التي ألقاها الدكتور محمد فاضل، وهو أستاذ باحث بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، بعنوان: “في ممكنات وحدود نموذج التعددية الثقافية في تدبير إشكالات الهجرة والأقليات الثقافية، حالة كندا نموذجا”. فقد عمل الدكتور على عرض التجربة الكندية بخصوص التعددية الثقافية للمهاجرين باعتبارها شديدة التعقيد، ويعود ذلك إلى كون الهجرة تشكل مكونا من مكونات المجتمع الكندي. وقد عقد الدكتور مقارنة بين النموذج الفرنسي والنموذج الكندي مع الإشادة بهذا الأخير بخصوص العاطي مع التعددية الثقافية بشكل مؤسساتي لصالح المهاجرين وتحقيق اندماجهم بشكل صحيح بعيدا عن التعصب أو الاحتقان، إذ أن هذه التعددية في كندا تم أخذها بعين الاعتبار في تغيير فلسفة الدولة ككل.
ومن جهتها، الدكتورة كلثوم اقيس، وهي أستاذة باحثة بجامعة محمد الخامس بالرباط، أثارت في مداخلتها بعنوان: “الهجرة والتعددية الثقافية: آلية للسلام والتعايش أم عنف ناعم؟”، مفارقة إشكالية حول ما تطرحه التعددية الثقافية للمهاجرين من سلم تعايش من جهة، وهر وتعسف من جهة أخرى، وذلك من خلال تفكيك مجموعة من المفاهيم المرتبطة بالهجرة من قبيل الاندماج والاستيعاب والمثاقفة والتثاقف…، مؤكدة في ذلك على نظرية بارك حول الاندماج ومراحله الأساسية لتحقيق التكيف، والنظرية البنيوية ودورها في بناء الثقافة من طرف جميع أفراد المجتمع عن طريق الزواج المختلط الذي ينتج التعددية الثقافية. وفي هذا الصدد أكدت على أن الاستيعاب الذي اعتمدته مختلف الدول كان أذاتيا، من خلال توفير مجموعة من الشروط بالاعتماد على المؤسسات الاجتماعية، مما أفرز مستويات عدة للتعامل مع ظاهرة الهجرة، منها السياسي والاجتماعي والديمغرافي….
وفي المداخلة الأخيرة، التي ألقاها الدكتور عبد الحق البكوري، وهو أستاذ باحث بجامعة محمد الأول بوجدة، بعنوان: “الهجرة وسؤال التعددية الثقافية والهوية الدينية بجهة الشرق، المهاجرون الأفارقة والسوريون أنموذجا”، تم رصد الجوانب الثقافية والهوياتية للمهاجرين المستقرين بالمغرب، سواء المسيحيين والمسلمين من أصول إفريقية، أو السوريين القادمين من الشام فارين من الحروب الأهلية. وقد أكد الدكتور أن الهجرة ليست مجرد عملية يقوم فيها المهاجر بحزم حقائبه للرحيل إلى مكان آخر، وإنما هي عملية يحمل فيها ثقافته وهويته الحضارية والدينية.
وقد خلص الدكتور في دراسته الميدانية إلى أن الهجرة يمكن وصفها بأنها شبابية وذكورية إضافة إلى أنها غير متجانسة، بل متعددة الروافد الثقافية ومتنوعة إثنيا، ودينيا، ومذهبيا، ولغويا، وبعيدة عن الخلفيات الاقتصادية أو الجغرافية المتعلقة بقرب المغرب من أوروبا. كما شدد على أن فهم النتائج التي أفرزتها الدراسة لا يمكن فهمها إلا بالعودة إلى أطروحة كليفورد غيرتز حول تأويل الثقافات. وأضاف الدكتور البكوري أن المجتمع المغربي لازال يغيب النقاش العمومي حول الهجرة والتعددية الثقافية، ويفسر ذلك بالضغوط والمتطلبات الاقتصادية وما يرتبط بها من هموم معيشية آنية.
وفي الأخير، فُتح نقاش مُوسع مع الحضور حول المحاور الرئيسية لهذه الجلسة، تمت خلاله إضافات وتدخلات جديدة أبرزت جوانب أخرى من التعددية الثقافية حول الهجرة، كما طرحت مجموعة من الأسئلة، مثل: هل الحديث عن التعددية الثقافية محرار جيوسياسي؟ وما مصدر هذه التعددية؟ هل التعددية الثقافية ترتبط فقط بالاستيعاب والاندماج؟ أم هناك جوانب سياسية متدخلة؟ وغيرها، بعد ذلك فتح المجال أمام الأساتذة المشاركين للإجابة عن الأسئلة المطروحة، والتي كانت متعددة ومتنوعة وشاملة لما طرح من إشكالات.


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

اترك رد