زينب هاشم حسين: تدريسية في قسم اللغة العربية – كلية التربية / ابن رشد، جامعة بغداد
قراءة وتقييم في كتاب اللغة والحجاج للمؤلف : أبو بكر العزاوي
مقدمة عن الكتاب ( وصفٌ عام ):
” وحاجه قومه قال أ تحاجوني في الله وقد هدان … ” (آل عمران 65)
” ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم ، فلم تحاجون فيما ليس بكم به علم ” (آل عمران 65)
يبدأ المؤلف كتابه بهاتين الآيتين الكريمتين مباشرةً قبل العنوان وقبل أن يقدم لكتابه .ويقع الكتاب في مقدمة وأربع فصول وخاتمة ، فضلاً عن فهرس المصادر والمراجع وفهرس الموضوعات.
يتمحور الكتاب حول إثبات حجاجية اللغة الطبيعية ، ويؤكد على وظيفة اللغة الحجاجية إلى جانب وظائفها الأخرى كالتواصلية والإخبارية .
وينطلق من هذه المفهوم – الذي يقيم عليه كتابه – إلى وصف ودراسة بعض الجوانب الحجاجية للغة العربية متخذاً من ” نظرية الحجاج في اللغة ” التي وضع أسسها اللغوي الفرنسي أوزفالد ديكرو إطاراً منهجيًا وفكريًا للكتاب.
هدف الكتاب :
يوضح المؤلف في مقدمة كتابه الهدف من تأليفه هذا الكتاب ، وهو : دراسة ووصف بعض الجوانب الحجاجية للغة العربية ، وتأكيد فرضية الطبيعة الحجاجية للغة الطبيعية ، وإبراز بعض الجوانب الحجاجية للغة العربية في مستويات عديدة .
ويعلل الكاتب سبب اختياره لموضوع الكتاب بخلو الساحة العربية من مثل هذه الموضوعات في الوقت الذي حَظِي فيه موضوع الحجاج باهتمام كبير من قبل الأوساط العلمية الأوربية والأمريكية.
فصول الكتاب وموضوعاته :
الفصل الأول
” الحجاج اللغوي والدلاليات الحجاجية”
الهدف من هذا الفصل التعريف بنظرية ” الحجاج في اللغة ” والتعريف بأهم مفاهيمها ومصطلحاتها مثل : الحجة ، النتيجة ، الروابط والعوامل الحجاجية ، التوجيه ، السلم الحجاجي ، المبادئ والمسلمات الحجاجية ، مع معالجة الدلاليات الحجاجية في مبحث مستقل.
قضايا الفصل الجوهرية :
• عرض نظرية الحجاج في اللغة :
إن هذه النظرية التي وضع أسسها اللغوي الفرنسي ديكرو تهتم بالوسائل اللغوية وبإمكانات اللغة الطبيعية التي يتوفر عليها المتكلم ، وهذه النظرية تتعارض مع كثير من النظريات اللغوية الحجاجية الكلاسيكية التي تعد الحجاج منتمياً إلى البلاغة ؛ فهي تبين أن اللغة تحمل بصفة ذاتية وجوهرية وظيفة حجاجية.
وقد انبثقت نظرية ” الحجاج في اللغة ” من داخل نظرية ” الأفعال اللغوية ” التي وضع أسسها أوستن وسيرل ؛ فقد قام ديكرو بتطور أفكار وآراء أوستن بالخصوص ، مقترحاً إضافة فعلين لغويين هما فعل الاقتضاء وفعل الحجاج ، مع أعادة تعريف مفهوم التكليم أو الإنجاز.
• بيان مفهوم الحجاج وبعض المفاهيم الحجاجية :
– الحجاج : هو تقديم الحجج والأدلة المؤدية إلى نتيجة معينة .
– الحجة والنتيجة : الحجة عبارة عن عنصر دلالي يقدمه المتكلم لصالح عنصر دلالي آخر.
وتتسم الحجج اللغوية بعدة سمات منها : إنها (سياقية) ، و (نسبية) ، و (قابلة للإبطال) السلم الحجاجي : هو فئة حجاجية موجهة ، وهو علاقة ترتيبية للحجج تبدأ من الأضعف وترتقي إلى الأقوى ،
قوانين السلم الحجاجي : أهمها ثلاثة :
قانون النفي ، قانون القلب ، قانون الخفض .
• الروابط والعوامل الحجاجية :
1. الروابط الحجاجية : وهي روابط تربط بين حجتين ، ويتمثل دور هذ الرابط في إدراج حجة جديدة أقوى من الحجة المذكورة قبله .
2. العوامل الحجاجية : وهي العوامل التي تقوم بحصر وتقييد الإمكانات الحجاجية التي تكون لقولٍ ما .
• المبادئ الحجاجية :
إن وجود الروابط والعوامل الحجاجية لا يكفي لقيام وسلامة العملية الحجاجية ، بل لا بد من ضامن يضمن الربط بين الحجة والنتيجة ، وهذا الضامن هو ما يعرف بالمبادئ الحجاجية ، وهي قواعد عامة تجعل حجاجاً خاصاً ما ممكناً.
3. الدلاليات الحجاجية :
تتعارض نظرية “الحجاج في اللغة” مع بعض النظريات السائدة في الدلالة من أهمها :
التيار الوصفي : الذي يذهب إلى أن كل قول إثباتي هو تمثيل ووصف للواقع ، ويُعد المعنى الوصفي معنى أول ، والمعنى الإنجازي معنى ثانوي أو هامشي.
التيار اللاوصفي : يرى أصحاب هذا الاتجاه أن عددا كبيرا من الأقوال الإثباتية الإخبارية ليست إثباتات حقيقة.
الحجاجية الضعيفة : يرفض رواد هذا الاتجاه إدراج الحجاج ضمن ميكانزمات اللغة ويرفضون اعتباره من الأوليات اللغوية والدلالية.
4. المعنى الحجاجي والمعنى الإخباري :
ترى نظرية “الحجاج في اللغة” أن تسلسل الأقوال والجمل في الخطاب لا يعتمد المعنى الإخباري أو المحتوى الإعلامي ، وإنما يعتمد بالأساس المعنى الحجاجي أو القيمة الحجاجية للقول ، وهذا يعني أن المكون الحجاجي أساسي في المعنى والمكون الإخباري هامشي وثانوي .
الفصل الثاني
بعض الروابط الحجاجية في اللغة
يهدف الفصل إلى دراسة بعض الروابط الحجاجية في اللغة العربية ، لخلو الساحة العربية تماما من مثل هذه الموضوعات في الوقت الذي حظيت فيه نظيراتها في اللغات الأمريكية والأوربية باهتمام كبير ، على الرغم من أن هذه الروابط مهمة جدا لأنها المؤشر الأساسي والبارز على أن الحجاج مؤشر له في بنية اللغة.
وقد حدد المؤلف الروابط المتناولة في هذا الفصل بثلاثة روابط هي : ( بل ، لكن ، حتى ) ؛ وذلك لكثرة استعمال هذه الروابط اللغة العربية ، ولوضوح علاقتها القوية مع المعنى الضمني والمضمر ، ولكثرة دراسة نظيراتها في اللغات الأجنبية : ( But , Mais , Even ).
القضايا الجوهرية في هذا الفصل :
5. الوصف الحجاجي للروابط الحجاجية :
– “بل” و “لكن” : تستعملان للحجاج وللإبطال ، ويعبران دائما عن معنى التعارض والتنافي بين ما قبلها وما بعدها
– بعض الفروق القائمة بين “بل” و”لكن”:
1. “لكن” لها استعمال حجاجي واحد ، تكون بموجبه مقابلة للأداة “بل”
أما ” بل ” لها استعمالان : أولهما تكون فيه مرادفة لـ ” لكن ” ، والآخر ترادف فيه “حتى ” .
2. الواو تدخل على ” لكن ” ، وتدخل فيما بعد ” بل ”
وعند دخول الواو على ” لكن ” تقوم بوظيفة العطف وتقوم ” لكن ” بوظيفة الربط الحجاجي
أما في حالة عدم دخول الواو على ” لكن ” فإن ” لكن ” تقوم بالعطف والربط الحجاجي معاً.
أما ” بل ” تدخل الواو فيما يرد بعدها ، فتجعل ” بل ” مرادفة لـ ” حتى ” فتربط بين الحجج المتساوقة ، وفي حالة عدم دخول الواو فيما بعد ” بل ” تكون ” بل ” مرادفة لـ ” لكن ” فتربط بين الحجج المتعارضة.
3. عند اجتماع الرابطين ( بل ولكن ) في سياق واحد فلا يمكن أن تكون لهما نفس الوظيفة الحجاجية.
– ” حتى ” رابط حجاجي يربط بين حجج متساوقة لها نفس التوجه الحجاجي ، وتخدم نفس النتيجة ، ولكن الحجة الثانية بعد الرابط أقوى من الحجة التي قبله.
إن الرابط الحجاجي ” حتى ” لا يمكن أن يستعمل داخل القول الواحد إلا مع الأسوار الكلية ( كل ، وجميع ) ، أو شبه الكلية ( جل ، أغلب ، كثير ) مثل : لم يحضر جميع الأصدقاء ، حتى المخلصون.
أما الأسوار الوجودية أو البعضية ( بعض ، قليل ) فلا يتلاءم معها بتاتاً ، فلا يصح مثل : بعض التلاميذ لم ينجحوا ، حتى الأذكياء.
بعض الفروق القائمة بين الرابطين ” بل ” و ” حتى ” :
1. تدخل الواو فيما بعد ” بل ” ، ولا يمكن دخولها فيما بعد ” حتى ” لأن ما بعد ” حتى الحجة الأقوى والأخيرة التي تتموقع في أعلى السلم الحجاجي.
2. إن الحجج المدرجة بواسطة ” حتى ” تكون في الغالب مضمرة ، مثل : يحترم حتى خصومه ، أما الرابط ” بل ” فيشترط التصريح بكل الحجج ، فلا نقول : يحترم بل خصومه ، ولكن نقول : يحترم أقاربه وجيرانه بل خصومه.
الفصل الثالث
الاستعارة والحجاج
يهدف هذا الفصل إلى تناول الاستعارة من منظور نظرية ” الحجاج في اللغة ”
قضايا الفصل الجوهرية :
1. لم تعد الاستعارة تعتبر شكلاً بلاغياً وأسلوبياً ، أو نوعاً من الزخرف اللفظي المنتمي إلى الأدب فقط ؛ فالاستعارة واحدة من الوسائل اللغوية التي يستغلها المتكلم للوصول إلى أهدافه الحجاجية ، بل إنها من الوسائل التي يعتمدها بشكل كبير جداً ، وهي تقوم بدور مماثل لدور بعض الروابط الحجاجية ، مثل ” حتى ” .
2. إن القول الاستعاري يقدمه المتكلم كدليل قوي لصالح النتيجة المتوخاة ، وهذا ما يجعله فوق الإبطال ، فلا يمكن أن نتصور ورود دليل مضاد بعد القول الاستعاري يخدم النتيجة المعاكسة.
3. الاستعارة الحجاجية : هي وسيلة لغوية يستغلها المتكلم بقصد توجيه الخطاب وتحقيق أهدافه الحجاجية ، وهي الأكثر انتشاراً لارتباطها بمقاصد المتكلمين وبسياقاتهم التخاطبية والتواصلية.
الاستعارة البديعية : فهي مقصودة لذاتها ، ولا ترتبط بالمتكلمين وبمقاصدهم وأهدافهم الحجاجية ، ويقصد منها المتكلم إظهار تمكنه من اللغة فهي ترد في سياق الزخرف اللفظي والتففن الأسلوبي ، وليس سياق التواصل والتخاطب.
الفصل الرابع
قوة الكلمات أو اللغة بين الإنجاز والحجاج
الهدف من الفصل دراسة سلطة اللغة من منظور لساني وتداولي وفي إطار : نظرية الأفعال اللغوية ، ونظرية الحجاج في اللغة.
قضايا الفصل الجوهرية :
6. إن سلطة اللغة وسلطانها يبرز في قدرتها الإنجازية .
7. إن الفعل اللغوي هو كل نشاط يقوم به شخص معين ، أي نشاط يهدف إلى تحويل الواقع ، وهذا الفعل قد يكون قد يكون فعلاً قانونياً كالفعل الذي يتلفظ به القاضي ، أو مؤسساتياً يرتبط إنجازه بالعديد من المؤسسات الاجتماعية ، والشرعية والقانونية.
8. إن الأقوال والألفاظ التي نستعملها وننتجها في حياتنا اليومية لها طابع حجاجي واضح ولها قوة حجاجية بارزة تسعى للتأثير في المتلقي .
الخاتمة
وضع المؤلف لكتابه خاتمة موجزة لم تتجاوز الصفحة بيّن فيها بعض الأهداف التي حققها في صفحات الكتاب ، مثل :
1. بيان أهمية التحليل الحجاجي لبعض الظواهر اللغوية.
2. تأكيد فرضية الطبيعة الحجاجية للغة الطبيعية.
3. توسيع مجال النظرية الحجاجية وتطويرها باقتراح مفاهيم جديدة كالانسجام الحجاجي وتعالق الروابط ، وتوسيع مجال تطبيقها ليشمل ظواهر لغوية جديدة كالاستعارة.
تقييم الكتاب
1. تميز الكتاب بمنهجية واضحة رسم خطوطها العامة في مقدمته والتزم بتطبيقها في كل فصوله ، فقد التزم المؤلف بأن يوضح الهدف من الفصل ثم ينتقل إلى عرض المادة التي كان في الأغلب يحدد الإطار المنهجي الذي سيسير عليه عند عرضها ، وغالباً ما كان يعلل سبب اختياره لموضوع ٍ ما ، أو مفهومٍ ما دون غيره قبل عرضه ، وفي نهاية موضوعاته يقدم النتيجة أو ملخص الفكرة التي توصل إليها بعد عرض المادة ، كما أنه لا يذكر أي مسألة أو قاعدة حجاجية أو مفهوم حجاجي إلا أتبعه بشاهد شعري أو قرآني أو أمثلة متنوعة.
2. تتميز شواهده بالدقة ووضوح الهدف مع الاقتصار على العبارة المفهمة من غير أن يزيد عليها وذلك حتى في الآيات القرآنية ، ومن الجدير بالذكر أنه نوع في شواهد بين الشعر والنثر؛ فقد لفت انتباهي استشهاده بجمل من رواية زقاق المدق لنجيب محفوظ.
3. برزت أمانة الكاتب العلمية في مواضع عديدة ، حتى في الإطار المنهجي الذي يعتمد في عرض الموضوعات ، فقد يذكر على من اعتمد في منهجيته تلك ، من ذلك ما جاء في مقدمة الفصل الرابع بقوله : ” يهدف هذا العرض إلى تناول الاستعارة من منظور ” الحجاج في اللغة ” ، وقد انطلق من قراءة مقال ميشال لوغرن ( الاستعارة والحجاج ) ” . ويحيل في الهامش إلى المقال المذكور.
4. إن المراجع التي اعتمدها المؤلف كانت أغلبها أجنبية مع القليل من المراجع العربية ، وهذا يعود لتمكنه من اللغات الأجنبية خصوصاً الفرنسية ؛ فقد تخرج من جامعاتها.
5. برزت شخصية الباحث في مواضع عديدة ، أهمها :
– وضوح الهدف والالتزام به في فصول الكتاب كافة وتقديم كافة الأمثلة والاستدلالات لبيان الهدف وتحقيقه ، من ذلك : استدلاله بجواز إدراج الواو فيما بعد (بل) ، وإمتناع إدراجها بعد (حتى) ، على أن حجاجية اللغة حجاجية طبيعية تنسجم مع سمات البنية اللغوية التي تفرض قيودها ليس فقط على الأقوال اللغوية بل على التسلسلات الخطابية والكيفية التي يتم بها عرض الحجج في الخطاب.
– إن تلمذته على يد ديكرو مكنته من الإحاطة بكافة أعماله التي تتناول نظرية ” الحجاج في اللغة ” من كتب ومقالات ، ومكنته كذلك من تتبع آراء ديكرو السابقة واللاحقة ، وما تغير منها ، وما أعاده أو عدله ، وذلك مما أشار إليه كثيراً في صفحات كتابه.
– قدم الكاتب العديد من الآراء والاجتهادات الشخصية في الكتاب تعلق بعضها بالاستعارة ، أو بوصف الروابط اللغوية العربية ، أو بظواهر لغوية أخرى . من ذلك : رأيه في الاستعارة بأنها تقوم بدور مماثل لبعض الروابط الحجاجية مثل ” حتى “.
6. مما يؤخذ على الكتاب :
– تناقض في الأحكام : ففي الصفحة (107) يحكم بلحن المثال التالي : ( زيد أسد لكنه متهور) والسبب أنه يرى أن كلمة ( متهور ) إبطالاً لحجاجية الاستعارة في ( زيد أسد ) وهو يقرر أن القول الاستعاري فوق الإبطال ولا يمكن ورود دليل مضاد بعده يخدم النتيجة المعاكسة ، ثم يورد في الصفحة (109) مثالاً على الاستعارة الحجاجية التي نستعملها في اللغة اليومية ، وهو : أسد علي وفي الحروب نعامة ، من غير أن يعترض على إبطال الاستعارة في ( أسد علي ) بكلمة ( نعامة ) التي تدل على الخوف كما يتبين من السياق. مع أن التضاد والمعاكسة في المعنى الواردة في المثال الأخير أشد من المثال الأول.
– إغفال بعض جوانب الموضوع المهمة ، وهو ما اعترف به المؤلف في مقدمة الكتاب وخاتمته معللاً ذلك لكون البحث محاولة أولى لدراسة الجوانب الحجاجية في اللغة العربية بوجه خاص واللغة البشرية بوجه عام ، وقد وعد بتدارك هذا النقص في مؤلفات أخرى.
– كانت فصوله التطبيقية مثل الفصل الخاص بالروابط الحجاجية والفصل الخاص بالاستعارة بحاجة إلى التوسيع والتفصيل أكثر وهذا ما اعترف به المؤلف في خاتمة كتابه.
اترك رد